لو كان بعض حكام الخليج عرباً حقيقيين لما دخلوا في هذا النفق الذي يستبدل الحليف الإقليمي الاستراتيجي "إيران" بعدو صهيوني معتد ماكر مغتصب للأرض والحقوق. لا شك أن تحليل كلّ ما يجري في المنطقة من منظور الصراع العربي الإسرائيلي، هو تحليل دقيق وصائب.
في الوقت الذي تنشغل به معظم وسائل الإعلام العربية بالشروط المقدّمة إلى قطر، وما إذا كانت قطر سوف توافق على هذه الشروط، أوعلى بعض منها، عُقد في إسرائيل مؤتمر "هرتسليا" والذي شارك فيه ما يزيد على 180 شخصية سياسية، وعسكرية، وأمنية، والذي ركّز وبشكل أساسي على خطورة المحور السوري-الإيراني-حزب الله، والذي لا يمكن لإسرائيل أن تواجهه وحدها مع اعتبار هذا المحور (ومعه روسيا طبعاً) هو التهديد الاستراتيجي الأساسي، حيث أوضح حجاي تسورئيل، مدير وزارة الشؤون الاستخبارية، أنه "إذا أردنا الحديث عن إيران، يجب الحديث عن سوريا، فهي التمدد المركزي، لا يوجد مكان آخر في العالم يحتوي على هذا العدد من القوى السياسية في ساحة واحدة".
وأضاف "إن التفكير في أننا كإسرائيل قادرون على مواجهة هذا وحدنا، هو خطأ، نحن بحاجة دعم الدول الكبرى العالمية والإقليمية".
وقد أكد موشيه يعلون (وزير الأمن السابق، وكان آيزنكوت، رئيس الأركان) أن التعاون بين "إسرائيل والدول العربية والمعتدلة آخذ في التعمق في السرّ والعلن، بل إن جزءاً منه يجري في الوقت الحالي علناً". وكان وزير دفاع الكيان ليبرمان قد قال يوم الخميس "إنني أريد بصورة واضحة جداً تحذير النظام السوري، الذي يشجع أيضاً حزب الله والإيرانيين، على تحويل أراضي سورية إلى قاعدة أمام إسرائيل". وأضاف "أن الأولوية يجب أن تكون للتوصل إلى حلّ إقليمي ثم تتلو ذلك تسوية مع الفلسطينيين".
وفي بحث منفصل بعنوان "بقاء الأسد خبر سيئ على إسرائيل" صادر عن مركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية (18 حزيران 2017)، يتوصل الباحثون إلى الاستنتاج "أن الفشل في إنهاء وجود "النظام السوري"، بعد كلّ تلك الحرب، يستلزم أن تجري محاولة التعويض عنه في المرحلة المقبلة... فإسرائيل ستظلّ تشعر بحالة من الضعف النسبي إذا بقيت سوريا قادرة على حماية قرارها المستقل والمناهض للهيمنة الأميركية، والمطالب باستعادة الجولان المحتل، ووقف إلى جانبها حلفاء إقليميون ودوليون، رغم كلّ الدمار الذي تسببت به سنوات هذه الحرب".
والمعنى الأكيد لما ورد أعلاه هو أن هذه الحرب، التي تمّ شنّها على سوريا منذ سبع سنوات، لم تحقق الأهداف المرجوة منها "إسرائيلياً" وفي مقدمتها تدمير قوة سورية على مواجهة إسرائيل وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي لصالح إسرائيل وحلفائها في المنطقة، لا بل إن هذه الحرب على الإرهاب قد أنتجت تهديداً أكبر لإسرائيل يتمثل في تحالف محور المقاومة، سورية-إيران-حزب الله مع روسيا.
هذا المحور الذي لا تستطيع إسرائيل أن تواجهه منفردة على الساحة الإقليمية. ولذلك كان لا بد من خلق تحالف على الجانب الآخر مع اسرائيل، يضمّ بالإضافة إلى الأردن ومصر، المرتبطين باتفاقات مع إسرائيل، السعودية، وما تيسر من دول الخليج (الفارسی)، وسط زوبعة مفتعلة ضد إيران هدفها الأساسي هو محاولة تفكيك هذا المحور والذي يشكّل ضمانة للحق الفلسطيني والعربي ويقف في وجه التحديات والاستيطان الإسرائيلي وانتهاكه للمقدسات والحقوق والكرامة الفلسطينية والعربية.
ومن أجل تعطيل نتائج انتصار سورية وحلفائها على الإرهاب مع بقاء الدولة السورية وقرارها المستقل، تعمد إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة طبعاً، إلى إطالة أمد هذه الحرب على سوريا من جهة، والعمل على ألا تسمح بزيادة مصادر القوة السورية بعد انتهاء القتال، وهذا يشمل ألا يكون لها حليف إقليمي مثل إيران، مع شكوك الإسرائيليين أن روسيا عضو أساسي في هذا التحالف، رغم العلاقات التي تبدو طيبة بينها وبين اسرائيل، فقد قال اللواء الاحتياط عاموس غلعاد في مؤتمر هرتسيليا: من سيحلّ بدلاً من داعش الذي هو في طريق الأفول؟ إنه "التحالف الآخذ في التبلور أمام أعيننا: إيران وحزب الله و(الرئيس بشار) الأسد وروسيا". وقال إنه برغم العلاقات الجيدة بين إسرائيل وروسيا لكن "لا تُخطئوا، هي حليفة لهذا التحالف، وقد اتخذت قراراً استراتيجياً بدعم كل هذه المنظومة".
زوبعة قطر إذاً، محاولة لتفكيك هذه المنظومة من خلال خلق الوهم أن إيران هي التي تهدد الخليج والعرب، وفي هذا المنطق خدمة أساسية للعدو الصهيوني وتهديد للحق الفلسطيني والعربي.
لو كان بعض حكام الخليج (الفارسي) عرباً حقيقيين لما دخلوا في هذا النفق الذي يستبدل الحليف الإقليمي الاستراتيجي "إيران" بعدو صهيوني معتد ماكر مغتصب للأرض والحقوق. لا شك أن تحليل كلّ ما يجري في المنطقة من منظور الصراع العربي الإسرائيلي، هو تحليل دقيق وصائب. فالحرب على العراق وسورية واليمن وليبيا لا مبرّر لها سوى خدمة العدو الصهيوني، والتفريط بعوامل القوة لدى أشد ّ الأنظمة العربية تمسّكاً بالحقوق العربية. لكن، وبفضل صمود سوريا وحلفائها، فقد أنتج هذا الصمود منظومة مقاومة يحاول الكيان الصهيوني تجميع عوامل الرّد عليها من خلال استمالة بعض أنظمة الخليج إلى خدمة الكيان الصهيوني، والذي لا ينتج عنه سوى المذلة والخسارة للسائرين على هذا الدرب.
وتبقى الجمهورية الاسلامية الإيرانية وروسيا وحزب الله حلفاء سوريا في المقاومة والانتصار، وكل من يعترض على هذا المحور، لأي سبب مختلق، فهو يخدم مصلحة العدوّ الأساسي للعرب، العدو الصهيوني وعملائه.