مع مرور 60 عاما على عضوية تركيا في الناتو، أصبح الدور التركي في الحلف أكبر مع التهديدات الأمنية الجديدة والتحديات الإقليمية. مع أخذنا بعين الاعتبار مثالي التدخل في ليبيا ونظام الدفاع الصاروخي نجد أن سياسة الناتو توضح أهمية الدور التركي ضمن الحلف بالرغم من التناقض بوجود رأي عام تركي يتعاطى مع الغرب بسلبية.
لمحة تاريخية
منذ انضمامها إلى الناتو في 18 شباط 1952 وخلال تحولاتها السياسية، استمرت تركيا في لعب دور هام في التعاون الأوروبي الأطلسي، وخلال الحرب الباردة لعبت الجغرافيا التركية دور الجناح الجنوبي في سياسة الناتو في مواجهة الاتحاد السوفيتي. لكن منذ تفكك الاتحاد السوفيتي وانضمام بلدان سوفيتية سابقة إلى الحلف أصبحت الجغرافيا التركية موضع تساؤل من الناحية الاستراتيجية.
بعد هجمات 11 أيلول وتبني الناتو لسياسة جديدة أدت إلى تدخل الناتو في أماكن بعيدة جغرافيا عن أوروبا والأطلسي استعادت تركيا بعض من تلك الاهمية نتيجة تدخل الناتو في تلك المناطق حيث ساعدت الأوروبيين وسهلت غزو افغانستان و قامت أيضا بإرسال قوات تركية وإدارة معسكر قوات التحالف في كابول عامي 2002 و2005.
بلغ عدد الجنود الأتراك الذين شاركوا في عمليات الناتو المختلفة 3250 جندي، 1840 منهم عاملون مع قوات التحالف في أفغانستان، كما أرسلت حوالي 600 عنصر كجزء من التحالف الذي أنجز عمليات الناتو في ليبيا.
أما اليوم، ومع عملية إعادة هيكلة الناتو، سيتم تخفيض عدد مقرات قيادة قوات الناتو العاملة في الخارج من 13 إلى سبعة، ونتيجة لذلك سيتم استبدال قاعدة القيادة الجوية الواقع في إزمير لتصبح قاعدة قيادة جديدة للقوات البرية، وبذلك ستستضيف تركيا إحدى أكبر مقرات القيادة للناتو على أراضيها.
بحسب حسين ديري أوز مسؤول شؤون الدفاع والتخطيط في الناتو فإن تزايد أهمية الدور التركي في الحلف ناتج عن توافق المصالح التركية الاستراتيجية مع مصالح الدول الأعضاء الأخرى.
السياسة الخارجية التركية والرأي العام التركي
بحسب وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو فإن استراتيجية الناتو قد تطور ت في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وتطورت معه النظرة الاستراتيجية التركية، وتركيا تطمح إلى لعب دور إقليمي أكبر في مشاكل القوقاز والبلقان والشرق الأوسط، لكن من ناحية أخرى يهيمن التوتر على علاقة حزب العدالة والتنمية الحاكم مع بلدان كإرمينيا وقبرص.
من ناحية أخرى، واقع الحال يقول أن شعبية الغرب والناتو عند الرأي العام التركي تناقصت، وفي استطلاع للرأي تم عام 2010 على سؤال يقول: هل تعتقد أن الناتو أمر ضروري لأمن البلاد، أجاب 30% فقط بنعم. بالرغم من أن تلك النسبة ارتفعت إلى 37% عام 2011، إلا أنها تبقى أقل بكثير من نسب الأعوام السابقة، وبالرغم من ذلك بالإضافة إلى اختلاف وجهات النظر مع الناتو في العديد من الحالات، استمرت السياسة التركية بالتماهي مع سياسات الحلف وقد بدا ذلك واضحا في مسألتي التدخل في ليبيا والدرع الصاروخي.
التدخل في ليبيا
منذ انطلاق ما يسمى بالربيع العربي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عارضت تركيا مرارا وتكرارا أي تدخل في ليبيا وذلك على لسان رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان "ما شأن الناتو وليبيا؟ تدخل الناتو في ليبيا أمر مستحيل ونحن نعارض هذا التدخل" (صحيفة الزمان - 2011). لكنه تراجع بعد قرار مجلس الأمن وبدعم من الجامعة العربية وقرر المساهمة في ذلك التدخل وشاركت تركيا بغواصات وسفن حربية.
تصاعد الدور الإقليمي التركي يجعل منها حليفا استراتيجيا في الناتو وخاصة بعد التحولات الدراماتيكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويرى أمين حلف الناتو راسمنسون أن الدور التركي في المنطقة أمر حيوي للاستراتيجية الجديدة والشراكة المستقبلية، ليس فقط نتيجة حجم تركيا وموقعها، بل أيضا نتيجة الثقافة التركية وخبرتها التاريخية مع دول الجوار (يقصد بذلك قترة الاحتلال العثماني). في حين يرى وزير الدفاع التركي أن مميزات تركيا تسمح لها بتقديم النموذج للعديد من البلدان في المنطقة، وقال في كلمة له (الناتو، 2012) "من خلال التعاون يمكننا إحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط".... مهمة تحققت في ليبيا!
مصالح الناتو الاستراتيجية: نظام الدفاع الصاروخي
دور تركيا في حلف الناتو هو دور هام للمصالح الاستراتيجية للحلف الساعية إلى تطوير الدرع الصاروخي وحماية الأراضي الأوروبية من تهديد الصواريخ البالستية. اتفق أعضاء الحلف في قمة لشبونة عام 2010 على تبني الدرع الصاروخي وهي مبادرة أمريكية للدفاع المشترك مع أوروبا موجهة ضد الصواريخ البالستية الإيرانية وغيرها. وافقت تركيا على إنشاء محطة على أراضيها وقد تم فعلا بناء رادار إنذار مبكر في مدينة مالاتيا جنوب شرقي أنقرة وهي الخطوة الأولى لبناء الدرع الصاروخي (سي إن إن 2012).
تم التوقيع على تلك الاتفاقية بعد مفاوضات توصلت إلى عدم ذكر سوريا وإيران بالاسم كتهديد محتمل، وفي تصريح علني لداود أوغلو قال فيه "لن نقبل أبدا مهاجمة أي من دول الجوار انطلاقا من أراضينا، ونحن لا نريد المشاركة في أي تهديد من هذا النوع وخاصة ضد إيران"
لكن ذلك لم يمنع الجدل الذي نشأ حول الدرع الصاروخي في تركيا على المستوى العالمي، وبالرغم من التصريحات السياسية التركية المدروسة بعناية فإن العلاقات التركية – الإيرانية تأزمت من المتوقع أن نشوء عواقب كنتيجة لذلك على أهمية العلاقات الأمنية التركية - الأمريكية ومصداقية نظرية الردع التي ينادي بها الناتو. روسيا هي الأخرى عارضت تلك الدرع ولم يصل الطرفان إلى اتفاق بهذا الشأن حتى الآن بانتظار قمة شيكاغو المقررة في 20 -21 أيار 2012.
الخلاصة
مع مرور 60 عاما على عضويتها في الناتو، تجمع تركيا والناتو مصالح كبيرة بالرغم من المعارضة التركية الشعبية الواسعة، وستستمر تركيا في ذلك الحلف بالرغم من العوائق المتمثلة بقبول عضويتها في الاتحاد الأوروبي.
في قمة شيكاغو في أيار المقبل سيتفق أعضاء الحلف على مجموعة من الأولويات الحيوية. بالرغم من موقع تركيا الهام لكن العلاقات مع الناتو ستشهد نوعا من التأقلم المتبادل، ومواجهة تحديات أمنية جديدة وتحول في الحقائق الجيوسياسية، لكن نتيجة قمة شيكاغو فيما يتعلق بمتانة العلاقات التركية مع الناتو وجهوزيتهما في مواجهة التحديات، فالإجابة على هذا السؤال ستبقى للمستقبل.