أسباب ضعف الإيمان عديدة، ولكن أبرزها هو ما سنذكره فيما يلي:
1- الابتعاد عن مجالس العلماء والحضور في مجالس اللهو والفساد:
يقول الإمام زين العابدين في دعاء أبي حمزة: "سيّدي... أَوْ لَعَلَّكَ فَقَدْتَنِي مِنْ مَجالِسِ العُلَماءِ فَخَذَلْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي فِي الغافِلِينَ فَمِنْ رَحْمَتِكَ آيَسْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي آلِفُ مَجالِسَ البَطَّالِينَ فَبَيْنِي وَبَيْنَهُمْ خَلَّيْتَنِي،... "[1].
لقد حثّ النبيّ وأهل البيت على حضور المجالس الّتي يُذكر الله تعالى فيها وعدم الابتعاد عنها، لأنّها تُشكّل روضة من رياض الجنّة كما يقول رسول الله: "ارتعوا في رياض الجنّة، قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنّة؟ قال: مجالس الذكر"[2]. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ما قعد عدّة من أهل الأرض يذكرون الله إلّا قعد معهم عدّة من الملائكة"[3]. وأهمّ مجالس أهل الذكر مجالس العلماء، وفي وصيّة لقمان عليه السلام لابنه: "يا بُنيّ! جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإنّ الله عزَّ وجلَّ يُحيي القلوب بنور الحكمة كما يُحيي الأرض بوابل السماء"[4].
في المقابل نهى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام بشدّة عن حضور مجالس البطّالين وأهل السوء، قال تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾[5]. وقال الإمام الصادق عليه السلام: "لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَجْلِسَ مَجْلِساً يُعْصَى اللَّه فِيه ولَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِه"[6].
2- ارتكاب الذنوب والمعاصي:
إنّ من أبرز أسباب البُعد عن الله تعالى وضعف الإيمان ارتكاب الذنوب والآثام، وتجرُّؤ العبد وانتهاكه لحرمة الله. فكما هي من ظواهر ضعف الإيمان، كذلك هي من أسباب ضعف الإيمان.
عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "مَا مِنْ شَيْءٍ أَفْسَدُ لِلْقَلْبِ مِنْ خَطِيئَةٍ إِنَّ الْقَلْبَ لَيُوَاقِعُ الْخَطِيئَةَ فَمَا تَزَالُ بِه حَتَّى تَغْلِبَ عَلَيْه فَيُصَيِّرَ أَعْلَاه أَسْفَلَه"[7].
فالذنوب تُكدّر القلب وتسوّده وتصيّره مائلاً كلّه إلى الباطل لأنّ أعلاه طرفه المائل إلى الحقّ وأسفله طرفه المائل إلى الباطل. فإذا جعلت أعلاه أسفله جعلت كلّه مائلاً إلى الباطل، أو جعلته كالكوز المنكوس لا يدخل فيه شيء من الحقّ، وخرج ما دخل فيه فيصير خالياً من الحقّ والمعارف، مظلماً قابلاً لجميع المفاسد نعوذ بالله من ذلك[8].
3- طول الأمل:
قال الله تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾[9], وعن الإمام عليّ (عليه السلام): "إنّي أخاف عليكم اثنتين اتّباع الهوى وطول الأمل أمّا اتّباع الهوى فإنّه يصدّ عن الحقّ وأمّا طول الأمل فإنّه ينسي الآخرة"[10].
4- التعلّق بالدنيا:
عن الإمام الصادق: "مَنْ أَصْبَحَ وأَمْسَى، والدُّنْيَا أَكْبَرُ هَمِّه، جَعَلَ اللَّه تَعَالَى الْفَقْرَ بَيْنَ عَيْنَيْه، وشَتَّتَ أَمْرَه ولَمْ يَنَلْ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قَسَمَ اللَّه لَه، ومَنْ أَصْبَحَ وأَمْسَى، والآخِرَةُ أَكْبَرُ هَمِّه، جَعَلَ اللَّه الْغِنَى فِي قَلْبِه وجَمَعَ لَه أَمْرَه"[11]. والمقصود بالتعلّق بالدنيا الدنيا المذمومة، والمقصود بها دنيا الإنسان نفسه حيث يتعلّق بها ويحبّها حتّى تصبح منشأ كلّ المفاسد والخطايا النفسيّة والعمليّة.
قد أفلح المؤمنون، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج95، ص 87.
[2] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج7، ص 231، باب استحباب الجلوس مع الذين يذكرون الله، ومع الذين يتذاكرون العلم، ح (9199) 3.
[3] المصدر نفسه، ص 153، باب استحباب ذكر الله في كلّ مجلس، والصلاة على محمّد وآل محمّد، ح (8982) 4.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج1، ص 204، باب 4مذاكرة العلم، ومجالسة العلماء، والحضور في مجالس العلم، وذمّ مخالطة الجهال، ح22.
[5] سورة النساء، الآية 140.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 374، باب مجالسة أهل المعاصي، ح1.
[7] المصدر نفسه، ص 268، باب الذنوب، ح1.
[8] المولى المازندرانيّ، شرح أصول الكافي، مصدر سابق، ج9، ص 242.
[9] سورة الحجر، الآية 3.
[10] الفيض الكاشانيّ، الوافي، تحقيق ضياء الدين الحسينيّ "العلّامة" الأصفهانيّ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، إيران - أصفهان، 1406ه، ط1، ج5، ص 902، باب اتباع الهوى، ح 3255 – 4.
[11] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 319، باب حبّ الدنيا والحرص عليها، ح15.