منطق الحرية في الإسلام

قيم هذا المقال
(0 صوت)
منطق الحرية في الإسلام

في الإسلام، المبنى الأساسيّ للإنسان هو التوحيد. بالطبع، لقد ذكر الأعزّاء بعض الموارد الأخرى أيضًا - وهي أيضًا صحيحة، لكنّ النقطة المركزية هي التوحيد. والتوحيد ليس منحصرًا بالاعتقاد بالله، بل هو عبارة عن الاعتقاد بالله والكفر بالطاغوت، والعبودية لله وعدم العبودية لغير الله، حيث يقول تعالى: ﴿تَعَالَواْ إِلَىٰ كَلِمَة سَوَاءِ بَينَنَا وَبَينَكُم أَلَّا نَعبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشرِكَ بِهِۦ﴾[1]؛ لا يقول ولا نشرك به أحدًا. بالطبع، هناك موردٌ جاء فيه كلمة أحدًا، لكنّه هنا بمعنىً أعمّ، حيث يقول لا نشرك به شيئًا، فلا نجعل أيّ شيء شريكًا لله، أي إنّكم إذا اتّبعتم العادات دون دليل فهذا خلاف التوحيد، وإذا اتّبعتم البشر يكون كذلك، وهكذا في مورد الأنظمة الاجتماعيّة - فكل ما لا ينتهي إلى الإرادة الإلهية - يكون في الواقع شركًا بالله. والتوحيد هو عبارة عن الإعراض عن هذا الشرك: ﴿فَمَن يَكفُر بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱستَمسَكَ بِٱلعُروَةِ ٱلوُثقَىٰ﴾[2]، فيوجد الكفر بالطاغوت وبعده الإيمان بالله. حسنًا، هذا معناه تلك الحريّة، فأنتم أحرارٌ من جميع القيود، غير العبودية لله.

أنا العبد، وقبل سنوات في صلاة الجمعة في طهران، تحدّثتُ عن بحث الحريّة في عشر أو خمس عشرة جلسة، وقد أشرت هناك إلى مسألة وقلت: "نحن في الإسلام نعدّ أنفسنا عبيدًا لله، لكن في بعض الأديان الناس هم أبناء الله. قلت ذاك مجاملة، إنّهم أبناء الله وعبيدٌ لآلاف البشر، عبيدٌ لآلاف الأشياء والأشخاص! الإسلام لا يقول هذا، بل يقول كن ابنًا لمن تشاء، ولكن كن عبدًا لله فقط. لا ينبغي أن تكون عبدًا لغير الله. فأساس المعارف الإسلاميّة في مورد الحرية ناظرٌ إلى هذه النقطة".
 
هذه اللّماظة لأهلها
ذاك الحديث المنقول عن أمير المؤمنين، وبالظاهر عن الإمام السجّاد عليه السلام، يقول: "ألا حرٌّ يدع هذه اللُّماظة لأهلها"[3]، هذه هي الحريّة ـ ألا يوجد حرٌّ يترك هذا المتاع الحقير. اللُماظة هي سوائل الأنف أو تلك الّتي تخرج من فم الحيوان الوضيع، ليتركها لأهلها؟ إلى هنا لا يُفهم شيء. من الواضح أنّ الحرّ هو الّذي يترك هذا الأمر لأهله ولا يسعى نحوه. فيقول بعد ذلك: "فليس لأنفسكم ثمنٌ إلّا الجنة فلا تبيعوها بغيرها"[4]. من المعلوم أنّهم يريدون أن يجعلوا لتلك اللّماظة قيمة وثمنًا، أي إنّهم كانوا يقدّمون تلك اللُّماظة ليبادلوا بها أنفسهم ووجودهم وهويّتهم وشخصيّتهم، فالقضيّة أنّ هناك معاملة تجري وهو ينهى عنها. فإذا أردتم أن تقوموا بهذه المعاملة، فلماذا تبيعون أنفسكم لقاء هذه اللُّماظة؟ بل اجعلوا ذلك فقط مقابل الجنّة والعبوديّة لله. لهذا، فإنّ النقطة المركزيّة هي هذه. بالطبع، توجد نقطة مركزية أخرى هي عبارة عن الكرامة الإنسانيّة، والّتي تشير إليها "وليس لأنفسكم ثمن إلّا الجنّة"، حيث ندخل الآن في هذا البحث.
 


[1]  سورة آل عمران، الآية 64.
[2]  سورة البقرة، الآية 256.
[3]  الشريف الرضي، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام، تحقيق صبحي الصالح، ط1، 1967م، ص556.
[4]  نهج البلاغة، ص556.

قراءة 185 مرة