لم يعد خافيا ، بعد الجولتين الاولي والثانية ، من المفاوضات النووية التي جرت في جنيف بين ايران ومجموعة ۵+۱ ، وكذلك الجولة الثالثة التي تجري الان ، للتوصل الي حل مشرف للملف النووي الايراني ، هوية الجهات التي لا تريد لهذا الملف ان يُغلق وبالتالي الإبقاء علي شبح الحرب يلقي بظلاله الثقيلة علي منطقة الشرق الاوسط.
متابعة سريعة ولكن موضوعية ، للجولتين الاولي والثانية وكذلك الجولة الحالية ، ورصد مواقف وتصريحات اعضاء مجموعة ۵+۱ ، وهم امريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا والصين وروسيا ، لا تدع مجالا للشك ان الصوت الاعلي خلال المفاوضات ، كان لامريكا و لفرنسا ، ولكل بلد اسبابه التي دفعته لرفع عقيرته التي عصفت بالجهود التي كادت ان تثمر لولا الدور الفرنسي ، والدور الامريكي الذي تعامل مع الدور الفرنسي من زاوية رب ضارة نافعة.
الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند غضب كثيرا عندما وضع قائد الثورة الاسلامية سماحة اية الله السيد علي الخامنئي النقاط علي حروف قصة الدور الفرنسي في المفاوضات النووية ، عندما قال سماحته ان فرنسا ركعت امام الكيان الاسرائيلي ، رغم انه لم يكن هناك داع لاظهار مثل هذا الغضب المصطنع اصلا ، فالجميع يعرف ، والفرنسيون اولهم ، ان الدور الذي اُنيط بفرنسا اولاند وفابيوس ، لا يتجاوز مهمتين ، الاولي وضع العصي ما امكن في عجلة المفاوضات وبالتالي وقفها بالمرة ، وهو ما بدا واضحا في الجولة الثانية من المفاوضات من تصرفات وتصريحات وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي خرج عن اجماع فريقه وكشف عن كل ما هومستور لاستدرار عطف وتاييد الصهيونية العالمية والرجعية العربية والنفخ بدور فرنسا علي الصعيد العالمي ، والمهمة الثانية هي مهمة اتعس من الاولي ، وهي تنفيذ دور المتحدث باسم الغائبين ، اسرائيل والرجعية العربية ، وهو ما بان وانكشف خلال الزيارة التي قام بها اولاند الي الكيان الاسرائيلي فور انتهاء المفاوضات ، وهناك من قلب تل ابيب تحدث بالعبرية مخاطبا قادة هذا الكيان ، وقال ان فرنسا ستبقي صديقة لاسرائيل ، واضعا شروطه الاربعة التي بدونها لن تقبل فرنسا باي اتفاق ، رغم ان الجميع في مجموعة ۵+۱ ، اعلنوا في اكثر من مناسبة ان فحوي المفاوضات يجب ان تبقي سرية ، الي الحد الذي ذهب احد المسؤولين الامريكيين الكبار للقول ، اذا ما شاهدتهم شخصا ما يكشف عن سر المفاوضات ، فهذا الشخص لايريدنا ان ننجح .
القول بان فرنسا تتحدث باسم اسرائيل والرجعية العربية داخل مجموعة ۵+۱ ، ليس تجنيا علي فرنسا ، فهذا الدور اعترف به وزير الخارجية الفرنسي فابيوس ، عندما اعلن ان بلاده تاخذ بنظر الاعتبار ، خلال المفاوضات النووية ، المتخوفين من البرنامج النووي الايراني ، وهو يعلم علم اليقين ان هؤلاء المتخوفين لا يرضون الا بتفكيك الملف النووي الايراني برمته ، وهو امر يعني لا للمفاوضات ونعم للحرب. قد يسأل البعض اذا كان الامريكيون راغبين بالتوصل الي اتفاق نووي مع ايران لماذا تراجعوا امام العناد الفرنسي؟ ، نعم انهم كانوا راغبين ، الا انهم لم يروا الموقف الفرنسي سلبيا بالكامل بالنسبة لهم ، لاسيما قد وجدوا فيه فرصة ثمينة يمكن من خلالها خفض سقف المطالب الايرانية وفي المقابل رفع سقف مطالب مجموعة ۵+۱ ، وهو امر يصب في صالح امريكا في حال حدوثه ، لذلك لم تعترض واشنطن علي باريس ، وان كان هناك من الامريكيين من وصف موقف فابيوس حينها بالاستعراضي والباحث عن دور في اللعبة الدولية في الوقت الضائع ، الا انهم ، اي الامريكيين ، عادوا وتبنوا موقف فرنسا ، في محاولة متكلفة لاظهار وحدة مجموعة ۵+۱ ، وحينها اُنيطت لباريس بعد هذا الموقف ، مهمة ثالثة هي القيام بدور الفزاعة!!. للاسف ، هناك امران فسحا المجال امام فرنسا لتضع بهذه السهولة العصي في عجلة المفاوضات النووية وتفرض ارادة اسرائيل والرجعية العربية علي مجموعة ۵+۱ ، الامر الاول ، فشل حكومة اولاند علي الصعيد الداخلي ، حيث سجلت اخر استطلاع الراي ان اولاند حصل علي ادني شعبية في تاريخ فرنسا ، وهو ما جعل الاخير يبحث عن ساحة اخري ، وهي الصعيد الدولي ، لتحقيق بعض النجاح بعد ان عز عليه ان يجده في الداخل ، اما السبب ، هو العزة بالاثم التي تستوطن الامريكيين ، الذين مازالوا يعتقدون ان حظرهم الظالم الذي فرضوه علي الشعب الايراني هو الذي دفع الحكومة الحالية للقبول بالتفاوض ، رغم ان ايران تفاوض الغرب منذ ۱۰ سنوات دون ان تكون هناك ضغوط اقتصادية ، وتفتح ابواب منشاتها النووية امام المفتشين الدوليين علي مدار الساعة ، انطلاقا من مسؤوليتها ازاء شعبها وحقوقه النووية المشروعة ومن مسؤوليتها ازاء المنطقة والعالم ، كما لا نكشف سرا ان قلنا ، وهذا امر يعرفه الجميع، ان ادارة الرئيس باراك اوباما حاولت وعبر الكثير من الوسطاء فتح قنوات بشتي السبل مع الجمهورية الاسلامية في ايران ، التي كانت ومازالت تؤكد ان ايران لاتضمر العداء لاي بلد في العالم يتعامل معها علي مبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ، لكنه وكما قلنا ان العزة بالاثم التي تأخذ الولايات المتحدة وتدفعها الي تكرار ما هو غير واقعي ، لارضاء غرور صقورها في الداخل واللوبيات الصهيونية والرجعية العربية في الكونغرس الامريكي.
ففرنسا تعتقد ، كما يصور لها الامريكيون ان بالامكان ممارسة المزيد من الضغط علي ايران والحصول منها علي تنازلات عبر تبادل الادوار ، ما دامت طهران ترزح تحت ضغط العقوبات.
لسنا هنا للحديث عن مدي صحة هذا التوجه الامريكي فهو واضح و لا حاجة للجدل فيه فالتجربة العملية اثبتت بطلانه ، فلم تحقق الجمهورية الاسلامية في ايران ، كل هذه النهضة العلمية والصناعية والزراعية و الانجازات العسكرية والاقتصادية والاكتفاء الذاتي في اكثر من مجال ، الا في ظل الحظر ، فعلي سبيل المثال لا الحصر ، ان اجهزة الطرد المركزي لم تتجاوز ۳۰۰۰ جهاز قبل الحظر اما الان فهي ۱۹۰۰۰ جهاز طرد ، كما ان فرض حظر كامل علي بلد كبير مثل ايران تحيط به عشرات الالاف من الكيلومترات من البحار والعديد من دول الجوار ، هو ضرب من الخيال ، كما انه لم يسجل التاريخ لاي شعب من الشعوب انه استسلم للطغاة لانهم فرضوا عليه حظرا اقتصاديا.
لم يبق امام الامريكيين سوي النظر بموضوعية الي المشهد الايراني ، الذي اذهل العالم عندما سجل الشعب الايراني ملحمته السياسية المتمثلة بالانتخابات الرئاسية الاخيرة والتي وصلت المشاركة الشعبية فيها ۸۰ بالمائة ، وهي مشاركة لم تشهدها اكثر بلدان العالم ديمقراطية ، حيث استبطنت رسائل عدة للاعداء والاصدقاء ، ومن بين هذه الرسائل ، ان المفاوضين الايرانيين الذين يجلسون حول طاولة المفاوضات النووية في جنيف ، هم اكثر شرعية من باقي المتفاوضين حول هذه الطاولة ، مهما تبجج وكابر الاخرون ، فهؤلاء يمثلون غالبية الشعب الايراني ، لذا علي الغرب ان يصغي لصوت العقل هذه المرة ، وان يستغل هذه الفرصة التاريخية ، وان يتعامل باحترام مع المفاوض الايراني ، لان الغرب يتفاوض في الحقيقة مع الشعب الايراني.
بقلم:ماجد حاتمي