ما هي العواقب الاجتماعية لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قيم هذا المقال
(0 صوت)
ما هي العواقب الاجتماعية لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

نشرع في ذكر العواقب الاجتماعية لترك هذه الفريضة. وقد سبق القول إن نفس الحرمان من بركات هذه الفريضة عقاب يضاف إليه جملة من الآفات:
 
1- إشاعة الفساد وإنقلاب القيم:
إن ترك أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيفسح المجال تلقائياً لشيوع الفساد وانتشاره، حيث لن يجد الفاسدون وازعاً ولا رادعاً يقف أمام جنوحهم، إضافة إلى أنه سيجرئ آخرين للانضمام إلى هؤلاء المفسدين ليعم الفساد في المجتمع بما لا يستثني حتى الساكتين والتاركين لهذه الفريضة. قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن المعصية إذا عمل بها العبد سراً لم تضر إلا عاملها، وإذا عمل بها علانية ولم يغير عليه أضرت بالعامة"([1]).
 
ولو استمر الهجران لهذه الفريضة، فإن الذوق العام سيصاب بداية بالشك ثم سيتحول إلى التلذذ بالمعصية إلى أن يصل أبناء المجتمع هذا إلى أن يعيبوا على القائم بهذه الفريضة، ثم يتطور الأمر إلى تحول المعصية والفساد إلى قيم بذاتها تحل محل الشرف والفضيلة والتدين.
 
وقد أشارا إلى هذا التدرج في الحديث المعروف عنها: "كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟
 
قالوا: أو يكون ذلك يا رسول اللَّه؟!
قالا: بلى وشر من ذلك! كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟!
قالوا: أو يكون ذلك يا رسول اللَّه؟!
قالا: بلى وشر من ذلك! كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفاً"؟!([2]).
 
2- تسلط الظالمين والأشرار:
إن اللَّه تعالى هو رب الناس جميعاً ومن مقام ربوبيته يوفّق الأفراد والمجتمعات إلى ما يليق بها من كمال بشرط أهليتها المنوطة بقيامها بواجباتها وأداء تكاليفها المعبرة عن اندفاعها للتربية الإلهية، فليس الأمر في الدنيا قائماً على الجبر وقد سبق القول إن نصر اللَّه للأفراد كما للمجتمع الإسلامي في دائرة الحياة الفردية والاجتماعية، متوقف في أحد نواحيه على نصر دين اللَّه عبر القيام بأداء وإحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
 
ولذا فإن خذلان دين اللَّه من خلال ترك هذه الفريضة ستكون نتيجته خذلان اللَّه لهذه الأمة ولهذا المجتمع.
 
وبالتالي فإن النتيجة ستكون حرمان هذا المجتمع من العناية والرعاية الربانية وأيضاً فإن النتيجة الموضوعية الطبيعية هي قيام ونشوء بيئة فاسدة سوف لن تنتج إلا أفراداً فاسدين، وولاة أمر هذا المجتمع سوف يكونون على شاكلتها وإلى هذا أشار الإمام علي عليه السلام: "لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله أمركم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم"([3]).
 
3- العذاب من اللَّه:‏
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنما يجمع الناس الرضا والسخط وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمهم اللَّه بالعذاب لما عموه بالرضا"([4]).
فالمجتمع الذي لا يقوم بهذه الفريضة يصبح محلاً لسخط اللَّه، وبالتالي فإن التقصير في أداء هذا التكليف لن تكون نتيجته فقط ما يترتب عليه موضوعياً من فساد وتسلط الظالمين، بل إن نزول العذاب حينها لن يكون مختصاً بمرتكبي المحرمات بل سيكون عاماً.
 
قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليعمنّكم عذاب اللَّه"([5]).
 
4- نزع بركة الرزق:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "أيما ناشئ نشأ في قوم ثم لم يؤدب على معصيته فإن اللَّه أول ما يعاقبهم فيه، أن ينقص في أرزاقهم"([6]).
 
إن اللَّه عزَّ وجلّ‏ لا يمنع رزقه عن مخلوق حتى الملحدين فهو القائل ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾([7]).
 
ولكنّ لبعض الذنوب، وعلى رأسها ترك القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آثاراً كشفت عنها الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام تتعلق بإدرار الرزق أو نقصه أو ذهاب بركته.
 
بل أكثر من ذلك، إن القيام بأداء التكاليف وإقامة الدين سبب في ازدياد الرزق ونمو بركته، كما أن ترك أداء هذا التكليف موجب لقلة الرزق وذهاب بركته.
 
خاتمة:
إن أهم الآثار التي تترتب على التقصير في أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو انقلاب الموازين في المجتمع، وانقلاب المفاهيم والقيم حتى تصل الأمور إلى ما يشبه المسخ. فكما أن أداء هذه الفريضة له دور في صناعة جمال الأمة وجلالها، فكذلك ترك أداء هذه الفريضة سيؤدي إلى ضعف جهاز مناعة هذه الأمة الثقافي والتربوي والأمني والاقتصادي بما يؤدي إلى صيرورة هذه الأمة وهذا المجتمع مخلوقاً غير متوازن الخلقة مشوهاً.
 
وبمعنى آخر فإن ترك هذه الفريضة يسلب الأمة شخصيتها ويفقدها استقلالها لتصبح محلاً للغزوات المختلفة الأنواع بما يؤهلها للسقوط فالموت الذي نرجو أن يجنب اللَّه أمتنا منه.
 
عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر والتقوى فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت عنهم البركات وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء"([8]).
  


([1]) وسائل الشيعة ج‏16ص‏136.
([2]) الكافي ج‏5 ص‏59.
([3]) الكافي، ج‏7، ص‏52.
([4]) بحار الأنوار، ج‏60، ص‏214.
([5]) جواهر الكلام، الشيخ الجواهري، ج‏21، ص‏359.
([6]) وسائل الشيعة، ج‏16، ص‏133.
([7]) سورة الإسراء، الآية: 20.
([8]) وسائل الشيعة، ج‏11، ص‏398.

قراءة 92 مرة