ونخلص من ذلك الى أن مسألة الحكومة في الإسلام لا تعني مجرد وجود سلطة تأخذ بمقاليد المجتمع الإسلامي وتدير شؤونه بدقة وانتظام، بل إنها تعني الإمامة.
إنّ معنى الإمامة هو قيادة الأبدان والقلوب، وليست مجرد الحاكمية على الأبدان أو إدارة شؤون الحياة اليومية للناس فحسب، بل إدارة القلوب، ومنح التكامل للأرواح والنفوس، والرقي بمستوى الأفكار والقيم المعنوية.
فهذا هو معنى الإمامة، وهذا هو ما يهدف إليه الإسلام، وكذلك كانت الأديان الأخرى، ومع أنه لم يبق بيد البشرية وثائق دقيقة على هذا الصعيد فيما يخص الأديان الأخرى، إلاّ أن الإسلام ما زال يمتلك أبرز الأدلة والوثائق دقة ووضوحاً.
إنّ الإسلام منذ ظهوره ونشأته يهدف الى إدارة شؤون البشرية وحياتها، وهنا نلمس فرقاً جوهرياً ومعنوياً بين الحركة الإسلامية وسواها من الحركات الأخرى.
فالإسلام يصبوا الى إدارة الحياة الدنيوية والأخروية لبني الإنسان، ويسعى الى منح البشرية ما ينبغي لها من كمال وسمو حقيقي فضلاً عن تنسيق وتنظيم حياتها اليومية المعهودة.
فهذا هو ما يأخذه الإسلام على عاتقه، وهذا هو معنى الإمامة على وجه الدقة.
لقد كان الرسول (صلى الله عليه وآله) إماماً بهذا المعنى كما ورد في رواية عن الإمام الباقر(عليه الصلاة والسلام) عندما نادى بصوته بين الحجيج في (منى) قائلاً: (إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان هو الإمام).
إنّ معنى الإمام هو حاكمية الدين والدنيا في حياة الناس.
إنّ هذا هو أحد أبعاد القضية، وهو البعد العقائدي الذي يؤمن به الشيعة، حيث استطاعوا بهذا المشعل الزاهر وهذا المنطق القويم إثبات حقانيتهم لدى كافة الباحثين عن الحقيقة وجميع المنصفين على طول امتداد مراحل التاريخ الإسلامي.
إنّ بقاء الشيعة وتناميهم رغم كل ما واجهوا من عقبات ومشاكل وضغوطات على مر التاريخ كان بفضل استنادهم وتمسكهم بهذا المنطق القويم الواضح الذي لولاه لكان مصيرهم الى الاضمحلال والزوال. إنه لمنطق قوي وقويم للغاية.
* من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله لمناسبة عيد الغدير الأغر. الزمان: 8/10/1386هـ. ش ـ 18/12/1428هـ.ق ـ 29/12/2007م.