هناك آثار لترك الصلاة تبرز في حياة الإنسان العملية، قد أُكّد عليها من لدُن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الذي أوردناه حول الخصال الخمس عشرة أكّدت على أنّ الله تعالى ينزع البركة من عمر الإنسان التارك للصلاة، وهذه البركة المنزوعة لها معان:
الأوّل: أنّ الله تعالى لا يُبارك في عمر التارك للصلاة، وبالتّالي يكون عمره قصيراً.
الثاني: أنّه لا يوفّق للخيرات الأخرى، وهذا المعنى أُشير له في الروايات أنَّ الصلاة عمود الدين إن قُبِلت قُبِل ما سواها وإن رُدّت رُدّ ما سواها، أي، إنَّ جميع الخيرات التي تصدر من لدن الإنسان تكون غير مقبولة بل لا يترتّب عليها أيّ أثر، لأنّه ترك عمود الإسلام وعماده، وكما شبّهه الإمام الباقر عليه السلام بعمود الخيمة، الذي بدونه تسقط الخيمة كلّها، وكذلك، كلّ الأعمال الصالحة تُقبَل وتؤثّر بواسطة قبول الصلاة، فإذا تُركت الصلاة، فإنّ كل تلك الخيرات الأخرى لا تترتّب ولا تُؤثّر.
الثالث: يقصد من نزع البركة من عمره بمعنى حرمانه من الذرّية الصالحة، التي تدعو له، لأنّه قد يُوفّق الإنسان في ذرّية صالحة بحيث يُمكن أن يأتي أحد أحفاده ولو بعد خمسين حفيد، فيدعو لهذا الإنسان ويعمل له الطاعات وأعمال البر، التي ترجع عليه بالفائدة والنفع الكبير. ولكن الإنسان التارك للصلاة لا يكتب الله تعالى في ذرّيته البركة، والإنسان الصالح يحفظ الله تعالى له صلاحه، وتنعكس آثار هذا الصلاح على ذرّيته جيلاً بعد جيل، وقد رأينا ذلك في ما قصّه الله تعالى علينا في سورة الكهف ممّا جرى بين العبد الصالح. الخضر عليه السلام، وكليم الله موسى عليه السلام: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾[1]، وفي أقل الروايات الواردة في تشخيص هذا الأب الصالح قيل: هو الجد السابع، فتأمّل.
سُرّاق الصلاة:
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أسرق السرّاق من سرق من صلاته ـ يعني لا يتمّ فرائضها"[2]، وربما يتصوّر بعض سرّاق الصلاة أنّ العجلة فيها من علامات الفقه، فكلّما سرق ركوعها وسجودها وأركانها كان ذلك علامة فضيلته وفقهه، هؤلاء ضرب لهم مثلاً مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، فاستمع إليه إذ قال: "مثل الذي لا يتمّ صلاته كمثل حُبلى حملت حتّى إذا دنا نفاسها أسقطت، فلا هي ذات حمل ولا هي ذات ولد"[3] وروي عن سلمان المحمدي وابن مسعود وابن عباس حديث واحد، واللفظ لسلمان قال رضي الله عنه: "الصلاة مكيال، فَمَنْ وَفَّى وفِيَ لَهُ، ومن طفّف فقد علمتم ما قال الله في المطفّفين"[4].
قال مولانا الإمام الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يزال الشيطان ذَعِراً من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهنّ، فإذا ضيّعهنّ تجرّأ عليه فادخله في العظائم"[5].
قربان الأتقياء، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة الكهف، الآية 82.
[2] القاضي النعمان بن محمد المغربي، دعائم الإسلام، ج 1، ص 133.
[3] المصدر السابق، و كنز العمال، ج 7، ص 509، ح 20006.
[4] يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، الاستذكار، ج 1، ص 67، طبعة:1دار الكتب العلمية.
[5] ثقة الإسلام الشيخ الكليني، الكافي، ج 3، ص 269، حديث 8.