الخوف والرجاء

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الخوف والرجاء

عنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَوْ أَبِيه، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام, قَالَ: قُلْتُ لَه مَا كَانَ فِي وَصِيَّةِ لُقْمَانَ، قَالَ عليه السلام: "كَانَ فِيهَا الأَعَاجِيبُ، وكَانَ أَعْجَبَ مَا كَانَ فِيهَا أَنْ قَالَ لِابْنِه: خَفِ الله عَزَّ وجَلَّ خِيفَةً لَوْ جِئْتَه بِبِرِّ الثَّقَلَيْنِ لَعَذَّبَكَ وارْجُ الله رَجَاءً لَوْ جِئْتَه بِذُنُوبِ الثَّقَلَيْنِ لَرَحِمَكَ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام, كَانَ أَبِي يَقُولُ إِنَّه لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَفِي قَلْبِه نُورَانِ نُورُ خِيفَةٍ ونُورُ رَجَاءٍ لَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا ولَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا"1.

التوازن بين الخوف والرجاء في قلب المؤمن:
ذكرت الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام أَنَّ أمر العبد لا يمكن أن يستقيم إلا إذا تردّد بين الخوف والرجاء، وكانا متوازيين في قلبه وسلوكه العملي، ولا ينبغي أن يغلب أحدهما الأخر، بل لا بدّ أنْ يكونا على وزان واحد, لأنّه لو رَجُح جانب الخوف وقع العبد في اليأس والقنوت من رحمة الله تعالى وهما من كبائر الذنوب، وإنْ رَجُح جانب الرجاء وقع في محذور أخر وهو الأمن من مكر الله تعالى،الَّذِي هو أيضاً من الكبائر.

وها هو الإمام الصادق عليه السلام يذكر أَنَّ أحسن ما كان في وصية لقمان الحكيم أنْ يكون العبد على صفة الخوف والرجاء, إذ إنّهما جناحا الإنسان اللذان يحّلق بهما ليصل إِلَى ربّ العزة بقلب سليم، ولا يمكن له الوصول إلا بهما، وقد أضاف عليه السلام مطلباً عن أبيه عليه السلام يدلُّ على لزوم تعادلهما، وقد جاء هذا التأكيد بتلك الصورة المفصّلة ليدلّل على أهمية هذا التوازن، وأنّه هو المصحح لرؤية العبد في مجال نظرته إِلَى خالقه.

العلاقة بين الخوف والرجاء:
ذكر الإمام عليه السلام في الرواية المتقدّمة ضابطة عامة للخوف والرجاء، وهي: "إِنَّ مَنْ رَجَا شَيْئاً طَلَبَه"، بمعنى أَنَّ من يرجو رحمة الله تعالى وغفرانه عليه أن لا يشتغل بالمعاصي والموبقات، بل عليه أن يعمل على صلاح نفسه، ويشتغل في تحصيل رضا الله تعالى بامتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه. نعم، باب الرجاء مفتوح لكلّ العباد، خصوصاً إذا لاحظنا أَنَّ الله هو التواب الغفار لكن يحتاج إِلَى عمل على وفق ما يرجوه العبد.

ورجاء كلّ شيء يلازم الخوف من فواته, فلذا قال الإمام عليه السلام: "مَنْ خَافَ مِنْ شَيْءٍ هَرَبَ مِنْه"، فإذا كنت ترجو رحمة الله تعالى وفضله وتحسن الظن به فعليك أن تهرب من المعاصي ومن الأمور التي تؤدّي إِلَى الأمن من مكره وسخطه.

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال لعبد الله بن جندب: "يَا ابْنَ جُنْدَبٍ يَهْلِكُ الْمُتَّكِلُ عَلَى عَمَلِهِ وَلَا يَنْجُو الْمُجْتَرِئُ عَلَى الذُّنُوبِ الْوَاثِقُ بِرَحْمَةِ الله، قُلْتُ: فَمَنْ يَنْجُو، قَالَ: الَّذِينَ هُمْ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ كَأَنَّ قُلُوبَهُمْ فِي مِخْلَبِ طَائِرٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَخَوْفاً مِنَ الْعَذَابِ‌"2.

حقيقة الخوف والرجاء وأثرهما في النفس:

1- حقيقة الخوف:
الخوف حالة من حالات القلب مسبّبة عن انتظار المكروه وسوء العاقبة, والخوف من الله تعالى نوع من الخضوع والخشية والتألّم أمام عظمة الله تعالى، وهو من خصائص المؤمنين وسمات المتقين، روي عن الإمام علي عليه السلام: "الخشية من عذاب الله شيمة المتقين"3.

ويجب أن يربي المؤمن نفسه على الخوف من الله تعالى ليكون باعثاً له على الطاعة ومنفّراً له من الذنب والمعصية، روي عن الإمام الصادق عليه السلام "ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفاً كأنّه يشرف على النار..."4.

وينبغي أن يتّسم بالقصد والاعتدال فلا إفراط ولا تفريط في الخوف، لأنّ الإفراط يؤذي النفس ويجعلها في حالة اليأس من الرجاء والأمل، والتفريط باعث على الإهمال والتقصير والتمرّد على طاعة الله تعالى، روي عن الإمام علي عليه السلام: "خير الأعمال اعتدال الرجاء والخوف"5.

وعليه ينبغي للعبد أن ينظر إِلَى ضعفه وفقره الذاتي واحتياجه بكلّ حركاته وسكناته، ويتوجّه إِلَى الفيض الإلهي ويتأمّل في صفاته تعالى التي منها القهّار الجبّار القوي المتعال شديد المحال، ويتبصّر بأهوال يوم القيامة وأحواله، ويستذكر ما ارتكب من المعاصي والموبقات، ليتولّد عنده حالة خوف من الله تعالى تبعث في قلبه الخشية منه.

وقد مدحت النصوص الشرعية الخوف والخشية من الله تعالى، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ6، ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ7.. ويعتبر الخوف من الله تعالى صفة الأنبياء والأوصياء والمقربين والأبرار الذين خافوا الله واتقوه في جميع حالاتهم، وهو صفة العلماء، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء8، وخير الناس عند الله تعالى هم الأشدُّ خوفاً منه، وهو رأس الحكمة، وأصل خير الدنيا والآخرة، ومصدر حب الله تعالى للعبد، وسجن النفس عن المعاصي، وينفي العجب عن الطَّاعة، وأمان من النار، ولا ينبغي للمؤمن أن يخاف مخافة حقيقية إلا من الله تعالى، وأنّه إذا خاف الله تعالى أخاف الله منه كلّ شيء9.

عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام, قَالَ: "الْمُؤْمِنُ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي مَا صَنَعَ الله فِيه وعُمُرٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي مَا يَكْتَسِبُ فِيه مِنَ الْمَهَالِكِ فَهُوَ لَا يُصْبِحُ إِلَّا خَائِفاً ولَا يُصْلِحُه إِلَّا الْخَوْفُ"10.

وعنه عليه السلام: "يَا إِسْحَاقُ خَفِ الله كَأَنَّكَ تَرَاه وإِنْ كُنْتَ لَا تَرَاه فَإِنَّه يَرَاكَ"11.

وعن الْهَيْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام يَقُولُ: "مَنْ خَافَ اللهَ أَخَافَ اللهُ مِنْه كُلَّ شَيْءٍ ومَنْ لَمْ يَخَفِ اللهَ أَخَافَه اللهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ"12.

هذه الروايات وغيرها تنبّه العبد على حقيقته وهي الفقر إِلَى الله تعالى، وتذكّره بأنّ الدنيا محفوفة بالمخاطر والمزالق واتّباع الشهوات والمهالك ووساوس الشياطين, فلذا عليه أن يكون في حذر ويقظة مستمرة حتى كأنّه يرى الله تعالى، ويستحضر ساحة قدسه وعظمته، فيمتنع عن المعاصي والغفلة، وما أجمل تعبير الإمام الصادق عليه السلام حينما قال في الرواية المتقدمة: "ولَا يُصْلِحُه إِلَّا الْخَوْفُ"!!

2- حقيقة الرجاء:
المقصود من الرجاء أَنَّ من صدر منه تقصير في جنب الله تعالى فعليه أن يحسن الظن بربّه ويرجو أن يغفر له ويرحمه، وكذا من قام بفعل الطاعات عليه أن يرجو من الله تعالى القبول فالرّجاء: هو الفرح لانتظار محبوب بخلاف الخوف، باعتبار أَنَّ الأمور المستقبلية التي تخطر ببال العبد إن كان قد مهّد مقدماتها وحصّل أسبابها فعندئذ يسمى انتظاره لها رجاء، وأمّا من انهمك بالمعاصي والشهوات ووقع في شباك الشيطان وعبد هواه وهو مع ذلك يرجو عدم المؤاخذة والتبعة من غير ترك للذنب ولا توبة وندم على ما سلف منه، فهذا يسمّى غروراً بالله تعالى وتمنياً لرحمته.

يذكر الإمام الخميني قدس سره في الأربعون حديثاً، "قال بعضهم: "إنّ مَثَلَ من لا يعمل وينتظر رحمة ربه ويرجو رضوانه مَثَلُ من يرجو المسبِّب دون أن يُعِدَّ الأسباب، وَمَثَلُ الفلاّح الذي ينتظر الزرع من دون أن يبذر الأرض أو يهتم بها وبإروائها أو يقضي على موانع الزرع. إن مثل هذا الانتظار لا يسمى بالرجاء، بل هو بله وحماقة. وإن مَثَل من لم يُصلح أخلاقه أو لم يبتعد عن المعاصي فينهض بأعمال راجياً تزكية نفسه، مَثَلُ من يودع البذر في أراضي سبخة، ومن الواضح أن هذا الزرع لا يثمر النتيجة المتوخاة".

فالرجاء المستحسن والمحبوب هو تهيأة كافة الأسباب التي يمتلكها الإنسان كما أمر الله بها واستغلالها حسب القدرة التي زوّده بها الحق المتعال بعنايته الكاملة، وحسب هدايته عز وجل إيّاه إلى طرق الصلاح والفساد، ثم ينتظر ويرجو الحق المتعال أن يتمّ عنايته السابقة تجاه الأسباب التي وفّرها من قبل، ويحقق الأسباب التي لا تدخل تحت إرادته واختياره من بعد، ويزيل الموانع والمفاسد.

فإذا نظّف العبد قلبه من أشواك الأخلاق الفاسدة وأحجار الموبقات وسباختها، وبذر فيها بذور الأعمال، وسقاها بماء العلم الصافي النافع والإيمان الخالص، وخلّصها من المفسدات والموانع مثل العجب والرياء وأمثالها التي تعد بمثابة الأعشاب الضارة العائقة لنمو الزرع، ثم انتظر ربه المتعالي ورجاه أن يثبّته على الحق، ويجعل عاقبة أمره إلى خير، كان هذا الرجاء مستحسناً. كما يقول الحق المتعالي: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ13.

الغاية المرجوّة من الرجاء:
لا بد للعبد أن ينظر إِلَى كمال الله تعالى وسعة رحمته التي وسعت كلّ شيء، ولطفه ومحبته لعباده وشفقته عليهم، وأن يلاحظ صفات الله تعالى الدالة على الرحمة واللطف، ويلاحظ الأبواب التي فتحها الله تعالى لعباده كالدعاء والتوبة والمناجاة وقبول الأعمال، كما أَنَّ العبد إذا وقف على حقيقة العبودية التي هي الثناء والشكر لله تعالى فعليه أن يقرّ بأنّه لم يصل إِلَى تلك الذات المقدسة حتى يقوم بعبادتها الحقيقية, حتى أَنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو سيّد الأنبياء والرسل وحبيب الله تعالى، وهو الذي وصل إِلَى قاب قوسين أو أدنى من ساحة القدس الإلهية يقول: "ما عبدناك حق عبادتك، وما عرفناك حق معرفتك"14.

فبعد ملاحظة كلّ ما تقدم، وحتى لا يقع العبد باليأس من روح الله تعالى وبالقنوط من رحمته، خصوصاً مع ملاحظة الروايات الدالة على الخوف والخشية، يأتي دور الرجاء والتعلُّق برحمة الله ومغفرته وعفوه.

وإن النصوص الشرعية قد أكّدت على حسن الظن بالله تعالى والوثوق برحمته ورجاء مغفرته ولطفه، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ15.

وعنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: قَالَ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى: "لَا يَتَّكِلِ الْعَامِلُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا لِثَوَابِي فَإِنَّهُمْ لَوِ اجْتَهَدُوا وأَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ وأَعْمَارَهُمْ فِي عِبَادَتِي كَانُوا مُقَصِّرِينَ غَيْرَ بَالِغِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ كُنْه عِبَادَتِي فِيمَا يَطْلُبُونَ عِنْدِي مِنْ كَرَامَتِي والنَّعِيمِ فِي جَنَّاتِي ورَفِيعِ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي جِوَارِي ولَكِنْ بِرَحْمَتِي فَلْيَثِقُوا وفَضْلِي فَلْيَرْجُوا وإِلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِي فَلْيَطْمَئِنُّوا فَإِنَّ رَحْمَتِي عِنْدَ ذَلِكَ تُدْرِكُهُمْ ومَنِّي يُبَلِّغُهُمْ رِضْوَانِي ومَغْفِرَتِي تُلْبِسُهُمْ عَفْوِي فَإِنِّي أَنَا الله الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وبِذَلِكَ تَسَمَّيْتُ"16.

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أيضاً، قَالَ: "وَجَدْنَا فِي كِتَابِ عَلِيٍّ عليه السلام أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ وهُوَ عَلَى مِنْبَرِه: والَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا أُعْطِيَ مُؤْمِنٌ قَطُّ خَيْرَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ إِلَّا بِحُسْنِ ظَنِّه بِالله ورَجَائِه لَه وحُسْنِ خُلُقِه والْكَفِّ عَنِ اغْتِيَابِ الْمُؤْمِنِينَ والَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَا يُعَذِّبُ الله مُؤْمِناً بَعْدَ التَّوْبَةِ والِاسْتِغْفَارِ إِلَّا بِسُوءِ ظَنِّه بِالله وتَقْصِيرِه مِنْ رَجَائِه وسُوءِ خُلُقِه واغْتِيَابِه لِلْمُؤْمِنِينَ والَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَا يَحْسُنُ ظَنُّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ بِالله إِلَّا كَانَ الله عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِه الْمُؤْمِنِ لأَنَّ الله كَرِيمٌ بِيَدِه الْخَيْرَاتُ يَسْتَحْيِي أَنْ يَكُونَ عَبْدُه الْمُؤْمِنُ قَدْ أَحْسَنَ بِه الظَّنَّ ثُمَّ يُخْلِفَ ظَنَّه ورَجَاءَه فَأَحْسِنُوا بِالله الظَّنَّ وارْغَبُوا إِلَيْه"17.

الفرق بين الرجاء والغرور:
إِنَّ مورد الرجاء هو تهيئة المقدمات وانتظار النتيجة، كمن بذر الأرض الصالحة للزرع وهيّأ أسباب الإنبات كالفلاحة والتسميد والسقي، وبعد ذلك يرجو من الله تعالى أن ينبت هذا الزرع.

وأمّا الغرور فهو الانتظار من دون تهيئة المقدمات والأسباب، كمن ألقى البذر في أرض غير صالحة للزرع بالمرة ولم يهيأ أسباب الإنبات فهو مغرور، وأمّا من ألقى البذر في الأرض الصالحة للزرع ولم يهيأ أسباب الإنبات فهو المتمني.

قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ18. فإنّ هذه الآية الكريمة تدلّ على بعض صفات الراجي حتى لا يقع العبد في الغرور والتمني.

عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَمَّنْ ذَكَرَه عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: "قُلْتُ لَه عليه السلام قَوْمٌ يَعْمَلُونَ بِالْمَعَاصِي ويَقُولُونَ نَرْجُو فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمُ الْمَوْتُ؟ فَقَالَ عليه السلام هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يَتَرَجَّحُونَ فِي الأَمَانِيِّ كَذَبُوا لَيْسُوا بِرَاجِينَ إِنَّ مَنْ رَجَا شَيْئاً طَلَبَه ومَنْ خَافَ مِنْ شَيْءٍ هَرَبَ مِنْه"19.

والمقصود من هذه الرواية واضحٌ، وهي رواية جامعة تدلُّ على الفرق بين الرجاء والغرور, حيث إِنَّ الإمام عليه السلام عبّر عن الذين يعملون المعاصي ويموتون على هذه الصفة ـ من دون توبة وتدارك لما فاتهم من العبادات والطاعات والمسامحة من الناس وإرجاع الحقوق إِلَى أهلها ومع ذلك يقولون نرجو فضل الله تعالى، ـ بالمترجحين في الأماني. والترجح تذبذب الشيء المعلّق في الهواء والتمايل من جانب إلى جانب, وترجحت به الأرجوحة مالت، وهي حبل يعلّق ويركبه الصبيان، فكأنّه عليه السلام شبّه أمانيهم بأرجوحة يركبها الصبيان تتحرّك بهم بأدنى نسيم وحركة، فكذا هؤلاء يميلون بسبب الأماني من الخوف إلى الرجاء من دون عمل.

خاتمة:
وفي الختام يمكن أن نقول: إِنَّ الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق، وإنّ أبواب رحمة الله تعالى مفتوحة لمن أراد دخولها، وإنَّ الله تعالى لم يحجب عن خلقه سبل رحمته، بل مهّد لهم كلّ أسباب الهداية والرشاد، وبقي على العبد أن يسلك سبل الهداية ويستضيء بنور العلم الواصل إلينا عن أهل بيت العصمة عليه السلام، وها هي رواياتهم قد ذكرنا شطراً منها الحاكية عن الخوف والرجاء والمؤكدة على لا بدية اتصاف العبد بهذين الوصفين باعتبارهما المصحّحان لرؤيته الأخروية والآخذان به إِلَى باب الاجتهاد في العمل ورجاء القبول حتى لا يتأرجح في الأماني كما عبّرت رواية الإمام الصادق عليه السلام المتقدمة، خصوصاً إذا لاحظنا أَنَّ بعض الناس يحاول أن يروّج لفكرة الرجاء بشكل مغلوط، ويوقع الناس بالغرور والتمنّي المذمومين، ويعتمد غالباً على روايات إمّا معارضة بروايات أخرى، وإمّا أَنَّ مضمونها لا ينسجم مع مسلّمات الدين والمذهب.
 

* كتاب محاسن الكلم، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- الكُلَيْني، مُحَمَّد بن يعقوب، الكافي، ج 2، ص 67، باب: الخوف والرجاء، الحديث: (1)، تصحيح وتعليق على أكبر غفاري، الطَّبعة الثّالثة 1367ش، دار الكتب الإسلاميَّة، طهران.
2- المحدث النوري، الميرزا حسين، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ج 11، ص 226، نشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، الطبعة الأُولى 1408، بيروت.
3- ميزان الحكمة، ج 1، ص 824.
4- بحار الأنوار، ج 7، ص 311.
5- ميزان الحكمة، ج 1، ص 826.
6- سورة آل عمران، الآية 175.
7- سورة المائدة، الآية 3.
8- سورة فاطر، الآية 28.
9- أكثر هذه المضامين مقتبسة من أخبار أهل البيت عليهم السلام، راجع: مستدرك الوسائل، ج 11، ص 229.
10- الكافي، ج 2، ص 71، مرجعٌ سابق.
11- المصدر نفسه.
12- المصدر نفسه، ج 2، ص 67.
13- سورة البقرة، الآية 218.
14- المجلسي، محّمَّد باقر، بحار الأنوار، ج 68، ص 23، الطَّبعة الثَّالثة 1403، دار إحياء التُّراث، بيروت.
15- سورة يوسف، الآية: 87.
16- الكافي، ج 2، ص 61، مرجعٌ سابق.
17- المصدر نفسه، ج 2، ص 72.
18- سورة البقرة، الآية 218.
19- المصدر نفسه، ج 2، ص 68.

قراءة 255 مرة