عَنِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام): «بَيْنَا رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه وآله) فِي بَعْضِ أَسْفَارِه، إِذْ لَقِيَه رَكْبٌ فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه، فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ مُؤْمِنُونَ يَا رَسُولَ اللَّه. قَالَ: فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكُمْ؟ قَالُوا: الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّه، والتَّفْوِيضُ إلى اللَّه، والتَّسْلِيمُ لأَمْرِ اللَّه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه وآله): عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ كَادُوا أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْحِكْمَةِ أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَلَا تَبْنُوا مَا لَا تَسْكُنُونَ، ولَا تَجْمَعُوا مَا لَا تَأْكُلُونَ، واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْه تُرْجَعُونَ»[1].
الإيمانُ المطلوبُ مِنَ الإنسان، والذي دعا اللهُ عزَّ وجلَّ إليه، هو الذي يؤثِّرُ في سلوكِه؛ وذلكَ مِنْ خلالِ بعضِ الصفاتِ التي تتحلّى بها هذهِ النفس. وبالاعتمادِ على هذهِ الصفاتِ، تسيرُ الجوارحُ، وتصلُ بذلكَ إلى غايتِها، وهي السلامةُ في الآخرةِ، ووراثةُ الجنّة.
وفي الروايةِ وَردَ ذِكرُ صفاتٍ ثلاثٍ للنفس، تؤثِّرُ في سلوكاتٍ ثلاث:
أمّا الصفاتُ فهي:
1. الرضا بقضاءِ الله: يقولُ العلَّامةُ النراقيُّ (رحمهُ الله) عنه: «وهوَ مِنْ ثمراتِ المحبَّةِ ولوازمِها؛ إذِ المُحِبُّ يَستحسنُ كلَّ ما يصدرُ عنْ محبوبِه، وصاحبُ الرضا يستوي عندَه الفقرُ والغِنا، والراحةُ والعناء، والبقاءُ والفناء، والعزُّ والذلّ، والصِحّةُ والمرض، والموتُ والحياة؛ ولا يرجِّحُ بعضَها على بعض، ولا يُثقِلُ شيءٌ منها على طبعِه، إذ يرى صدورَ الكلِّ عَنِ اللهِ سبحانَه، وقدْ رسَخَ حبُّه في قلبِه»[2].
2. التسليمُ لأمرِ الله: ويُبيِّنُه الإمامُ الخمينيُّ (قُدِّسَ سرُّه) بقولِه: «التسليمُ عبارةٌ عَنِ الانقيادِ الباطنيّ، والاعتقادِ القلبيِّ في مقابلِ الحقّ، وهو ثمرةُ سلامةِ النّفسِ مِنَ العيوب، وخلوِّها مِنَ الملكاتِ الخبيثة... [وهو] انعدامُ إرادةِ العبدِ في مقابلِ إرادةِ الحقِّ تعالى، فهذا هو مقامُ التسليم».
عَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «إذا قالَ العبدُ: لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بالله، قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ للملائكة: استسلمَ عبدي، اُقضُوا حاجتَه»[3].
3. التفويضُ إلى الله: إيكالُ الأمورِ إلى اللهِ عزَّ وجلّ، والردُّ إلى اللهِ عزَّ وجلّ، قالَ تعالى: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾[4].
وأمّا السلوكاتُ، فهي ثلاث:
1. مِنَ البناءِ حاجتُه: في فِطرةِ الإنسانِ السعيُ للاستغناءِ عَنِ الناسِ، والوصولِ إلى ما يحتاجُ إليه ممّا يجعلُه في مأمن، ولكنَّ العِبرةَ في أنْ يكونَ ذلكَ للآخرةِ، وليسَ للدنيا فقط، ففي المرويِّ عَنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «مِنَ العَناءِ أنَّ المرءَ يجمعُ ما لا يأكل، ويبني ما لا يسكن، ثمَّ يخرجُ إلى اللهِ تعالى، لا مالاً حَمل، ولا بِناءً نَقل»[5].
2. مِنَ الطعامِ مَأْكَلُه: فحِرْصُ الإنسانِ على جمعِ الكثيرِ مِنَ القُوتِ بما يزيدُ على حاجتِه، يكونُ فيه عاملاً لغيرِه، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «يَابْنَ آدَمَ، مَا كَسَبْتَ فَوْقَ قُوتِكَ، فَأَنْتَ فِيهِ خَازِنٌ لِغَيْرِكَ»[6].
3. تقوى الله: فعَنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إنَّ التقوى أفضلُ كنز، وأحرَزُ حِرز، وأعزُّ عِزّ، فيه نجاةُ كلِّ هارب، ودَرْكُ كلِّ طالب، وظَفَرُ كلِّ غالب»[7].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص53.
[2] الشيخ النراقيّ، جامع السعادات، ج3، ص162.
[3] الشيخ البرقيّ، المحاسن، ج1، ص42.
[4] سورة غافر، الآية 44.
[5] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص170، الخطبة 114.
[6] المصدر نفسه، ص503، الحكمة 192.
[7] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص684.