في إجراء غير معهود، اعترفت وكالة الاستخبارات المركزية بمسؤوليتها "المشتركة مع الموساد" في اغتيال المسؤول العسكري في حزب الله، عماد مغنية، عام 2008. وجاء الاعتراف عبر نشر رواية متزامنة في صحيفة "واشنطن بوست"، 30 كانون الثاني 2015؛ واسبوعية "نيوزويك،" 31 كانون الثاني؛ تقاطعت روايتيهما بالعديد من المحطات والتفاصيل لا سيما وأن المشترك بينهما هو المصدر عينه. جاء ذلك من دون مسبقات أو تطورات ظاهرية في الفترة الراهنة تستدعي الكشف عن مسؤولية الاغتيال، وهما الجهازين الابرز عالمياً بعمليات القتل والاغتيال.
ما يهمنا في سردية الرواية إقرار الوكالة بأنها مسؤولة عن إجراء التجارب على العبوة الناسفة في الأراضي الاميركية وتسليمها لمحطة الاستخبارات في المنطقة "مروراً بالاراضي الأردنية". أما ما تبقى من تفاصيل وادعاءات، فلا يعدو كونه يندرج تحت باب التكهنات والحرب النفسية، حتى وإن تضمن معلومات تبدو واقعية ومقنعة للوهلة الأولى. ومنها ما نُقل عن نائب الرئيس الاميركي السابق، ديك تشيني، بإجراء مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق، إيهود اولمرت، لتهنئته "والاشادة بتعاونه لإنجاح العملية فور اغتيال مغنية.
الرسائل الكامنة
من البديهي طرح جملة تساؤلات تتعلق بالدافع أو جملة الدوافع التي استدعت الوكالة للكشف عما يعتقد واثبتت التحقيقات والدلائل المادية مسؤولية الطرفين فيها بامتياز؛ خاصة في ظل حادثتين بارزتين: الأولى، المفاوضات النووية مع إيران والحرب الاستخبارية الباردة معها؛ والثانية، عملية حزب الله العسكرية في مزارع شبعا ضد دورية عسكرية إسرائيلية، وما رافقها من تصريحات للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وأبرز ما أشارت إليه وسائل الاعلام الغربية بشكل خاص أن "ما قبل العدوان الاسرائيلي في الجولان ليس كما بعده، ونهاية ما كان يعتبر قواعد الاشتباك"، وما تناقلته الأوساط المحلية بأن الحزب تعهد "بملاحقة العدو أينما كان وكيفما كان وفي أي مكان"، مستحضراً مقولة القائد الفلسطيني وديع حداد "وراء العدو في كل مكان"، إذ تشير بعض الروايات إلى تمكّن الموساد من اغتياله بدس السم في نوع مفضل له من الحلوى أو الشوكولاته، وقضى يوم 28 آذار/مارس 1978.
يذكر أيضاً أن الفترة الراهنة تشهد "تراشقاً علنياً بين واشنطن وتل ابيب"، على خلفية ما اعتبره البيت الابيض "حشر نتنياهو نفسه في المشاحنات الداخلية الاميركية"، أي الصراع العلني بين البيت الابيض والكونغرس، والتي يعتبرها البعض مبالغاً في التفسير أنها أحد العوامل التي دفعت الوكالة للإعلان. توتّر العلاقات بين أوباما ونتنياهو ليس جديداً، ولا ينبغي تضخيمه لدرجة تصويره أزمة مستعصية تهدد العلاقة العضوية مع الكيان الاسرائيلي.
الالتزام الصارم بالأسلوب العلمي للتحليل يقتضي البحث في القضايا والابعاد غير البارزة، ومقاربتها بما يحدث من أجل التوصل إلى استنتاجات حقيقية تقترب من جوهر المسألة بعيداً عن التهويل والإيحاء والإدعاء.
قبل الولوج في الدوافع البينة والمستترة لإعلان الوكالة، تجدر الاشارة إلى جملة من المعطيات المرتبطة مباشرة بسياق الصراع الاستراتيجي في المنطقة بين المشروع الاميركي وأدواته وأعوانه المحليين، وبين الفئات الشعبية المناهضة له والمسحوقة وهي الأغلبية.
أبعاد مكتومة
أولى تلك المعطيات ما كشفته "ويكيليكس" من وثائق سرية تتعلق باختراق الاجهزة المركزية لمعهد "ستراتفور" الاستخباري الاميركي، عام 2011، حول أبعاد التدخل العسكري والاستخباري الأميركي في المنطقة، وما دلّت عليه من ردود فعل لإعلان "حزب الله" كشفه عن اعتقال خلية تجسسية تتبع وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية، والتي وصفها بأنها "جزءاً يسيراً" مما لديه،" 10 كانون الاول 2011. وأوضح المعهد أن حزب الله "رمى إبلاغ رسالة قاسية لوكالة الاستخبارات بأنه يتعين عليها الكف عن اللعب بالساحة اللبنانية".
شبكة التلفزيون الأميركية، ايه بي سي، 20 تشرين الثاني 2011، أوضحت حجم الضرر الذي أصاب محطة وكالة الاستخبارات بالقول "تبين أن كان هناك في لبنان حلقتي تجسس منفصلتين إستهدفتا إيران وحزب الله، واللتين كشف أمرهما بصورة منفصلة بيد أنهما تسببتا بانتكاسة هامة لجهود الولايات المتحدة تتبع نشاطات إيران النووية وعمليات حزب الله المناهضة لإسرائيل". وأضافت نقلاً عن لسان مسؤولين أميركيين أن "الضرر الناجم عن شبكة التجسس في لبنان كان أشدّ من المعتاد. الضرر أصاب سر المهنة في مقتل".
الحرب الاستخبارية بين الولايات المتحدة وايران لم تهدأ، واستطاعت إيران تعقّب واعتقال عدد من المتهمين بالتجسس لصالح "وكالة الاستخبارات المركزية"، بمن فيهم عناصر أميركية أشهرها "عنصر مكتب التحقيقات الفيدرالي روبرت لفينسون الذي اختفى أثره" في ايران في شهر آذار عام 2007؛ فضلاً عن آخرين من أصول إيرانية ألقي القبض عليهم. ونشرت وكالة "اسوشيتد برس" الاميركية للأنباء تقريراً يوم 12 كانون الاول 2013، يوضح علاقة لفينسون بوكالة الاستخبارات المركزية، تبعتها صحيفة "نيويورك تايمز" باستعراض تاريخ علاقته المطوّل لصالح الوكالة. بالمقابل، إستطاعت الاجهزة الأميركية "بمساعدة الموساد، كما يعتقد" النيل من العلماء الايرانيين في شتى المجالات النووية والعلوم الطبيعية.
وفي باب المعطيات الداخلية الاميركية، نشير إلى حادثتين لا ترابط بينهما في البدء، لكنهما تكملان المشهد الداخلي ودوافعه.
الدور التقليدي للوكالة
إختار أوباما في كانون الثاني الماضي ديفيد كوهين لمنصب نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية
الأولى، إصدار المحكمة الفيدرالية حكماً يدين ضابط الاستخبارات السابق، جيفري ستيرلنغ، 27 كانون الثاني 2015، بالكشف غير المرخّص عن معلومات تتعلق بالأمن القومي "سربها للصحافي في جريدة نيويورك تايمز، جيمس رايزن،" كما ورد. وجّهت التهمة بالبداية إلى الصحافي المذكور للضغط عليه بالكشف عن مصادره التي استقى منها معلوماته المنشورة، وواجه بشجاعة تهديداً قضائياً بسجنه 18 شهراً إن لم يمتثل للكشف عن مصادره، واستمر بالرفض الذي رافقه حملات تضامن مكثفة لحماية حقوقه في التعبير المنصوص عليها دستورياً.
ونواة الاتهام الممزدوج تتعلق بمعلومات ضمّنها رايزن في كتابه "حالة حرب: التاريخ السري للسي آي ايه وادارة (الرئيس جورج) بوش" الابن، إصدار 2006، تتعلّق بالعمليات السرية ضد إيران وتمرير رسم بياني "ملغوم" للمكونات النووية عبر عنصر روسي سلّمها لعميل أميركي في إيران تبيّن فيما بعد أنه عميل مزدوج، والذي سلّمها بدوره للسلطات الإيرانية. وصف رايزن المشرفين على العملية في مقرّ وكالة الاستخبارات بأنهم أرفقوا الرسومات المشار إليها تفاصيل أخرى "قد تستخدم في الكشف عن هوية كافة جواسيس الوكالة تقريباً داخل إيران". وأوضح أنه بناء على ما تقدم استطاعت السلطات الإيرانية اعتقال كافة عناصر شبكة التجسس داخل إيران.
الحادثة الثانية تمّت بإعلان الرئيس أوباما، يوم السادس من شهر كانون الثاني الماضي، عن اختياره ديفيد كوهين لمنصب نائب مدير "وكالة الاستخبارات المركزية"، والذي شغل منصباً رفيعاً في وزارة المالية كمساعد الوزير "لشؤون الارهاب والاستخبارات المصرفية"، ولعب دوراً محورياً في تطبيق سياسة العقوبات الاميركية على كل من روسيا وإيران. كما شارك كوهين في "عدد من الاجتماعات رفيعة المستوى في البيت الابيض تناولت مسائل متعددة شملت سوريا وأوكرانيا وإيران وجهود مكافحة الارهاب"، وفق تصريحات نائب مستشار الأمن القومي، بن رودس.
واللافت في هذا التعيين ردود فعل وابتهاج اللوبي اليهودي وإسرائيل، التي أوضحت أن طاقم وكالة الاستخبارات المركزية كان "يشغله الواسب منذ تأسيسها"، في إشارة إلى "البيض من الانغلو ساكسون البروتستانت". وأضافت الصحف الاسرائيلية أن المدير السابق لمحطة الوكالة في تل أبيب كان يهودياً؛ بالإضافة إلى مدير الوكالة اليهودي الأسبق، جون دويتش، 1995-1996.
وأضخى كوهين اليهودي الثاني في تراتبية أهم المناصب داخل الادارة الأميركية، بعد مسؤوله السابق وزير المالية جاكوب لو. وجاء في أحد التعليقات للصحافي الاسرائيلي يوسي ميلمان أن كوهين عمل بشكل وثيق مع "جهاز الأمن الاسرائيلي – الشين بيت، في سياق توقيف تدفق المال لحركة حماس، وبشكل أخص في الجهود المشتركة لتعقب آلية تمويل حزب الله ومحاولات إيران للتملص من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها".
رسائل سياسية متعددة الاطراف
وفي العودة للتوقف عند الدوافع المعلنة، نشير إلى ما تناقلته الصحف الاسرائيلية وشاطرتها وسائل الاعلام الأميركية بأن "الكشف رمى توصيل رسالة قاسية لحزب الله وايران" للحدّ من تنامي نفوذهما في الاقليم "عبر الاشارة إلى اليد الطولى للاستخبارات".
أيضاً، يجمع عدد كبير من خبراء الأمن والسياسة الاميركيين أن "إدارة أوباما تقف مباشرة وراء التسريب"، نظراً للعلاقة المتوترة مع بنيامين نتنياهو، أحد أهدافها ربما توجيه تهديد مبطن بأن "حاجته للولايات المتحدة لا يقدر على التضحية بها وعليه التزام التهدئة"، كما يتعيّن عليه التذكر بأنه "الشريك الاصغر في تحالف تقوده دولة عظمى". ويشير "مسؤولون أميركيون" بشدة إلى الدور المركزي والمميز لوكالة الاستخبارات المركزية في اغتيال القائد في حزب الله عماد مغنية، بينما "لعب الموساد دوراً مؤازراً".
كما يذهب البعض إلى القول إن الرسالة الاخرى لنتنياهو أن الولايات المتحدة لديها كمّ هائل من الاسرار التي من شأن الكشف عنها الحاق الضرر بنتنياهو إن لم يرتعد عن اتخاذ مواقف "تحرج" الرئيس أوباما.
ومن ضمن احتمالات الدوافع أيضاً النزعة العدوانية لعدد من كبار مسؤولي أجهزة الاستخبارات الاميركية، والذين ينسقون خطواتهم على وقع تأزيم التوترات الراهنة في المنطقة. لكن نظرة سريعة على سجلّ الرئيس اوباما في تعقّب وملاحقة ومقاضاة أي موظف حكومي ضالع في تسريب معلومات "محرجة سياسياً"، يستبعد ذلك البعد كما تبيّن أعلاه في مقاضاة الثنائي رايزن – ستيرلنغ بصورة مهينة تنمّ عن حقد دفين. كما تجدر الاشارة إلى أن اغتيال عماد مغنية تمّ في عهد الرئيس جورج بوش الابن، ومن ثم فإن المعلومات المسربة ذات الطبيعة الاستخبارية لا ينطوي عليها توريط إدارة الرئيس اوباما – بل تشير إلى عمق العلاقة العضوية والعملية لجهازي الوكالة المركزية والموساد.
إستراتيجية الاغتيالات وثمارها
تعود الاغتيالات إلى عمق تاريخ البشرية كوسيلة مكمّلة لسياسات وقوى ومصالح قائمة. والاغتيالات السياسية لاحقت سياسة الولايات المتحدة، منذ الحرب العالمية الثانية بصعودها على المسرح الدولي، ووفّرت الغطاء اللازم لحليفتها إسرائيل في التمادي بتوسيع ساحة الاغتيالات إلى مناطق متعددة من العالم دون رقيب أو محاسبة. ودخول عامل طائرات الدرونز ضمن قائمة الموارد المتاحة للاغتيالات أكبر دليل على إدراك الطرفين باستمرار مسلسل الاغتيالات لعناصر وقيادات وكفاءات في مختلف الاختصاصات الرامية للارتقاء بالحياة الانسانية إلى مستويات أرفع.
وتبرز بين الحين والآخر صيحات تنادي بمراجعة سياسة الاغتيالات نظراً لما تلحقه من ضرر بسمعة الولايات المتحدة ومردودها المادي على الطرف الفاعل. وأشارت بعض وثائق ويكيلكس إلى مذكرات داخلية لوكالة الاستخبارات، مؤرخة يوم 7 تموز / يوليو 2009، تتساءل عن مدى نجاح سياسة "الاهداف ذات القيمة العالية"، أو اغتيال يستهدف عناصر محددة عبر العالم تنوي التخلص منها. وورد في إحدى تلك الوثائق ما توصلت إليه الوكالة من استنتاج بأن محاولات الاغتيال التي مارستها القوى الاستعمارية والنظم الاستبدادية لم تفلح في إخماد ثورات الشعوب العالمية؛ فضلاً عن أن الاعتماد المكثّف بشنّ غارات جوية على أهداف منتقاة عادة ما تفشل في تحقيق الاهداف المرجوة.
واستعرضت دراسة الوكالة التي قامت بها "مؤسسة راند" التجارب الثورية ومقاومة الاحتلالات في: أفغانستان 2001-2009؛ الجزائر 1954-1962؛ كولومبيا 2002-2009؛ العراق 2004-2009؛ فلسطين المحتلة 1972-منتصف التسعينيات، ومن ثم لشهر حزيران 2009؛ البيرو 1980-1999؛ ايرلندا الشمالية 1969-1998؛ وسري لانكا 1983-2009. كما تضمنت المشهد في كل من الشيشان وليبا والباكستان وتايلند.
وأتت توصيات الدراسة برسالة تحذيرية من مردود الاغتيالات على المدى الابعد "إذ بوسعها زيادة مستويات دعم الشعب للحركات" المسلحة، لا سيما عند وقوع ضحايا من المدنيين العزل. وأقرّت الدراسة بدور العمل النفسي للحركات المسلحة وتراجع أهمية دور طرفي الصراع أمام مدى إدراك المزاج الشعبي لما يجري من أحداث.
وفي الشق المتعلق بالاغتيالات في فلسطين المحتلة، أوضحت الدراسة "تعزيز أواصر اللحمة" في صفوف المسلحين "ورفعت منسوب الدعم الشعبي للقادة المتشددين، حسبما أفاد مسؤولون في القنصلية الاميركية في القدس وقسم إعداد التقارير السرية". ويتّضح أن الوجهة لا تحبّذ استمرار برنامج الاغتيالات.
وفيما يخص الثورة الجزائرية أوردت الدراسة أن "هدف جبهة التحرير الوطني الجزائرية استفزاز ردة فعل الفرنسيين الذين عاقبوا عموم الشعب الجزائري، وأدى تزايد عدد ضحايا المدنيين إلى ترسيخ شعبية الجبهة"، واستعرضت الدراسة لجوء الاحتلال الفرنسي لاعتراض طائرة مدنية كانت تقلّ الرئيس الاسبق أحمد بن بيلا "المعتدل نسبياً بين صفوف القادة"، وأربعة قياديين آخرين مما "تسبّب في تعزيز نفوذ قيادات الداخل الجزائري المتشددين". وخلصت بالقول إن "الاجراءات الفرنسية القاسية .. أسهمت في تراجع التأييد داخل فرنسا وكذلك التأييد العالمي، مما أدّى لتحقيق الجزائر استقلالها عام 1962".
تحذيرات تم تجاهلها
أدرجت الدراسة المشار إليها عدداً من التوصيات في سياق اعتماد الاغتيالات كحلّ سريع في مواجهة القوى الشعبية، محذّرة من العقبات المواكبة للحل. منها، على سبيل المثال، إفراط "الاعتماد عليها يؤدي إلى فقدان الدولة البعد الاستراتيجي للصراع أو التغاضي عن قضايا هامة في عملية مكافحة التمرد". ومضيّ أوباما في اعتماد الاغتيالات يدلّ على إخفاق المسؤولين في أخذ التحذيرات الواردة محمل الجد.
ويتحكم الرئيس اوباما مباشرة بإصدار قرار الاغتيال من عدمه، وفق التوصيات الواردة له كل "يوم ثلاثاء" من الاسبوع من قبل الاجهزة الأمنية.
ومن ضمن التوصيات أيضاً، التحذير من استخدام الاغتيالات بكثافة والتي من شأنها تعديل هيكلية المجموعات المسلحة واعتماد وحداتها على إبراز عناصر قيادية أكثر تشدداً؛ كما تشهد عليه المجموعات المتوالدة من تنظيم القاعدة في اليمن وسوريا والعراق والصومال وشمال إفريقيا.
ومن المفارقة أن تقرير وزارة الخارجية الاميركية حول الارهاب للعام الماضي حذّر من تحديات شبيهة بما سبق، وقال "خسارة قادة القاعدة في باكستان، سارعت في اتخاذ المجموعة قرار اللامركزية في العمل وأدى لبروز فصائل أخرى تابعة لشبكة القاعدة لكنها مستقلة في عملياتها وتحصر جهودها لتحقيق أهداف محلية واقليمية". بالامكان القول إن التوصيات تنطبق أيضاً على تشكيلات الدولة الاسلامية، وأسهمت سياسة أوباما في الاغتيالات في رفع منسوب الدعم لداعش بدل القضاء عليها.
واعتماد الاستراتيجية الاميركية على عنصر الاغتيالات بطائرات الدرونز، في عهدي بوش الابن واوباما، لم تثمر نتائج ملموسة ولم تخلّص العراق من تهديد داعش. وارتفعت معدلات الشك بفعالية عمليات وكالة الاستخبارات المركزية خاصة في ظل تعاونها الصارخ مع الموساد لاغتيال عناصر قيادية.
ترميم الميزان المعنوي
تبقى العمليات الأمنية والاغتيالات وسيلة مفضلة للكيان الصهيوني، الوكيل للأصيل الأميركي، مع تراجع قدراته على ردع واستنزاف أطراف معسكر المقاومة، في ظل انكشاف عجزه عن تحقيق أهدافه في الحروب التي يشنّها وخاصة منذ إرغامه على الانسحاب من معظم أراضي الجنوب اللبناني المحتلة في عام 2000.
ويمكن الاستنتاج في حالة الصراع العربي– الصهيوني، وتحديداً في حالة المجابهة مع حزب الله، أن العمليات الأمنية والاغتيالات تشكل وسيلة لترميم ما يعتبره القادة "لاسرئيليون انكساراً أو انهياراً في ميزان الحرب النفسية والمعنوية، كلما سجّلت المقاومة صموداً أو إنجازاً ميدانياً أو أطلق قائدها السيد حسن نصر الله تحدياً جديداً او تهديداً تعتبره وجودياً لها.
ومع كل جولة مواجهة بين معسكر المقاومة والكيان المحتل وداعميه يبدو تماسك الحاضنة الشعبية للمقاومة أقوى واكثر استدامة قياسا ًبقلق وتوتر واهتزاز ثقة مستوطني الاحتلال بمستقبلهم ومصير كيانهم.
ولا شك أن فقدان معسكر المقاومة قادة وكفاءات مجربة (أمثال الشهيد عماد مغنية) يشكل خسارة مادية ومعنوية كبرى، ولكن التجربة تثبت أن المعسكر يخرج من حالة الاحباط وألم الخسارة ويتجاوز عمليات الغدر الجبانة.
وفي معسكر المقاومة نجد قوافل القادة المتمرسين تتجدد، وفي معسكر الاحتلال يتجدد الخوف والقلق، وخاصة بعد إعلان قائد المقاومة في لبنان وباسم معسكر المقاومة إلغاء قواعد الاشتباك القائمة لتاريخه.