إذا بلغ الناس إلى أوج الوعي السياسي، عندئذ إذا خطب رجل سياسي أو صرّح بتصريح ما، يعرف الجميع كم قد انطلق في كلامه من الأهواء النفسانيّة، وما هو الهدف الذي يرمي إليه. فما لم يكن الناس هكذا، لم يصلوا إلى أوج الوعي الديني. وكان النبي (صلى الله عليه وآله) بصدد إيصال الناس إلى هذه النقطة، لا أن يعتكفوا في بيوتهم ويصلّوا فقط. ولا شك في أن الغاية من الوصول إلى هذه النقطة أي الوصول إلى الوعي السياسي، هو الوصول إلى الهدف الرئيس وهو التأهّل والتهيؤ للقاء الله.
الساحة السياسية يعني التفكير حول العالم وتفاصيله العظيمة. فما لم تخوضوا في هذه الساحة لن يكبر قدركم، وإن لم تكبروا لن تتأهلوا للقاء الله العظيم. ولكن أكثر أهل العالم ليسوا بسياسيّين. وإذا كان كذلك لا يزال تسيطر عليهم فئة قليلة وتحكم مقدّراتهم كيف تشاء.
لماذا استطاعت انجلترا الصغيرة أن تسيطر على كثير من البلدان؟
هل تعلمون كم مساحة انكلترا؟ لعلّ مساحتها لا تزيد عن مساحة إحدى محافظاتنا. إذن كيف استطاعت أن تسيطر على كثير من البلدان؟ ويا ترى كم كان عدد قوات جيشهم؟ الواقع هو أنهم قد استطاعوا أن يهيمنوا على كثير من البلدان بسبب مهارة واحدة يملكونها وهي: «في كل مجتمع، إذا استطعتم أن تؤثروا على بعض الخواص المؤثّرين، تستطيعون بعد ذلك أن تسيطروا على باقي أفراد المجتمع، إذ أن أكثر الناس يتبرّمون من الشؤون السياسيّة».
كون أكثر الناس بعيدين عن الأجواء السياسيّة فسح المجال لمستكبري العالم أن يهيمنوا عليهم. هنا يأتي هذا السؤال وهو: ما علاقة هذا البحث برسالة الأنبياء (عليهم السلام)؟
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «مَنْ أَطَاعَ رَجُلًا فِی مَعْصِیَةٍ فَقَدْ عَبَدَهُ»([1])، قد يقول البعض: «نحن لم نعبده، وإنما أطعناه لنتّقي شرّه». في حين أن القضيّة ليست بهذه البساطة. فإننا إن أطعنا أحدا في معصية الله فقد عبدناه وأصبح ربّنا. ولذلك ليست مشكلتنا ـ نحن المسلمين ـ الرئيسية، عبادة الأوثان، وإنما هي «إطاعة الرجال».
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) حول قوله تعالى: «وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَة»([2]) أيْ یَکُونُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِینَ اتَّخَذُوهُمْ آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ عَلَیْهِمْ ضِدّاً یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَ یَتَبَرَّءُونَ مِنْهُمْ وَمِنْ عِبَادَتِهِمْ إِلَى یَوْمِ الْقِیَامَةِ؛ لَیْسَتِ الْعِبَادَةُ هِيَ السُّجُودَ وَلَا الرُّکُوعَ وَإِنَّمَا هِيَ طَاعَةُ الرِّجَالِ، مَنْ أَطَاعَ مَخْلُوقاً فِي مَعْصِیَةِ الْخَالِقِ فَقَدْ عَبَدَه»([3]).
وعَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع: عَنْ رَجُلَیْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَیْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِی دَیْنٍ أَوْ مِیرَاثٍ فَتَحَاکَمَا إِلَى السُّلْطَانِ وَإِلَى الْقُضَاةِ أَیَحِلُّ ذَلِكَ قَالَ مَنْ تَحَاکَمَ إِلَیْهِمْ فِی حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ فَإِنَّمَا تَحَاکَمَ إِلَى الطَّاغُوتِ وَمَا یَحْکُمُ لَهُ فَإِنَّمَا یَأْخُذُ سُحْتاً وَإِنْ کَانَ حَقّاً ثَابِتاً لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِحُکْمِ الطَّاغُوتِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ یُکْفَرَ بِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاکَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ یَکْفُرُوا بِه)([4]) قُلْتُ: فَکَیْفَ یَصْنَعَانِ قَال: ...؛([5]).
وكان الإمام الخميني (قدس سره) يقول: «لو فرضنا أن أمريكا قد عرضت علينا مقترحا إسلاميّا إنسانيّا مئة بالمئة، نحن لا نصدّق بأنهم يخطون خطوة واحدة لصالحنا ومن أجل السلام. وحتى لو قالت أمريكا وإسرائيل «لا إله إلا الله» نحن لا نقبل»([6]).
أقرّوا بأن بعض الأيادي قد ربّتنا على الابتعاد عن السياسة. فقد أصبحنا وبشكل مقزّز أخلاقيين ومعنويين ولكن بعيدين عن السياسة وغير مكترثين بأكثر عامل حاسم وأعقد ساحة مؤثرة في مصير الناس ومستقبلهم. بينما كان الإمام الخميني (قدس سره) يقول: «والله إن الإسلام كله سياسة، فقد عرّفوه لنا بشكل سيّئ»([7]) وقال في مكان آخر: «الإسلام دين السياسة قبل أن يكون دين المعنوية»([8])
كما كان الوعي السياسي يمثّل أوج رسالة الأنبياء (عليهم السلام). ولكن أيّ من مناهجنا الدراسية وأنظمتنا التعليمية وبعد مضي 35 سنة من انتصار الثورة، تعلّم الأطفال والطلاب هذه المعارف بشكل صحيح؟ ثم نتيجة تقصيرنا في هذا المجال هو تأخير فرج مولانا صاحب الزمان (عج).
سماحة الشيخ علي رضا بناهيان
([1]) الكافي/2/398
([2]) مريم/81
([3]) تفسير القمي/2/55
([4]) النساء/60
([5])ا لكافي/1/67
([6]) صحيفة الإمام الفارسية/ج15/ص339
([7]) صحيفة الإمام(الفارسية)/ج1/270
([8]) صحيفة الإمام(الفارسية)/ج6/467