الحياة.. نسائم أمل ورجاء

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الحياة.. نسائم أمل ورجاء

يمكن أن تكون الحياة مزرعة بأحد المعاني التالية:

أ) مزرعة مهمة متروكة بلا عناية ولا إهتمام، تكثر فيها الاشواك والطحالب والطفيليات والأمراض والنباتات الضارة.. صفراء.. هزيلة.. خاوية.. تبعث على الأسى والأسف.

ب) مزرعة مزدهرة، نظرة، مثمرة، خَضِرة.. ظلالها وارفة كثيفة، وأشجارها مهرعة عامرة، العناية بها دائمة متواصلة، فهي تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها، يقول الشاعر في المقارنة بين المزرعتين:

إذا أنتَ لم تزرعْ وأبصرتَ حاصداً *** ندمت على التقصير في زمنِ البذر!!

وهذا هو معنى (التغابن) كاسم من أسماء القيامة.. لأنّ مَن جدّ وجد ومَن زرع حصد، ومَن لم يفعل ندم وافتقد، ومن استثمر الحياة - وهي أفضل رأس مال عرفه الإنسان- استحالت مزرعته من (جنينة) إلى (جنّة)، ومن أهملها -عامداً أو مقصّراً- عاش (الفقر) و(القفر) في نار لا تبقي ولا تذر.

هل هناك بين الصنفين صنف ثالث؟ نعم، هم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فعسى أن يتوب الله عليهم.

- الحياة متجرٌ كبير:

يعرف التجّار قبل غيرهم أنّ السوق لا تحابي ولا تجامل أحداً، في قائمة ونشطة بنشاط أربابها وأصحابها والساعين لادامة حركتها، وانّ خير التجّار وأكثرهم ربحاً هم الذين يلتزمون بأصول التعامل في السوق، ويحرصون على اكتساب سمعة طيبة تتيح لهم الحظوة عند زملائهم من رفاق السوق وعند عملائهم وزبائنهم. الحياة يمكن أن تكون متجراً كبيراً لا تكاد حركة البيع والشراء تتوقف فيه لحظة: (البائع) فيها الإنسان نفسه، و(المشتري) هو الله تبارك وتعالى، و(البضاعة) أو (التجارة) هي الأعمال الصالحة التي يقوم بها الإنسان لكسب رضا صاحب السوق، المهيمن عليها، والمتصرّف بأحوالها وفق نوايا وأهداف وأساليب تعامل، ومقاصد تجّارها. هي تجارة من نوع خاص وفريد جدّاً، (المشتري) فيها هو (المانح) وهو (القابض) وهو (المكافئ).. والبائع فيها رابح في جميع صفقاته، فإذا باع بصدق وتعامل بإخلاص، فهو لن يخسر شيئاً على الاطلاق، فالتجارة مع الله رابحة.. ورابحة دائماً، والإيمان به والعمل في سبيله يحقق من درجات الربح أكلها وأعلاها.. هاتِ لي أيّة خسارة في الحياة الدنيا بالنسبة للعاملين في سوق الله، إنّها في حسابات التجارة الربّانية والصفقات الإلهيّة رابحة وإن بدت في أعين الناس خسارة.. هي رابحة ربحاً غير مرئيّ ولا منظور، أو انّه غير قابل للحساب عن طريق الرياضيات. المتاجرون مع الله يتحدثون وإنما عن شيء اسمه الألطاف الخفيّة، فإذا خسروا شيئاً، أو فقدوا شيئاً، التمسوا تعويضه أو (ربحه) في غيره.. وإليك بعض الأمثلة: هم يجدون -مثلا- في الخسائر الآنية ربحاً مستقبلياً أكبر.. أو قرباً إلهياً أكبر يتيح لهم أن يلجأوا إلى ملاذهم، ولذلك ترى أنّ شعارهم هو (الخير في ما وقع) حتى وإن بدا هذا الواقع للوهلة الأولى ليس خيراً، بل شرّاً ظاهر، الّا أنّهم ينظرون إلى (النصر المعنوي) إن فاتهم (النصر المادِّي)، ويستطلعون نحو الأفضل إن خسروا ما بين أيديهم من صفقات مادّية. ذات مرّة احترقت معامل مخترع الكهرباء (أديسون) وكان قد تقدّم به العمر.. كان يمكن أن يقول وهو واقف على أطلال معامله التي استحالت رماداً: لم يعد في العمر فسحة أو متسع لإعادة البناء من جديد.. أو يقول: لقد احترقت آمالي كلّها جميعاً.. أو يقول: يكفيني ما أنجزت وحققت.. لم يقل ذلك، بل قال: الحمد لله.. سيكون بامكاننا أن نعيد البناء من جديد وبلا أخطاء هذه المرّة!! تجّار السوق الإلهيّة لا يختنقون بسموم الحياة، تبت عليهم نسائم الأمل والرجاء على طول طريق الحياة.. هي (سيولتهم) إن فقدوا السيولة!!

قراءة 483 مرة