إّن الجهل وعدم الاطّلاع على معارف القرآن والعترة عليهم السلام بمثابة أمّ الفساد على المستوى الثقافيّ والاجتماعيّ، ولن تتحقق الإصلاحات إلّا من خلال حالة التعاون بين النظام التعليميّ والتبليغيّ وبمساعدة النظام السياسيّ والاقتصاديّ. عندما تكون الميزانيات والبرامج متوجّهة إلى التوسعة السياسيّة والأحزاب والحرب الإعلامية للمجموعات والأجنحة وحوار الحضارات، أكثر مما هو مرصود لتعليم القرآن والدراسات القرآنية ونشر أفكار المعصومين عليهم السلام، عند ذلك لن يبقى أيّ مجال للحديث عن الإصلاح الصادق.
عندما نصرف من الميزانيّات على الإرث الثقافيّ أكثر ممّا نصرف على المساجد وهي أكثر الأماكن شعبيّة، عند ذلك ستصبح المساجد في خدمة الإرث الثقافي لا العكس.
أمّا الفقر والبطالة فهما سببان للكثير من المفاسد الاجتماعية، والنظام التعليميّ والتربويّ في البلد هو الذي يمكنه القضاء على الفقر من خلال تربية أجيال مُجدّة ومجتهدة ومؤمنة تتبع الإيثار والتعاون. وما لم يتمّ دعم المعلّمين والأساتذة من الناحيتين الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وما دامت مداخيل التجّار والأبطال في الساحات الرياضية أكثر بكثير من الأساتذة والمعلّمين، عندها لن تكون الإصلاحات سوى رؤيا بعيدة المنال.
وتشكّل الأمراض الجسميّة المقدار الأكبر من مشكلات المجتمع، حيث يساهم تعليم طرق الوقاية في القضاء على الأمراض في اللحظات الأولى.
وتعود جذور الظلم والاعتداء على الآخرين إلى الجهل وتنمو هذه الأمور في المكان الخالي من الإيمان. والحوزة والجامعة هما المكان الوحيد الذي يمكن من خلاله القضاء على الجهل والطمع واستبدال الظلم والظلمة بأنوار الإيمان والأخلاق.
ويعود الفصل العنصري والتمييز إلى الاستكبار الروحيّ. والإسلام يدعو ليكون المسلمون أخوة ومتساوين في النظام الحقوقيّ. ويؤدّي تفضيل بعض الطبقات الاجتماعية على أخرى إلى رواج الكثير من المفاسد الاجتماعية.
لن تتحقّق الإصلاحات الاجتماعية إلا إذا خضعت المجموعات الاجتماعية للقانون الإلهي وليس للقوانين الشرقيّة والغربيّة، أي إذا تمّ التسليم المطلق للقرآن والسُّنَّة النبويّة وقيادة أهل البيت عليهم السلام.
أركان الإصلاح
للإصلاح أربعة أركان في الفكر الإسلاميّ، يشكّل الإيمان بالله والأنبياء والقيامة دعامتها الأساسيّة.
وأمّا هذه الأركان فعبارة عن: "المعرفة، العبادة، العدالة"، والوحدة. ولن تتحقّق الإصلاحات من المعرفة الإلهية والرؤية المعنوية، من دون العبودية لله والصلاة والتسليم للقانون الإلهيّ، ومن دون الرضوخ للعدالة وحقوق الآخرين.
إنّ أكبر وأعمق الإصلاحات هي الاصلاحات العقائديّة والإيمانيّة والأخلاقيّة. أمّا الذين يدعون إلى الاستسلام والكفر والشرك فهم في الواقع يحملون لواء المفاسد الثقافيّة، وهم أعداء الاستقلال والحريّة والعدالة والعيش بسلام.
وأمّا الغفلة عن رسالة السماء وتكبير المالكين بالقهر، فهما أمّ الفساد الثقافيّ.
وأمّا جذور أغلب المفاسد الداخليّة والخارجيّة فتعود إلى سلطة الرأسماليّة وتجّار السلاح وأصحاب وسائل الإعلام حيث تؤثّر هذه الأمور في المصير السياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ للبشر، وهي سبب عدم الاهتمام بالقوانين الإلهيّة وإخراج الله تعالى من أذهان وقلوب البشريّة.
إنّ الإصلاح الاجتماعيّ هو حركة مستمرّة ونسبيّة قد ترتفع تارة وقد تنخفض أخرى، لذلك فإذا اقتربت البشريّة أكثر من المعايير القرآنية وأفكار حاملي الوحي والأحكام الإلهية، عندها تتحقّق الإصلاحات.
إنّ الإصلاح هو حركة توحيديّة، تكامليّة، أخلاقيّة، عادلة، تحرريّة، ومعرفية إيمانية وصادقة، إذا تم التغافل عن هذه الأمور في العملية الإصلاحية فهذا يعني أنّ الإصلاح كاذب.
أمّا برامج الشرك والارتجاع ومخالفة الأخلاق والغفلة والجهل، فكل هذه الأمور لا تدخل في الإصلاح. ولن تكون السياسة التي تؤدّي إلى عدم الاستقلال الاقتصاديّ والارتماء في أحضان السلطة الخارجيّة إصلاحاً على الإطلاق. وأمّا البرامج التي تحصل تحت إدارة وإشراف الأجانب والتي تطال الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والرياضية، فهي في الواقع مخالفة للإصلاحات الصادقة، ولا يمكن أن تتحقّق الإصلاحات الصادقة من خلال وجود برامج وسياسات تشرف عليها الأمم المتحدة. ولا تتحقّق إذا كانت مقبولة في الإعلام التابع للصهيونية العالمية. والواقع أنّ الإصلاحات الصحيحة الصادقة هي التي تجري في ظلّ القوانين والسياسات والبرامج التي تضمن استقلال المسلمين، وتقوّي الإيمان وتدفع الفقر والبطالة، وتؤمّن الأمن والقوة الوطنية، وتنشر العدل الاجتماعي وتقيم المعروف وتنكر االباطل وتمجّد عزة المسلمين، وتخذل الكفّار والمنافقين..
والإصلاحات الصادقة هي التي تجري في ظلّ المُثُل والأخلاق والسياسات العلوية بالإضافة إلى اسم وأمر القرآن ونهج البلاغة. والإصلاحات الصادقة عبارة عن كلمتين: إحياء السُّنّة النبوية وإزالة بدع الجاهلية القديمة والحديثة.
أبعاد وأركان الإصلاح الاجتماعيّ
نشرت في
معرفة و أخلاق