منذ الحرب العالمية الثانية، لم تقدم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية ومدنية إلى أيٍّ من حلفائها بقدر ما قدّمت لإسرائيل. 55 في المئة من مجموع قيمة هذه المساعدات ذهب إلى دولة الاحتلال، في سياق وتيرة متصاعدة بدأت بـ 100 مليون دولار سنوياً وانتهت بـ 3.8 مليارات دولار، بحسب الاتفاقية التي وقّعت أمس. أكثر من خُمس موازنة الحرب الإسرائيلية هو هبات أميركية صافية تقدم على شكل طائرات وصواريخ وذخائر لحفظ التفوق النوعي على جيوش المنطقة وشعوبها
كان لباراك أوباما ما أراده: أن يدخل التاريخ بوصفه الرئيس الأميركي الذي قدم أكبر رزمة من المساعدات العسكرية إلى إسرائيل. الاستدراك يوجب إضافة عبارة «حتى الآن» على الجملة السابقة. ذلك أن تتبُّع تاريخ علاقات الإدارات الأميركية المتعاقبة مع دولة الاحتلال يظهر خطاً بيانياً متصاعداً يجعل التقديمات التي تلتزمها كلٌّ منها حداً أدنى للإدارة التي تليها.
بذلك، يتحوّل كل رئيس أميركي إلى الرئيس الأكثر سخاءً في تقديم المساعدات إلى إسرائيل، قياساً إلى من سبقه، وتتحول العلاقات في عهده إلى الأكثر تعاوناً على الصعيد الأمني والاستراتيجي، وفقاً للقياس ذاته.
بدأت قصة المساعدات الأميركية لإسرائيل قبل مضي أقل من عام على تأسيسها. كانت «الدولة» الوليدة في حينه تعيش ضائقة اقتصادية خانقة، فتصدت الولايات المتحدة لتقديم مساعدة سنوية مدنية بقيمة 100 مليون دولار، خصصت بشكل رئيسي لاستيعاب الهجرة اليهودية وشراء المواد الغذائية. استمرت هذه المساعدة المدنية طوال عقد الخمسينيات، بالتوازي مع فرض حظر على بيعها الأسلحة والمعدات العسكرية. كان الرئيس جون كينيدي أول من رفع هذا الحظر عام 1962، وسمح ببيع إسرائيل صواريخ دفاع جوي من طراز هوك. تلاه الرئيس ليندون جونسون (1963-1969) الذي زاد بنحو مطّرد قيمة المساعدات المدنية لإسرائيل، وسمح بتزويدها بأسلحة هجومية، على شاكلة دبابات «باتون». حتى حينه، كانت فرنسا هي مورّد السلاح الرئيسي لإسرائيل، وبعد حرب عام 1967 احتكرت الولايات المتحدة هذا اللقب، حتى يومنا هذا.
على مدى أكثر من نصف قرن، تنافست الإدارات الأميركية في انتزاع صفة المحاباة لإسرائيل، وكان تطوير العلاقات الاستراتيجية، وتقديم المساعدات العسكرية والمدنية، ميدان هذه المنافسة. الطفرة الأولى سجّلت في أعقاب حرب «يوم الغفران»، حين وصلت القيمة الفعلية للمساعدات إلى نحو مليار دولار، ثم في عام 1974، حيث حصلت إسرائيل على نحو 12.5 مليار دولار بحسب القيمة الفعلية الحالية، أو 2.6 مليار بحسب القيمة الاسمية، وذلك تحت عنوان ترميم القدرات العسكرية الإسرائيلية في أعقاب حرب «يوم الغفران». الطفرة الثالثة حصلت عام 1979، حيث تلقت تل أبيب رزمة المساعدات الكبرى في تاريخها مكافأة لها على اتفاقية كامب دافيد: 15.7 مليار دولار، بحسب القيمة الحالية، موزعة بين منح وقروض، أو 4.7 مليارات دولار بحسب القيمة الاسمية في حينه.
عام 1984، أُقرّ تعديل «ألن كرنستين»، الذي نص على خفض قيمة الديون الممنوحة لإسرائيل لمصلحة زيادة الهبات، وفي العام التالي مباشرة قفزت قيمة المساعدات المقدمة إلى 3.5 مليارات دولار، خُصِّص جزء منها لإنعاش الاقتصاد الإسرائيلي الذي كان على شفير الانهيار في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان. منذئذ، وحتى عام 1998، قدمت الولايات المتحدة إلى تل أبيب مساعدات سنوية بقيمة 3 مليارات دولار، موزعة على النحو الآتي: 1.8 مليار مساعدات عسكرية، و 1.2 مليار مساعدات مدنية. وفي عام 1998، بادر رئيس الوزراء في حينه بنيامين نتنياهو، إلى إجراءات ألغى بموجبها المساعدات المدنية لمصلحة زيادة المساعدات العسكرية التي ارتفعت إلى 2.4 مليار دولار، ومن ثم إلى 3 مليارات.
وبقيت إسرائيل تحصل على مساعداتها العسكرية من الولايات المتحدة سنوياً ضمن إطار المساعدات الخارجية العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة إلى دول حليفة في العالم (FMS). في عهد جورج بوش الابن، تحول الإطار السنوي للمساعدات إلى إطار عشري، حيث وُقِّعَت في 16 آب 2007 مذكرة تفاهم أطلق عليها MOU حددت قيمة المساعدات العسكرية الإجمالية بين عامي 2009 و 2018 بقيمة 30 مليار دولار. واشترطت المذكرة أن تصرف إسرائيل هذه المساعدات على شراء أسلحة أميركية، مع السماح لها بتحويل قيمة ربعها تقريباً إلى عملتها المحلية لشراء تجهيزات عسكرية من الصناعات العسكرية الإسرائيلية. وهذه المذكرة هي التي جُدِّدَت أمس ووُقِّعَت مجدداً لتغطية الفترة الممتدة بين عامي 2019 و 2028، بقيمة إجمالية من المساعدات بلغت 38 مليار دولار.
وتختلف التقديرات التي تُجمل مجموع المساعدات الأميركية التي حصلت عليها إسرائيل في تاريخها، إلا أن معطيات نشرها مركز الدراسات التابع للكونغرس عام 2012 تظهر أن القيمة الاسمية لهذه المساعدات بين عامي 1950 و 2012 بلغت 112 مليار دولار، أي ما يعادل 233.6 مليار دولار بحسب القيمة الواقعية. ووفقاً لتقرير مركز الدراسات المذكور، فإن القيمة التراكمية لهذه المساعدات خلال الفترة المشار إليها تبلغ ما نسبته 4 في المئة من مجمل الناتج القومي الإسرائيلي. هذا مع الإشارة إلى أن المساعدات لا تتضمن قيمة الضمانات المالية التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل على مدى العقود الثلاثة الماضية، والتي تقدر بـ 19 مليار دولار، كذلك فإنها لا تشمل التجهيزات العسكرية الفائضة التي وهبها الجيش الأميركي لنظيره الإسرائيلي. ويشير التقرير الأميركي إلى أن إسرائيل هي الدولة التي حصلت على أكبر قدر من المساعدات الأميركية الخارجية منذ الحرب العالمية الثانية.
وبحسب مجلة «كالكاليست» الإسرائيلية المتخصصة بالشأن الاقتصادي، بلغت القيمة الاسمية لهذه المساعدات حتى عام 2014 نحو 121 مليار دولار، من ضمنها نحو 70 مليار هي مساعدات عسكرية. وإذا أضيف مبلغ 7 مليارات دولار إلى هذا المبلغ، وهي قيمة المساعدات التي حصلت عليها إسرائيل عامي 2015 و2016، يصبح مجموع المساعدات التي حصلت عليها إسرائيل طوال 67 عاماً 128 مليار دولار، أي ما يتجاوز 250 مليار دولار بحسب القيمة الحالية للدولار. وبحسب المجلة، فإن المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل تشكل نحو 20 في المئة من موازنة الأمن الإسرائيلية المقدرة بنحو 17 مليار دولار.
وبالإضافة إلى المساعدات السنوية السخية، تحصل إسرائيل من الولايات المتحدة على مساعدات من خارج إطار الاتفاقية الموقعة وتخصص لتمويل مشاريع خاصة، وأبرز نموذج على ذلك هو تمويل البنتاغون مشاريع تطوير وتزود الجيش الإسرائيلي بمنظومات دفاع جوي مضادة للصواريخ. كذلك تحتفظ الولايات المتحدة في إسرائيل بمخازن ضخمة تحتوي على ذخيرة وأسلحة وآليات عسكرية بقيمة نحو مليار دولار، تتبع لقيادة أوروبا في الجيش الأميركي. وقد وقع الجيشان الإسرائيلي والأميركي اتفاقاً يتيح للأول فتح هذه المخازن واستخدام موجوداتها عند الحاجة، وهذا ما حصل فعلاً إبان حرب تموز 2006 وحرب «الجرف الصامد» على غزة عام 2014.
... ولـ«التطوير» مساعدة خاصة
إلى جانب المساعدات العسكرية السنوية الجارية التي يشملها الاتفاق العشري، بدأت إسرائيل بالحصول منذ عام 2006 على مساعدات إضافية، خاصة تحت عنوان التعاون في التطوير العسكري، وخصوصاً في مجال الاعتراض الصاروخي. وتفيد الإحصاءات الرقمية بأن إسرائيل حصلت خلال هذه الفترة على ما قيمته 2.3 مليار دولار لتطوير ثلاث منظومات اعتراض صاروخي للمديات القصيرة (القبة الفولاذية) والمتوسطة (العصا السحرية) والبعيدة (حيتس). وللمفارقة، فإن قيمة المساعدات لتطوير القبة الفولاذية وحدها منذ عام 2011 مثلاً بلغت 1.1 مليار دولار، بينها 351 مليون دولار في عام 2015 فيما تبلغ الموازنة الإسرائيلية الإجمالية التي رصدت لتطوير هذه المنظومة منذ البداية 200 مليون دولار فقط. وفي إطار مشاريع التطوير المشتركة، أعلن خلال الأشهر الأخيرة عن مساهمة أميركية سيجري تقديمها لتطوير حلول تكنولوجية لـ«مشكلة الأنفاق»، ومن المتوقع أن تبلغ قيمة هذه المساهمة نحو 120 مليون دولار بشكل أولي.
الاخبار