دويّ الصواريخ الإيرانية رسالة صارِخة

قيم هذا المقال
(0 صوت)
دويّ الصواريخ الإيرانية رسالة صارِخة

د. عبد الستار قاسم، أكاديمي ومفكر فلسطيني، كتب ٢٥ كتاباً في السياسة والتاريخ كما نشرت له عشرات المقالات والدراسات في الصحف والدوريات العربية.

ما قبل الصواريخ الإيرانية على دير الزور ليس كما بعده. هي عملية توجه إيران من خلالها مجموعة رسائل للأعداء والأصدقاء.

وأخيراً حدث ما تم انتظاره على مدى سنوات وأطلقت إيران صواريخها متوسّطة المدى على مواقع لتنظيم داعش في سوريا.

أعلنت طهران مراراً وتكراراً عن نجاح تجارب لصواريخ بعيدة المدى ومتوسّطة ودقيقة الإصابة، لكن العالم لم يشهد فعّالية هذه الصواريخ، وبقيت المعلومات الدقيقة حولها حبيسة أجهزة الأمن الإيرانية، وحبيسة أجهزة الأمن الغربية والإسرائيلية التي تتابع بدقّة تجارب إيران الصاروخية. ولأن المواطن العادي لم يلمس واقعاً عملياً لتلك الصواريخ، بدأ يُشكّك بوجودها ويُقارن بين الإعلانات الإيرانية وإعلانات الأنظمة العربية التي كانت تتم عبر السنوات والتي ثبُت أنها كاذبة. لم يعد المواطن العادي يُصدّق ما تقوله إيران.

وإيران أعلنت عدّة مرات أنها طوّرت طائرات حربية وصواريخ مُضادّة للطائرات تحاكي الصواريخ الروسية S300، لكن المواطن أيضاً لم يرَ شيئاً يُثبت له فعّالية هذه الأسلحة. لم تظهر علينا الطائرات الإيرانية التي لا يرصدها الرادار في الأجواء السورية، ولا ظهرت مُضادّات الطيران، بخاصة أن أجواء سوريا الحليفة لطهران تُنتهك باستمرار من قِبَل طيران الصهاينة والأميركان، وأحياناً طيران الأتراك والأردن. الآن يبدو أن طهران قرّرت أن تزيح الستار وتكشف عن بعض فعالية ترسانتها الصاروخية، وقرّرت قصف مواقع لداعش في سوريا وعن بعُد حوالى 650 كلم. وبقي أن نعرف عن دقّة إصابة هذه الصواريخ وقدرتها التدميرية. وهذا ما سيُتكشف بسرعة بخاصة أن إسرائيل وأميركا ستتحرّيان بسرعة عن هذا الأمر، وستُنشر الاستنتاجات في وسائل الإعلام وستكون محطّ التصريحات السياسية والعسكرية، وموضوعاً للنقاش والجدل على الساحات الفكرية والثقافية والإعلامية العالمية.

تفاصيل إطلاق صواريخ أرض-أرض الإيرانية في غاية الأهمية، وهي محطّ اهتمامات العديد من الدول المُعادِية والصديقة. فمثلاً من المهمّ معرفة كثافة النيران التي انطلقت لما في ذلك من مؤشّر على أعداد منصّات الإطلاق، وقدرة إيران على توجيه ضربات ساحقة لمواقع عسكرية مُعادية. ومن المهم أيضاً معرفة حمولة الصواريخ من المتفجّرات ودقّة الإصابة لما في هذا من قوة ردع يحسب لها الجميع حساباً. ومن المفروض ألا نستبق الحديث وننتظر بعض التفاصيل من الحرس الثوري الإيراني، والذي بالتأكيد لن يُقدّم كل المعلومات التي نطمح للحصول عليها وذلك حفاظاً على أسرار قد تشكّل مفاجآت للأعداء في حال حصول مواجهة.

إيران قادرة على ضرب داعش في سوريا، وقد فعلت ذلك مراراً، وهي ليست بحاجة إلى إثبات قدراتها العسكرية للتنظيم. ومن الواضح أن الرسالة الصاروخية موجّهة إلى من يدعمون داعش من عرب وأميركيين وإسرائيليين. تتعرّض إيران لتهديد في الآونة الأخيرة من السعودية التي صرّحت بضرورة نقل الحرب إلى الداخل الإيراني، الأمر الذي حصل من خلال التفجيرات الأخيرة في طهران، ومن الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تعملان على تكوين تحالف مع بعض عرب الخليج ضدّ إيران. تعمل أميركا بكل قوة على رفع مستوى تسابق التسلّح في المنطقة، والهدف كان واضحاً في مؤتمر الرياض وهو مواجهة ما أسماه بالإرهاب الإيراني. وهذا التجمّع العربي الصهيوني الأميركي لا يخفي عداءه لقوى المقاومة العربية في فلسطين ولبنان، وإمكان قيامه بأعمال تلحق كل الضرر بحماس والجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية وحزب الله.

الرسالة موجّهة إلى عرب الخليج أولاً ومفادها أن عداءكم لإيران ومحاولاتكم لحشد القوى في مواجهة الجمهورية الإسلامية سيكون مدمّراً لكم، وأنتم في النهاية الخاسرون. وموجّهة أيضاً لإسرائيل التي لا تنفكّ عن التحريض ضدّ إيران وتأليب الدول الغربية ضدّها، وتأجيج العداء بين إيران وأميركا عسى أن تقوم أميركا بعمل عسكري بالنيابة عنها يدمّر منشآت إيرانية عسكرية وتقنية هامة. والرسالة موجّهة أيضاً للولايات المتحدة التي تحسب حساباً كبيراً لتعرّض قواعدها العسكرية المنتشرة في المنطقة العربية والجوار، ولأساطيلها التي تجوب المياه الدولية والإقليمية. أميركا ستراجع حساباتها بشأن الخسائر التي يمكن أن تُمنى بها إذا اصطدمت عسكرياً مع إيران. وعلى العالم كله أن يراجع حساباته بشأن إمدادات النفط في حال نشوب حرب في المنطقة، قد تؤدّي إلى إغلاق مضيق هرمز وتدمير منشآت نفطية هامة يؤثر على المعروض النفطي العالمي. والرسالة لا تستثني الأصدقاء بخاصة روسيا التي ستصبح أكثر ثقة الآن بقدرات إيران العسكرية والتقنية، وأكثر رغبة في الارتقاء بالتنسيق بين الدولتين ورفع مستوى التعاون في مواجهة الصلف الأميركي في المنطقة. وإيران تسجّل الآن مزيداً من الثقة بقدراتها لدى الصين والهند ودول عربية ليست معنيّة بمُعاداتها، وهي تعطي أصدقاءها من العرب وغير العرب المزيد من المعنويات التي تجعلهم أكثر جرأة في الدفاع عنها.

لكن ما حصل حتى الآن لا يكفي ليكون رسالة ردع قوية للأعداء. أمام إيران أن تجرّب المزيد من الإنتاج العسكري لتكون مهابة الجانب بصورة رادعة لتفكير الأعداء بالاعتداء عليها. أهم نقطة تتلخّص في قدرات إيران في الدفاع الجوي. هل هي قادرة على حماية الأجواء السورية من الطائرات الصهيونية والأميركية؟ روسيا تفشل في حماية هذه الأجواء، وما زالت القوات السورية تنتظر نوعيّات جديدة من الأسلحة.

ما قبل الصواريخ ليس كما بعد. الآن وبعد إثبات القدرات العسكرية، ستكون لإيران كلمات مسموعة على المستويين الإقليمي والدولي، وسيتعزّز موقع إيران إقليمياً ودولياً، وسيتوجّه العديد من الدول نحو كسب ودّ إيران، أو تخفيف معاداتها لها. وبالنسبة للصهاينة، ستزداد مخاوفهم من المستقبل، وسيراجعون كل حساباتهم العسكرية وقدراتهم التقنية في مواجهة التطوّرات العسكرية الإيرانية. أما المقاومة العربية فستكون أكثر إقداماً في تحدي الاعتداءات الصهيونية.

قراءة 1450 مرة