حرمة إعانة الظالمين والركون إليهم

قيم هذا المقال
(0 صوت)
حرمة إعانة الظالمين والركون إليهم

إنّ أحد أهم العوامل التي تُهيّىء المجتمع الإسلامي للقيام بنصرة المظلوم هو البعد كل البعد عن إعانة الظالم وتقديم أي نوع من أنواع المساعدة له، لماذا؟ لأنّ مساعدة الظالم تجعله يتمادى في الطغيان، ويكون أكثر وقاحة في اقتراف المزيد من الظلم وأعمال الباطل، وكثير مِن الظلمة لا يباشرون الظلم بأنفسهم بل يجدون أعواناً لهم يعينونهم، ويُسهِّلونه عليهم، ولا يعلمون أنهم في الإثم سواء قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[1].
 
"ومن عظم خطر الظلم وسوء مغبّته أن نهى الله تعالى عن معاونة الظالمين والركون إليهم: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾[2]. هذا هو أدب القرآن الكريم، وهو أدب آل البيت عليهم السلام، وقد ورد عنهم ما يبلغ الغاية من التنفير عن الركون إلى الظالمين، والاتّصال بهم، ومشاركتهم في أي عمل كان، ومعاونتهم ولو بشقّ تمرة، ولا شك أنّ أعظم ما مُني به الإسلام والمسلمون هو التساهل مع أهل الجور، والتغاضي عن مساوئهم، والتعامل معهم، فضلاً عن ممالأتهم ومناصرتهم وإعانتهم على ظلمهم.... لقد جاهد الأئمة عليهم السلام في إبعاد من يتّصل بهم عن التعاون مع الظالمين، وشدّدوا على أوليائهم في مسايرة أهل الظلم والجور وممالأتهم، ولا يحصى ما ورد عنهم في هذا الباب"[3]. فقد روي عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: "من أعان ظالماً سلّطه الله عليه"[4]، وعنه صلى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: "من مشى مع ظالم فقد أجرم، يقول الله: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ﴾[5].[6]
 
ولأنّ في نصرة المظلوم حتى يأخذ حقّه، والأخذ على يد الظالم حتى يكفّ عن تعديه حفظ نظام المجتمع، وحماية الضعفاء من تسلّط الأقوياء، سعى أئمة الهدى عليهم السلام بكل ما أتاهم الله تعالى لإقامة حكمه في الأرض، وهو الحكم الذي يقتص فيه للمظلوم من الظالم، ويلقى المحسن والمسيء كل جزاءه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: "لم تكن بيعتكم إياي فلتة، وليس أمري وأمركم واحداً إنّي أريدكم لله، وأنتم تريدونني لأنفسكم. أيها الناس أعينوني على أنفسكم، وأيم الله - لأنصفنّ المظلوم، ولأقودنّ الظالم بخزامته حتى أورده منهل الحق، وإن كان كارهاً -"[7].
 
ومن أجل إدانة الباطل، وتأييد الحق، وتربية النفوس على مقت الظلم ورفضه، والبراءة من الظالمين أوصى مولانا أمير المؤمنين الإمامين السبطين الحسن والحسين عليهم السلام قائلاً: "كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً"، وأتبعها بقوله عليه السلام: "أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي .."[8]، وخاطب نوف البكالي واعظاً: "يا نوف إن سرك أن تكون معي يوم القيامة، فلا تكن للظالمين معيناً"[9]، وروى عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق قال: "سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "من أعان ظالماً على مظلوم لم يزل الله عليه ساخطاً حتى ينزع من معونته"[10].
 
وقد أمر عليه السلام صفوان بن مهران الجمال بأن يخاطب الإمام الحسين عليه السلام في الزيارة الشهيرة المعروفة بزيارة عرفة قائلاً: "... فلعن الله أمةً قتلتك، ولعن الله أمةً ظلمتك ولعن الله أمةً سمعت بذلك فرضت به.."[11]، ويرشدنا مولانا الإمام علي بن الحسين عليهما السلام في دعاء مكارم الأخلاق للاعتذار من الله سبحانه إن لم تكن لنا القدرة على نصرة المظلوم: "اللهم إنّي أعتذر إليك من مظلوم ظُلم بحضرتي، فلم أنصره"[12]، وفي دعاء العهد المروي عن إمامنا الصادق عليه السلام والذي يقول في فضله من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا.. "اللهم واجعله مفزعاً للمظلوم من عبادك، وناصراً لمن لا يجد ناصراً غيرك،.."[13].
  
[1] سورة المائدة، الآية 2.
[2] سورة هود، الآية 113.
[3] العلامة الشيخ محمد رضا المظفر، عقائد الإمامية، فصل: عقيدتنا في التعاون مع الظالمين.
[4] الفقيه المحدث قطب الدين الراوندي قدس سره، الخرائج والجرائح، ج 3، ص 91، تحقيق ونشر مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف - قم، المطبعة العلمية - قم، ط 1، 1409هـ.
[5] سورة السجدة، الآية 22.
[6] العلامة المولى محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج 72، ص 377.
[7] أبن أبي الحديد المدائني، شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 2459.
[8] م.ن، ج 1، ص 4704.
[9] الشيخ الصدوق، الآمالي، ص210.
[10] م.ن.
[11] شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، زيارة الأربعين، تحقيق وتعليق السيد حسن الموسوي الخرسان، نشر دار الكتب الإسلامية - طهران، مطبعة خورشيد، ط 4، 1365هـ.
[12] الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام، الصحيفة السجادية، دعاؤه في الاعتذار من تبعات العباد.
[13] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 91، ص 42.

قراءة 240 مرة