هناك إشارات تدل على بدء ظهور الغلو في زمن النبي صلى الله عليه وآله وقد نقل التاريخ لنا نموذجاً عن رجل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: السلام عليك يا ربي.
فقال له صلى الله عليه وآله: "ما لك لعنك الله، ربي وربك الله.."([1]).
وفي زمن أمير المؤمنين عليه السلام ظهر الغلاة بشكل أكبر وأوضح، وقد حاربهم الإمام عليه السلام وحكم بقتلهم، وكان عبد الله بن سبأ ممن قال بربوبية أمير المؤمنين عليه السلام. ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "لعن الله عبد الله بن سبأ، انه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام"
وكذا في عصر الإمام الصادق عليه السلام وما بعده من العصور حيث كثروا وصاروا فرقاً وأضلوا الناس من خلال أساليبهم التي اعتمدوها.
أساليب الغلاة:
إن للغلاة أساليب استطاعوا أن يستقطبوا من خلالها العديد من المسلمين، وهم أكثر تأثيراً على سن الشباب، لذلك نرى تحذير الإمام الصادق عليه السلام: "احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدونهم، فإن الغلاة شر خلق الله يصغرون عظمة الله ويدعون الربوبية لعباد الله"([2]).
ويمكن أن نشير إلى بعض أساليبهم التي اتبعوها:
1 -الكذب ودس الأحاديث:
كانوا كثيراً ما يكذبون ويؤلفون الأحاديث وينسبونها للأئمة عليهم السلام، وكان الأئمة عليهم السلام يحذرون من ذلك، كما في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن أبا الخطاب (وهو أحد رؤساء الغلاة) كذب على أبي عبد الله عليه السلام، لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ".
2- تحريف النصوص الشرعية بما يتلاءم مع أهدافهم:
في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الناس قد أولعوا بالكذب علينا وإني أحدث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتى يتأوله على غير وجهه...".
3- التخفيف من التكاليف الشرعية:
حيث كان الغلاة يصلون إلى مرحلة عدم التزامهم بالصلاة والصوم وباقي التكاليف الشرعية، وهذا عامل يجذب كل من أحب التفلت من الأحكام الشرعية.
ويشير الإمام الصادق عليه السلام إلى ذلك في الرواية: "إلينا يرجع الغالي فلا نقبله، وبنا يلحق المقصّر فنقبله، فقيل له: كيف ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: لأن الغالي قد اعتاد ترك الصلاة والزكاة والصيام والحج، فلا يقدر على ترك عادته، وعلى الرجوع إلى طاعة الله عز وجل أبداً، وإن المقصر إذا عرف عمل وأطاع".
4- الخداع من خلال السحر والشعبذة:
فإن الغلاة كثيراً ما كانوا يستعملون هذه الأساليب لتضليل البسطاء من الناس والاستيلاء على عقولهم وقلوبهم، وقد نبه الإمام الصادق عليه السلام أصحابه على ذلك حيث روي أنه قال لهم: "لعن الله المغيرة بن سعيد (أحد الغلاة) ولعن يهودية كان يختلف إليها يتعلم منها السحر والشعبذة والمخاريق...".
الميزان الشرعي:
لقد وضع لنا رسول الله صلى الله عليه وآله الميزان الشرعي الذي يجب اعتماده على الدوام، ذلك الميزان الذي أشار إليه في حديث الثقلين، وهو يشير إلى أمرين:
1- ما ثبت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بمضمون واضح:
فما داموا هم سفن النجاة فعلينا أن لا نتجاوزهم، ونقف عند ما قالوه عليهم السلام بحق أنفسهم، ففي الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام: "اللهم إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا"([3]).
وفي الحديث عن الإمام عن الباقر عليه السلام: "يا معشر الشيعة كونوا النَّمْرَقَة الوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي".
فقال له رجل من الأنصار يقال له سعد: جعلت فداك ما الغالي؟
قال عليه السلام: "قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا فليس أولئك منا ولسنا منهم..."([4])
ولا بد من التثبت فيما ورد من روايات واستقائها من المنابع الصافية واعتماد ما هو معتبر.
2- ما وافق القرآن الكريم:
فإن القرآن الكريم هو الميزان الآخر الذي وضعه النبي صلى الله عليه وآله للأمة في حديث الثقلين، فكل ما خالف القرآن الكريم فهو باطل، وهذا يعالج الاشتباه في الفهم والتأويل غير الصحيح الذي قد يستتر به الغلاة، فكل تأويل يخالف القرآن الكريم هو تأويل باطل وغير صحيح.
ففي الرواية الإمام الصادق عليه السلام: "ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل".([5])
فعلى المستوى العلمي يكفي التمسك بهذا الميزان، لضمان الصحة فيما نحمله من مفاهيم، وعلى المستوى العملي لا بد من اجتناب المغالين وعدم مخالطتهم كما أمر الأئمة عليهم السلام.
ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "يا مفضل لا تقاعدوهم، ولا تواكلوهم، ولا تشاربوهم، ولا تصافحوهم ولا توارثوهم"([6]).
* معرفة أهل البيت عليهم السلام - جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) خاتمة المستدرك، ج4، ص143.
([2]) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج52، ص265.
([3]) بحار الأنوار، ج25، ص343.
([4]) وسائل الشيعة الحر العاملي، ج11، ص185.
([5]) تفسير العياشي، ج1، ص9.
([6]) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج12، ص315.