بعد الهزائم المتكررة التي مني بها تنظيم "داعش" الإرهابي على يد القوات العراقية لاسيّما في مدينة الموصل شمال غربي البلاد، وظهور بوادر كثيرة لإمكانية اضمحلال هذا التنظيم كوجود عسكري في العراق، أخذت الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة "دونالد ترامب" تخطط لما بعد "داعش" الذي يعتقد معظم المراقبين بأنه سيبقى يمارس أعماله الإجرامية بحق المدنيين للتعويض عن خسائره وهزائمه في العراق وسوريا.
ووفقاً للمعطيات الميدانية والسياسية التي أفرزتها التطورات الأخيرة يبدو أن واشنطن مقبلة على تنفيذ عدد من السيناريوهات في العراق لتثبيت وجودها في هذا البلد. ويمكن تلخيص هذه السيناريوهات بما يلي:
- تعزيز التواجد العسكري الأمريكي خصوصاً في محافظة الأنبار غرب العراق وتحديداً في قاعدة "عين الأسد"، وكذلك في أطراف مدينة الموصل وتحديداً في القاعدة الجوية في قضاء القيّارة "جنوب الموصل".
- التحرك باتجاه تقسيم العراق في إطار المشروع الأمريكي المسمى بـ "الشرق الأوسط الكبير أو الجديد" خصوصاً مع وجود مساعي للانفصال من قبل بعض المكونات العراقية لاسيّما المكون الكردي الذي يطمح الكثير من قادته إلى إعلان الانفصال عن العراق رغم التحديات التي تواجههم في هذا المجال وفي مقدمتها رفض الحكومة المركزية في بغداد والمكونات الأخرى لهذا المشروع لاسيّما من قبل الشيعة في الجنوب والوسط باعتباره يمثل مقدمة لتقسيم العراق.
وما يعزز الاعتقاد بوجود هذا السيناريو هو المؤتمرات التي رعتها الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا والتي عقدتها بعض الأطراف السياسية العراقية التي تعيش خارج البلاد، كالتي حصلت مؤخراً في تركيا والتي تهدف إلى تكريس فكرة التقسيم من خلال الدعوة إلى إقامة إقليم "سنّي" في المناطق الغربية من العراق وتحديداً في الموصل والأنبار.
ويعتقد المحللون بأن هذا الإقليم في حال حصوله سيحظى بدعم تركيا في الموصل والمناطق التابعة لها ودعم السعودية في الأنبار والمناطق المحيطة بها وذلك من خلال التنسيق مع الإدارة الأمريكية التي يهمها ترتيب أوراقها في المرحلة الراهنة بما يضمن لها السيطرة على مقدرات المنطقة في إطار مشروعها الأوسع المعروف بـ "الشرق الأوسط الكبير أو الجديد".
ومما يساعد على افتراض مثل هذه السيناريوهات هو رغبة الإدارة الأمريكية بإبقاء العراق تحت هيمنتها بحجة محاربة الإرهاب، في حين أثبت العراقيون وقواهم الشعبية والمسلحة قدرتهم الفائقة على دحر الإرهاب دون الحاجة للاستعانة بالقوات الأمريكية التي تسعى للعب دور أكبر في العراق في إطار ما يسمى بـ "التحالف الدولي" الذي تقوده واشنطن لضمان بقائها مدة أطول في هذا البلد.
وما يدعو إلى الاستغراب هو انضمام بعض الأطراف السياسية خصوصاً المحسوبة على المكونين السنّي والكردي لدعم هذا السيناريو، في وقت يفترض فيه أن تقف جميع الأطياف العراقية صفاً واحداً لرفض التقسيم والدفاع عن وحدة البلد وسيادته تمهيداً لإعادة بنائه وتعزيز الأمن والاستقرار في ربوعه بعيداً عن أي تدخل أجنبي.
والأمر الآخر الذي ينبغي الإشارة إليه في هذا المضمار هو محاولة أمريكا لتوظيف العناصر الإرهابية من بقايا "داعش" وغيره من التنظيمات المرتبطة به لزعزعة الاستقرار في مناطق مختلفة من العراق، خصوصاً القريبة من الحدود الإيرانية كديالى ضمن خطتها الرامية إلى إشغال المنطقة عن قضاياها الرئيسية وفي مقدمتها التصدي للكيان الإسرائيلي ومشروعه "من النيل إلى الفرات" الرامي إلى التمدد على حساب دول المنطقة وتقويض استقرارها والعبث بأمنها ومقدراتها.
ويرجح البعض أن تلجأ أمريكا مرة أخرى إلى إثارة النعرات الطائفية بين العراقيين كما فعلت في الآونة الأخيرة خلال عمليات تحرير الموصل لمنع الحشد الشعبي من المشاركة في هذه العمليات، وكما فعلت في السابق وتحديداً خلال عامي 2006 و 2007 والتي أودت بحياة الكثير من المدنيين في مختلف مناطق البلاد.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن الكثير من المتابعين للشأن العراقي يعتقدون بأن الإدارة الأمريكية ستسعى أيضاً لتوظيف فترة إعادة إعمار العراق لتكريس وجودها بحجة المشاركة في هذا المجال، في حين يعتقد الكثيرون بأن أمريكا هي التي ساهمت في تدمير الكثير من البنى التحتية في العراق بحجة ضرب مقرات ومواقع الجماعات الإرهابية كما حصل في الموصل مؤخراً ومن بينها ضرب الجسور التي تربط بين شقي المدينة وباقي المؤسسات الحيوية كجامعة الموصل.
أخيراً ينبغي التأكيد على أن العراقيين وبما عرف عنهم من وعي وذكاء وحرص على بلادهم سيفشلون أي مخطط يرمي إلى تقسيم العراق مهما كانت التحديات التي تواجههم في هذا المجال، وما يؤكد هذا الاعتقاد هو الوقفة والثبات البطولي الذي أبداه العراقيون في محاربة الإرهاب خلال السنوات الماضية.