أمين الوحي في غدير خم

قيم هذا المقال
(0 صوت)
أمين الوحي في غدير خم

لما انتهت مراسيم الحج، وتعلم المسلمون مناسكه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قرّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الرحيل عن مكة، والعودة الى المدينة، فأصدر أمرا بذلك.

ولما بلغ موكب الحجيج العظيم إلى منطقة «رابغ»([1]) التي تبعد عن «الجحفة»([2]) بثلاثة أميال نزل أمين الوحي جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمنطقة تدعى «غدير خم» وخاطبه بالآية التالية: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ»([3]).

إن لسان الآية وظاهرها يكشف عن أن الله تعالى ألقى على عاتق النبي (صلى الله عليه وآله) مسئولية القيام بمهمة خطيرة، وأي أمر اكثر خطورة من أن ينصب عليا (عليه السلام) لمقام الخلافة من بعده على مرأى ومسمع من مائة ألف شاهد.

من هنا أصدر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمره بالتوقّف، فتوقفت طلائع ذلك الموكب العظيم، والتحق بهم من تأخّر.

لقد كان الوقت وقت الظهيرة، وكان الجو حارا الى درجة كبيرة جدا، وكان الشخص يضع قسما من عباءته فوق رأسه والقسم الآخر منها تحت قدميه، وصنع للنبي (صلى الله عليه وآله) مظلة وكانت عبارة عن عباءة القيت على أغصان شجرة، (سمرة) وصلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحاضرين الظهر جماعة، وفيما كان الناس قد احاطوا به صعد (صلى الله عليه وآله) على منبر اعدّ من أحداج الإبل وأقتابها، وخطب في الناس رافعا صوته وهو يقول:
«الحمد لله ونستعينه ونؤمن به ونتوكّل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن ضلّ ولا مضلّ لمن هدى وأشهد ان لا إله إلاّ هو وأن محمّدا عبده ورسوله.
أمّا بعد، أيّها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبي إلاّ مثل نصف الذي قبله، وإني أوشك أن ادعى فأجيب وأني مسئول وانتم مسئولون فما ذا انتم قائلون؟
قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيرا قال (صلى الله عليه وآله):
«ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله وأنّ جنّته حق وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور»؟
قالوا: بلى نشهد بذلك.
قال (صلى الله عليه وآله):
«اللهمّ اشهد».
ثم قال (صلى الله عليه وآله):
«إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبداً».
فنادى مناد: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، وما الثقلان؟
فقال (صلى الله عليه وآله): «كتاب الله سبب طرف بيد الله وطرف بأيديكم فتمسكوا به والآخر عترتي وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا».
وهنا أخذ بيد «عليّ» (عليه السلام) ورفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه الناس اجمعون ثم قال:
«أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من انفسهم؟».
قالوا: الله ورسوله أعلم.
فقال (صلى الله عليه وآله):
«إن الله مولاى وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليّ مولاه([4])، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله واحب من احبه وابغض من ابغضه وادر الحق معه حيث دار»([5]).
 
سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)، آية الله المحقق الشيخ جعفر السبحاني


([1]) رابغ تقع الآن على الطريق بين مكة والمدينة.
([2]) من مواقيت الاحرام وتنشعب منها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين.
([3]) المائدة: 67.
([4]) لقد كرر النبي (صلى الله عليه وآله) هذه العبارة ثلاث مرات دفعا لأي التباس أو اشتباه.
([5]) راجع للوقوف الكامل على مصادر هذا الحديث المتواتر موسوعة الغدير للعلامة الاميني.

قراءة 1051 مرة