عَنْ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ (عليه السلام) -في ختامِ كتابِه للأشترِ لمَّا ولَّاه مصرَ-: «وَأَنَا أَسْأَلُ اللهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَة، أَنْ يُوَفِّقَنِي وَإِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ... وَأَنْ يَخْتِمَ لِي وَلَكَ بِالسَّعَادَةِ وَالشَّهَادَةِ»[1].
إنَّ طلبَ الشهادةِ، والرغبةَ فيها كانتا القاعدةَ التي سارَ عليها أولياءُ اللهِ عزَّ وجلَّ، الذينَ كانوا يتوسَّلونَ إليهِ سبحانَه لينالوا شرفَها؛ إذ أفضلُ ما تُختَمُ به الحياةُ هو الشهادة.
ولقافلةِ الشهداءِ سيِّدٌ مِنَ الأوَّلينَ والآخِرينَ هوَ الإمامُ الحسينُ (عليه السلام)، فقدْ وردَ في كتابِ «كاملِ الزيارات» عَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام)، عَنْ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَنِ اللهِ عزَّ وجلَّ في الحسينِ بنِ عليٍّ (عليهما السلام): «بورِكَ مِن مَولودٍ، عَلَيهِ بَرَكاتي وصَلَواتي ورَحمَتي ورِضواني؛ ونَقِمَتي ولَعنَتي وسَخَطي وعَذابي وخِزيي ونَكالي عَلى مَن قَتَلَهُ وناصَبَهُ وناواهُ ونازَعَهُ، أما إنَّهُ سَيِّدُ الشُّهَداءِ مِنَ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ، وسَيِّدُ شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ مِنَ الخَلقِ أجمَعينَ، وأبوه أفضَلُ مِنهُ وخَيرٌ، فَأَقرِئهُ السَّلامَ، وبَشِّرهُ بِأَنَّهُ رايَةُ الهُدى، ومَنارُ أولِيائي، وحَفيظي وشَهيدي عَلى خَلقي، وخازِنُ عِلمي، وحُجَّتي عَلى أهلِ السَّماواتِ، وأهلِ الأَرَضينَ، وَالثَّقَلَينِ الجِنِّ وَالإِنسِ»[2].
لقدْ خصَّ اللهُ عزَّ وجلَّ الحسينَ بنَ عليٍّ (عليهما السلام) بلقبِ سيِّدِ الشهداءِ مِنَ الأوَّلينَ والآخِرين، وكلُّ مَنِ التحقَ بركْبِ الشهداءِ فقدْ أصبحَ في قافلةِ سيِّدِها الحسينِ بنِ عليٍّ (عليهما السلام)، الذينَ خصَّهُمُ اللهُ عزَّ وجلَّ بعظيمِ المقامِ الذي يعجزُ عنْ وصفِه الإنسان. وقدْ أشارَ إمامُنا الخمينيُّ (قُدِّسَ سرُّه) إلى هذا الأمرِ بشكلٍ واضحٍ في كلماتِه؛ كقولُه: «ما الذي بوسعِ إنسانٍ قاصرٍ مثلي أنْ يقولَ عَنِ الشهداءِ الأعزّاءِ الذينَ قالَ اللهُ تعالى في شأنِهم تلكَ الكلمةَ العظيمة: ﴿أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾[3]، وهل يُمكنُ بالقلمِ والبيانِ والكلامِ التعبيرُ عَنِ الالتحاقِ باللهِ واستضافةِ مقامِ الربوبيّةِ للشهداء؟ أليسَ هذا مقامَ: ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾[4] الذي رأى الحديثُ الشريفُ مصداقَه في سيِّدِ الشهداءِ والمظلومين؟ وهلْ هذهِ الجنَّةُ هيَ التي يدخُلُها المؤمنونَ أمْ لطيفتُها الإلهيّة؟ هلِ الالتحاقُ والارتزاقُ عندَ ربِّ الأربابِ هوَ هذا المعنى البشريّ، أم أنَّهُ رمزٌ إلهيٌّ أسمى وفوقَ تصوُّرِ البشرِ الترابيّ؟»[5].
إنّ عَظَمةَ الشهيدِ تتجلَّى في الإيثارِ العظيمِ؛ كونُه يبذلُ روحَهُ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، يقولُ الإمامُ السيِّدُ عليٌّ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) في معنى الشهيدِ وحقيقتِه: «الشهيدُ هوَ الإنسانُ الذي يُقتَلُ في سبيلِ الأهدافِ المعنويّة، ويضحّي بروحِه -التي هي الجوهرُ الأصليُّ لكلِّ إنسان- لأجلِ الهدفِ والمقصدِ الإلهيّ. واللهُ المتعالي يردُّ على هذا الإيثارِ والتضحيةِ العظيمةِ بأنْ يجعلَ ذكرَ ذلكَ الشخصِ وفكرَه حاضرَينِ دائماً في أُمَّتِه، ويبقى هدفُه السامي حيّاً. هذه هي خاصيَّةُ القتلِ في سبيلِ الله. فالأشخاصُ الذين يُقتَلونَ في سبيلِه يحيَون، أجسادُهم تموتُ، ولكنَّ وجودَهُمُ الحقيقيُّ يبقى حيّاً».
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص445، الكتاب 53.
[2] ابن قولويه القمّيّ، كامل الزيارات، ص70.
[3] سورة آل عمران، الآية 169.
[4] سورة الفجر، الآيتان 29 و30.
[5] الإمام الخمينيّ (قدس سره)، صحيفة الإمام (الترجمة العربيّة)، ج17، ص116.