بدور زكي محمد
◄يؤكد الإسلام على أهمية العمل الصالح، وقبول سائر العبادات وقد روى البخاري عن رسول الله (ص) في شهر رمضان قوله: "من لم يَدَع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه..". إنّ إلتماس الحق أن الصدق في القول من شأن النفوس القوية التي ترى في إيمانها جانب المحبة لا الخوف الذي قد ينطوي على الشك، كما إنّه دليل على إعتبار الخيار الإنساني في السلوك عاملاً حاسماً في حساب الأفعال، على خلاف القائلين بالتسيير المطلق لكل ما يصدر عن الإنسان. إنّ قول الزور وفعله من متعلقات المصالح، سواء في جلب المنافع أو درء المضار، فكم من الناس من يعنيه أمر الحقيقة لذاتها دون أن يكون في إظهارها فائدة له؟ ولو حاول البعض أن يضع نفسه في أجواء هذا الحديث، فإنّه بلا شك يسعى لأن يقوّم نفسه بما فيه صلاحها وصلاح مجتمعه. فالإسلام على عكس ما يراه البعض من نظرة أحادية قاتمة، دين السلام والرحمة والغفران، وإذا كان من أسماء الله الحسنى "المنتقم" فإنّ الإنتقام الإلهي هوعقاب الظالمين لتأديبهم وانصاف ضحاياهم، لا كما يفعل البعض حين يجعلوه سبباً لكره الحياة والبعد عن محاسنها المشروعة، رغم قول الله تعالى في محكم كتابه الكريم: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) (القصص/ 77). إنّ قول الحقيقة في الدين أصبح من أصعب الأمور في أيامنا هذه لأنّ البعض لا يستقيم له إلا تأصيل شريعة الخوف، لا الخير والرحمة والتسامح، ولعل هذا البعض وقع في قراءة خاطئة للآيات القرآنية الكثيرة أو للأحاديث النبوية الشريفة، التي تبشر بالغفران بخاصة في هذا الشهر الفضيل، منها ما نقل عن دارم بن قبيضة عن الامام علي بن موسى الرضا، عن آبائه (ع) من أنّ الرسول بسط فضائل شهر رمضان في شأن المغفرة فقال إنّ الله يغفر: "في كل ليلة لسبعين ألفا، فإذا كان ليلة القدر غفر الله لمثل ما غفر في رجب وشعبان ورمضان..."، لكن الحديث المذكور يستثني من تلك المغفرة العاجلة (للسبعين ألف و...): "رجلاً بينه وبين أخيه شحناء، فيقول الله عزّ وجلّ: إنظروا هؤلاء حتى يصطلحوا"، فالحديث يفتح النفوس على باحات المغفرة والتسامح، ويرشد في الوقت نفسه إلى أهمية العامل الأخلاقي وتلازمه مع الإيمان وقد ورد عن النبي محمد (ص) قوله: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ثمّ إنما الدين المعاملة وبقدر حسن المعاملة يكون حسن المرء. إنّ مشيئة العفو والغفران والتسامح تفسح المجال أمام إرادة الاعتدال ليتم تجنّب الغلو والتشدد الذي يهدد إستقرار المجتمعات. لقد كان بإمكان الرسول (ص) حين دخل مكة منتصراً في شهر رمضان ان يفتك بمن حاربه واذل المسلمين، لكنه أبى ذلك وحين سمع قول سعد بن أبي عبادة: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة" غضب وطلب من علي بن أبي طالب (ع) أن يدركه ففعل ونادى: "اليوم يوم المرحمة، اليوم تصال الحرمة". لقد حرص النبي على إستقرار المجتمع وصلاحه. وما يختص به الله شهره الكريم، إنّه يقيد الشياطين، وهذا ما تقوله مجموعة من الأحاديث بأنّ الله كفى الناس في شهر رمضان أعداءهم من الأنس والجن ووكل بكل شيطان مريد سبعة من ملائكته". إن تقييد الشياطين الأرضية ضرورة لبلوغ عالم أكثر أمناً وأوفر إنسانية وأسلم إيماناً، وهو أمر شديد الصعوبة، ويستطيع المعنيون الإسهام بصناعة بعض القيود التي تدر جانباً من الشرور من خلال الدعوة إلى إسلام يعلي من قيم التسامح ويدعو إلى المعاملة الحسنة ونشر مكارم الأخلاق.►