تصاعد التوتر بين السعودية وقطر، يجرّ في ذيوله معارك حامية في سوريا بين المجموعات المسلحة المرتبطة بالسعودية من جهة أو بقطر وتركيا من جهة أخرى. لكن الشرخ المتوقع بين الدول الداعمة للمجموعات المسلحة، قد يؤدي إلى تموضع تركيا وقطر على طريق انفراج في الأزمة السورية.
سرعان ما دخلت الجماعات المسلّحة في سوريا على خط الأزمة المتصاعدة بين السعودية وقطر وحلفائهما. ففي سياق الحملة السعودية ــ الإماراتية لاتهمام قطر بدعم الإرهاب، تشير جبهة النصرة بأنها تلقت مساعدات من قطر. وتلمح جماعات أخرى إلى دعم سعودي أو دعم قطري بحسب الجهة المقصودة في هذا الجانب أو ذاك. فالخلافات بين هذه الجماعات اشتدّت على إثر تموضع تركيا في معركة حلب والاتجاه نحو مؤتمر آستانا. لكن الأزمة الخليجية الراهنة تتلقفها جبهة النصرة للسيطرة على مقار فيلق الشام المدعوم من قطر في ريف حلب الشمالي وعلى عدة مقار للفيلق في ريف إدلب الجنوبي.
الواقعة الكبرى المنتظرة بين مجموعات الدول الداعمة، قد تكون في محافظة إدلب حيث تحتشد قوى أحرار الشام المدعومة من تركيا وقطر، وبين جبهة النصرة وحلفائها في هيئة أحرار الشام التي تأخذ في الأزمة الخليجية جانب السعودية. فإدلب هي إحدى أربع مناطق متفق عليها لخفض التوتر، إذا التزمت تركيا وهي الدولة الضامنة في آستانا، بالقضاء على النصرة في إدلب. لكن تركيا كانت تخطو خطوة إلى الأمام تحت الضغط الروسي وخطوة إلى الوراء نتيجة حسابات ترجوها عبر استخدام جبهة النصرة كقوّة مساعدة في توسّع المصالح والنفوذ التركي في سوريا. ولا يبدو أن تركيا قادرة إبّان الأزمة الخليجية على الاحتفاظ برفاهية التعويل على النصرة وعلى آستانا في الوقت نفسه، ولاسيما أنها تدخل في صميم الأزمة الخليجية من بابها العسكري في إرسال جنودها إلى الدوحة.
قد يكون بين أبرز أسباب الانفجار بين السعودية وقطر، هو الجبهة التركية ــ القطرية الفاعلة في الأزمة السورية استناداً إلى الجماعات المسلّحة من فصائل الإخوان المسلمين والمجموعات الكثيرة المقرّبة. وفي هذا الأمر ترى السعودية أن هذه الجبهة تستولي بغير وجه حق على نصيبها المشروع من أراضي الأخوة العرب. لذا تشترط السعودية على قطر في مقدمة الشروط وأهمها، التخلّي عن الإخوان المسلمين الذين يستند إليهم النفوذ القطري والتركي لتوسّع مصالح البلدين في سوريا والبلدان العربية الأخرى. فالسعودية ترفع السقف أمام قطر وتركيا إلى حدٍّ لا يتسنى للبلدين قبول تقويض نفوذهما بأيديهما والاستغناء عن طموحاتهما بالمصالح الهائلة في أراضي وثروات سوريا والعراق والبلدان العربية.
الدعم الذي يقدمه دونالد ترامب للسعودية في هذا الإطار، يستهدف انتزاع الثروة المالية القطرية التي تتجاوز 300 مليار دولار سائلة في الصناديق السيادية، كما انتزع الثروة المالية والثروات الخام السعودية. لكنه يستهدف أيضاً من وراء القصد المالي إعادة قطر إلى حجم مشيخة صغيرة عاجزة عن الحركة وعن تقديم الدعم من دون سيولة مالية، ومن غير أفق سوى قاعدة العديد الأميركية. وعلى الأرجح لا تسفر الوساطات العربية والأميركية في إخماد الأزمة إذا ظلّت السعودية تشترط مع ترامب لإخمادها انتحار قطر السياسي.
من غير المتوقع استدارة قطر وتركيا نحو موسكو وطهران ودمشق. فكل خطوة في هذا الاتجاه يرافقها الهاجس القطري والتركي على عدم القطيعة مع واشنطن. لكن قطر تبدو ملزمة بالانفتاح على العواصم الثلاث بمقدار ما تدير السعودية وحلفاؤها الظهر لها. وفي المقابل تختبر طهران بهدوء مآلات الخيارات القطرية ورد التحية بأحسن منها. فوزير الخارجية محمد جواد ظريف يذهب إلى أنقرة للتباحث مع ارئيس التركي ووزير الخارجية "بشأن التحولات الجديدة وأحداث المنطقة وخاصة في سوريا" بحسب تصريحه. كما وزير الخارجية القطري محمد عبد الرحمن آل ثاني يذهب إلى موسكو للقاء وزير الخارجية ووزير الدفاع. وفي الوقت نفسه يلتقي ستافان ديمستورا في موسكو الوزيرين للتباحث في الأزمة السورية. فهذا التحرّك على خلفية الأزمة الخليجية يتجاوز تجارة فك الحصار عن قطر ويتجاوز الاصطفاف لمنع الغزو العسكري ضد الدوحة، إلى تموضع سياسي جديد في المنطقة وخاصة في سوريا.
انقسام المحور المعادي لحل الأزمة السورية إلى قسمين، وتموضع تركيا وقطر في خط ثالث بين المحورين، يتضمّن دفعاً قوياً ينمو بموازة المأزق السعودي على طريق انفراج الأزمة السورية.