الصراع فى مثلث الرعب بين داعش والترابين

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الصراع فى مثلث الرعب بين داعش والترابين

احتدم الصراع مجددا بين داعش سيناء وقبيلة الترابين التى تعد أكبر القبائل السيناوية حجما ونفوذا وتشاركا فى نفس المثلث الجغرافى الذى تلعب فيه داعش مثلث رفح الشيخ زويد العريش.

وبين الحين والآخر يتجدد الصراع بين قبيلة الترابين التى يمتد عمرها إلى ألف عام تقريبا وبين دواعش سيناء التى لم يجاوز عمرهم عشرين عاما.

داعش هى التى بدأت القبيلة بالاعتداء والاغتيالات لزعمائها وأبنائها، فردت قبيلة الترابين عليها وقتلت بعض الدواعش، كل منهما يعرف الآخر جيدا، ويعرف المنطقة جيدا، ويملك السلاح والمقاتلين، الدواعش مكشوفة تماما للترابين والقبيلة مكشوفة أيضا للدواعش، لأن بعض الدواعش كانوا ينتمون للقبيلة وقبائل أخرى قبل أن تضخ حازمون وغيرها دماء جديدة فيها.

الواقع السيناوى بتعقيداته فرض على القبيلة وعلى كل من يعيش فى هذا المثلث الخطير أن يقع بين المطرقة والسندان، مطرقة الدواعش وغلظتهم وقسوتهم وجبروتهم واغتيالاتهم من جهة، وسندان الأمن الذى يشك فى أصابع يديه فى هذه المنطقة الوعرة التى من يغفل فيها لحظة عن خصمه يموت، والتى كان يخرج منها إرهابيو داعش فجأة بين الحين والآخر وكأنها سمكة تخرج من الصحراء وليس من الماء.

ما هى طبيعة الصراع بين «داعش سيناء» و«قبيلة الترابين»، وهل يوضع تحت بند الصراعات العقائدية؟ أم أنه صراع على النفوذ فى هذه المنطقة الحساسة؟ أم أنه صراع حياة أو موت؟ أم أن كلا منهما يريد جعل المنطقة خالصة له؟

لقد يأس المواطن السيناوى الشمالى من وقوعه بين مطرقة الدواعش وسندان الدولة، فداعش تقتله، والدولة لا ترحمه أو تقدر ظروفه أو تعوضه عن خسائره أو تطمئن إليه.

وأكثر من أصيبوا بهذا العنت هم المسيحيون وأبناء قبيلة الترابين الذى يقطنون المنطقة، فقد قتل التنظيم من قبيلة الترابين وحدها أكثر من 23 فردا سوى زعيم القبيلة وابنه، وقتلوا من المسيحيين تسعة مما أدى إلى تهجيرهم من منازلهم فى هذا المثلث إلى أماكن أكثر أمانا فى سابقة فريدة لم تحدث فى تاريخ مصر الحديث.

وقبل أن نلج فى الصراع الدموى بين دواعش سيناء وبين بنى عمومتهم من قبيلة الترابين نلقى الضوء على هذه القبيلة بعد أن تعرفنا كثيرا على دواعش سيناء.

تعد قبيلة الترابين أكبر قبيلة فى سيناء وصحراء النقب، وهى أكبر قبيلة بدوية فى مصر التى يبلغ تعداد البدو فيها أكثر من 2.6 مليون نسمة، وتنتشر أبناء قبيلة الترابين فى سيناء والشرقية وبور سعيد والسويس والإسماعيلية والقاهرة والجيزة.

ويبلغ عدد قبيلة الترابين فى مثلث العريش وحده أكثر من 70 ألف فردا، وتنقسم القبيلة إلى عشائر يصل عددها إلى 120 عشيرة.

وترجع أصول قبيلة الترابيين إلى مدينة «بئر سبع» الفلسطينية المحتلة، وينتشر أبناؤها فى مدن كثيرة بالأردن منها عمان والعقبة والزرقا وجرش ولها امتدادات عدة فى غزة، وتحتل قبيلة الترابين الحدود من رفح إلى خليج العقبة على البحر الأحمر، وتعد قبيلة الترابين هى القبيلة الأقوى والأكثر نفوذا فى النقب وتتميز بدوام حركتها فى البلاد.

ويرجع بعض المؤرخين جذور القبيلة إلى الحجاز وأن جدهم الأكبر عطية نزح من الحجاز وتزوج فى سيناء امرأة من بنى واصل، وأنجب عددا من الأولاد الذين استقروا على الحدود المصرية الفلسطينية الحديثة، وتسموا بالترابين نسبة إلى بلدة «ترب» القريبة من الطائف الحجازية الشهيرة، والتى آذت رسول الله من قبل وأبت نصرته.

وهناك وثائق تاريخية كثيرة تدل على سطوة هذه القبيلة تاريخيا فى المنطقة ومنها وثيقة بخط السلطان العثمانى الأخير عبدالحميد يقضى فيها بإمارة قبيلة الترابين على بئر سبع وسيناء وغزة، وأمام هذا التاريخ المجيد والشرف القديم والعرق النبيل فقد عز على قبيلة الترابين أن يخرج بعض أبنائها عن طوعها، وينتمون للدواعش وينهجون فكرهم ضاربين بكل تقاليد الإسلام والعروبة والقبيلة عرض الحائط.

وقد يكون هذا مقبولا على مضض أحيانا، أما أن يتحدى هؤلاء زعماء القبيلة ويكفرونهم ويكفرون عاداتهم القبلية ويعتبرونها ضربا من الجاهلية ويسبون شيوخ القبائل علنا خاصة فى فترة الانفلات الأمنى عقب ثورة 25 يناير، فهذا هو التحدى بعينه.

أما التحدى الأكبر فهو قتل الدواعش لزعيم القبيلة، ثم قتلهم لابنه بعد ذلك فى سوابق فريدة، ولم يقف الأمر عند ذلك بل زاد الدواعش فى غيهم وجبروتهم فقاموا باقتحام منزل أحد شيوخ قبيلة الترابين فى غيبته وأخرجوا النساء والأطفال منه ثم قاموا بتفجير المنزل بما فيه.

ولم يكتف الدواعش بذلك بل قاموا بنشر صورة المنزل المتفجر على الفيس بوك ومعها دليلهم على إدانة شيخ الترابين إبراهيم العرجانى من وجهة نظرهم وهو صورته مع الرئيس السيسى وكأنها الدليل الشرعى الدامغ لاستحلال دماء وأموال وأعراض الآخرين، فلم يحدث ذلك أبدا فى تاريخ القبيلة.

ومما زاد الترابين حنقا وغيظا من التنظيم قتله «لامرأة ترابية» بعد تكفيرها واستحلال عرضها بحجة التعاون مع الجيش والشرطة ضاربين بكل القيم الدينية والقواعد القبلية التى تحرم التعرض لأى امرأة قبلية حتى وإن وقعت فى خطأ حقيقى، وأن أسرتها هى التى تتحمل أمرها وترد الحق بدلا منها.

 كما قامت داعش بقتل قرابة 100 شاب سيناوى معظمهم من القبائل بنفس هذه الحجة العقيمة «التعاون مع الجيش والشرطة» وزادت فى غيها بذبحهم بطريقة همجية وتصوير ذلك ونشره فى اليوتيوب وكأنها تفخر بذلك، دون أن تفهم أن المواطن السيناوى لا يستطيع أن يتستر على داعشى وإلا اعتبر منهم.

 أمام ذلك كله وغيره أعلنت 23 قبيلة فى العام الماضى تكوين تحالف قبلى بزعامة «الترابين» لمواجهة «داعش سيناء» وهم فى الحقيقة لا يفعلون ذلك دفاعا عن الدولة ولكن دفاعا عن أنفسهم وأموالهم وأعراضهم فى المقام الأول.

 كما أصدرت قبيلة الترابين فى العام الماضى بيانا ناريا جاء فيه «لقد تماديتم فى الغى والعدوان، وتلوثت أيديكم بالدماء البريئة، وانتهكتم الحرمات، وتخطيتم كل الحدود الحمراء، وتدثرتم بعباءة الدين وهو منكم براء، وقد صبرنا حتى أقمنا عليكم الحجة بالعرف والعقل والنقل والشريعة، وأشهدنا عليكم القاصى والدانى حتى برئنا من دمائكم وأرواحكم، لذلك نعلنها: أن نحوركم حلال لنا، وقلوبكم سواده لرصاصتنا، وأجسادكم سيسكنها التراب بإذن الله، ونحن على الحق المبين، وآن أوان الذود عن النفس والعرض والمال فلا تلوموا أنفسكم إذا احتدمت المعركة».

واحتدمت المعركة فعلا، بدأت الترابين عمليات دفاع مستمرة ضد داعش، إذا قتلت داعش منها فردا تعقبت الدواعش وقتلتهم، وإذا فجرت أو حرقت منزلا أو أموالا أو سيارة للترابين ردوا عليها بالمثل، وآخر ما قامت به داعش هو حرق عربة نقل محملة بالسجائر تتبع القبيلة بحجة أن السجائر حرام، وأن الشريعة تلزم حرقها وكأنه هو ولى الأمر أو الحاكم بأمره فى المنطقة ليجدد مرة أخرى صراع البقاء والحياة أو الموت فى هذا المثلث المنكوب الذى لا يستطيع أحد أن يسير فيه بعد السابعة ولا أن يتحرك بحرية بسيارته وإلا سيكون هدفا مباحا إما لداعش أو يحسب أنه داعش فيقصف فيبوء بالخسران فى الحالتين.

 وترى متى يعود لهذا المثلث المنكوب أمنه وأمانه، ويعود الذين غادروه وهجروه كرها إليه، ومتى يعود الحب مرة أخرى إلى سيناء التى كلم الله فيها موسى تكليما وأنزل عليه صحائف التوراة، ومر بها معظم الأنبياء العظام مثل «إبراهيم، وعيسى، وموسى، فضلا عن العذراء البتول مريم».

ناجح إبراهيم

قراءة 1656 مرة