لم يكن الإتفاق النووي الذي توصلت اليه إيران ومجموعة ۵+۱، فجر الاحد الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر في جنيف ، نتيجة حنكة المفاوض الإيراني ، وان كان ذلك لا يُنكر ، بقدر ما كان نتيجة للقوة الهائلة التي كان يشعر بها هذا المفاوض والمستمدة من قوة الحق ومن التاييد الشعبي الكاسح ومن الدعم والثقة الممنوحة له من قمة القيادة في إيران.
هذه القوة التي ضاعفت من قوة المفاوض الايراني ، استشعرتها ايضا القوي العالمية الكبري دون اسثناء ، وهي بالتحديد جعلت هذه القوي تتفاوض مع إيران إنطلاقا من مبدأ الندية ، وهو ما افضي بالتالي الي ان يعترف الغرب والعالم اجمع بحق الشعب الايراني بتخصيب اليورانيوم ، الذي يعتبر حلقة مهمة من حلقات النهضة العلمية التي تشهدها ايران منذ اكثر من ثلاثة عقود.
لم يسجل التاريخ المعاصر ان تتفق اكبر القوي العالمية دون استثناء ، علي الاعتراف بحق تخصيب اليورانيوم ، وهو حلقة من حلقات التطور العلمي المتقدمة ، لبلد ليس يعارض بشدة هيمنة و تبعية و تدخل هذه القوي في شؤونه الداخلية فحسب بل يناهض ويقف عمليا في وجه هذه السياسة في اكثر منطقة من مناطق العالم.
العارفون بخفايا السياسة الامريكية والغربية ، التي تنخرها اللوبيات الصهيونية ، ماذا يعني ان يطلب الغرب وعلي راسه امريكا وفرنسا اولاند وفابيوس وما ادراك ما اولاند وفابيوس ، من إيران الا تواصل تخصيب اليورانيوم بنسبة ۲۰ بالمائة ، وان تواصله بنسب دون ذلك ، خلال ستة أشهر فقط ، انه اعتراف صريح بحق ايران بالتخصيب وبفشل السياسة الاسرائيلية في تشويه صورة ايران وقبل كل هذا وذاك فشل سياسة الحظر الامريكي والغربي الظالم ضد الشعب الايراني.
اذا كان الاعتراف بحق التخصيب لايران ، والفشل الذريع الذي منيت به اسرائيل ، لا حاجة للخوض في تفاصيلهما لوضوحهما وضوح الشمس بعد اتفاق جنيف ، الا ان هناك من لايزال يشكك في حقيقة فشل سياسة الحظر الامريكي الغربي ضد الشعب الايراني ويعتقد ان هذه السياسة هي التي دفعت ايران الي الجلوس حول طاولة المفاوضات، لمثل هؤلاء نقول ، اذا كان الحظر قد انهك ايران وجعل اقتصادها يقترب من حافة الهاوية ، كما يعتقد المتطرف البليد نتنياهو ، وكل متطرف بليد ، تري لماذا تراجع اوباما عن هذه السياسة وهو يري بأُم عينه ان عدوه اللدود ينهار؟! لما ضيع اوباما هذه الفرصة التاريخية والاستثنائية؟! لماذا كان اوباما هو السباق الي فتح قنوات للاتصال مع ايران كما هو معلوم للقاصي والداني ؟! ، يكفي ان يبحث هذا البعض عن اجوبة هذه التساؤلات ليخرج بنتيجة واحدة وهي : ان هذه الادارة تعرف ما لايعرف امثال نتنياهو ، وهي ان ايران اقوي بكثير مما يتصور هؤلاء ، وان القوة مهما كانت ، لن تكون بحال من الاحوال اللغة التي يمكن التفاهم من خلالها مع الايرانيين ، فالشعب الايراني لا يصغي الا لمن يحترمه ويتحدث معه بلغة التكريم والاحترام ، وهذا ما فهمه الغرب ولكن في وقت متأخر للاسف الشديد.
رغم ان اتفاق جنيف ليس الا خطوة صغيرة علي طريق طويل لبناء الثقة بين ايران والغرب ، الذي اراد حرمان الشعب الايراني من حقه في التحرر من التبعية والانعتاق من التخلف ، الا انه يمكن النظر اليه كتمرين اولي وعملي للغرب علي الحوار مع الشعب الايراني ، بعد ان كانت طاولة الغربيين تفوح منها علي الدوام رائحة البارود التي لم تزكم الا انوفهم.
اخيرا ، سيتحول اتفاق جنيف الي درس لشعوب وحكومات العالم بلا استثناء ، مفاده ان الغرب لا يحترم الا الاقوياء وان الحق لا يُمنح بل يؤخذ بعد عناء ، فالحق لا يعود الي اهله في ظل النظام السياسي الذي يسود عالم اليوم ، الا بعد ان تُراق علي جوانبه الدماء والتضحيات الجسام ، فاتفاق جنيف النووي هو قبل كل شيء انتصار ارادة .. ارادة الشعب الايراني الذي لم يُفرط ولن يُفرط بحقه مهما كانت التضحيات.
بقلم: ماجد حاتمي