خرق تصريح رئيس هيئة الأركان الأميركية جوزيف دانفورد الأخير جدار البرودة في العلاقة الأميركية – التركية على خلفية المصالح في الشمال السوري، من دون أن يُقدم حلولًا لإشكالية المتمثلة بدعم واشنطن لميليشيات سوريا الديموقراطية.
قال دانفورد إنّ أي حل سياسي أو عسكري في سوريا "سيُأخذ بعين الاعتبار أمن تركيا على المدى البعيد"، من أن يوضح السبيل لذلك.
موقف دانفورد هو الموقف الرسمي الأول الذي يمكن اعتباره إيجابياً بعدما نشرت وكالة أنباء الأناضول التركية معلومات – اعتبرها البنتاغون حساسة – إزاء قواعد عسكرية سرية في سوريا.
الرغبة الأميركية بتهدئة مخاوف الحليف التركي وإحتوائه تتزامن مع تواتر الأنباء عن قرار تركي غير محدد التوقيت بتنفيذ عملية "سيف الفرات"، التي لم تتضح معالمها النهائية في ظل الحديث عن تفاهم مع روسيا حول ترتيب ملف الشمال السوري؛ الأمر الذي تسعى أنقرة لاستثماره لتحقيق مكاسب أكبر من موقعها الذي يُراعي المصلحة الأميركية أيضاً.
وتلعب عوامل أخرى دوراً في الحسابات التركية، إذ يمكن إيجازها بالتالي:
- اغفال المصالح التركية أثناء تحرير الموصل – كما الرقة السورية ما أدّى إلى تراجع الوزن الإستراتيجي للموقع التركي إقليمياً.
- عدم وضوح الموقف الأميركي النهائي من قوات سوريا الديموقراطية بعد تحرير الرقة. و إن كانت واشنطن قد أعلنت حتى الساعة أنها لن تبقي السلاح الثقيل مع هذه القوات إلا أن الأداء الأميركي تاريخياً في الشرق الأوسط لا يطمئن الحلفاء عادة.
- التوتر التركي الأوروبي والتركي الأطلسي عموماً الذي أججّته أنقرة بتعزيز علاقتها مع روسيا.
- تصنيف تركيا كخصم مباشر بالنسبة للسعودية وحلفائها الخليجيين بعدما وقفت بوضوح مع دولة قطر في الأزمة الراهنة؛ الأمر الذي يمكن أن يؤثر على الحسابات الخليجية في سوريا بحسب ما تشي سياقات الأزمات السابقة في المنطقة.
على أنّ العملية التركية المرتقبة كانت لتحمل زخماً أكبر من نظريتها السابقة "درع الفرات" نظرًا لتقاطع المصالح الدولي على إيجاد حلّ نهائي لمحافظة إدلب، بعد الإنتهاء من الرقة، لولا وجود العقدة الكردية التي تغضب أنقرة و ترسم حدوداً لإندفاعتها.
وأمام هذه العقدة، والتباين التركي – الأميركي تبدو روسيا الرابح الأكبر بعدما نجحت في تثبيت خطوط التواصل مع تركيا وإنشاء مسار مشترك وأجبرت واشنطن على الإعتراف أخيرًا بدورها السوري.
بناءاً على ما تقدم، تتأرجح العملية العسكرية التركية المرتقبة بين ثلاثة سيناريوهات:
المضي قدماً في تنفيذ عملية عسكرية تعتمد على الجيش الحر، علمًا أن التعزيزات العسكرية التركية لم تتوقف منذ أسابيع إلى الشريط الحدودي مع سوريا.
- الرضوخ للرغبة الأميركية بالتمهل إلى حين الإتفاق النهائي مع روسيا على مصير إدلب، لكن هذا السيناريو قد يحمل في طيّاته احتمال تكرار تجربة الجنوب السوري حيث تعتبر إسرائيل نفسها خاسرة من التفاهم الروسي – الأميركي. فهل تكون تركيا هي أقل الأطراف ربحًا من تسوية مماثلة شمال سوريا؟
- غض النظر عن العملية العسكرية بالكامل نتيجة ضمانات أميركية أعلى من سقف استرجاع السلاح من قوات سوريا الديموقراطية بعد انتهاء عملية الرقة. وهنا لا تبدو الخيارات الأميركية بالتقديمات الممكنة لتركيا لإرضائها كثيرة، خاصةً بعدما تحولت القضية الكردية هاجساً في الخطاب الرسمي التركي يفوق بخطره خطر داعش، بحسب حسابات أنقرة.
السيناريوهات الثلاثة تتقاطع في نقطة مركزية: سلة المكاسب التركية لن تكون أبدًا بوزن أحلام رجب طيب أردوغان التاريخية في سوريا، ذلك أنّ تركيا لم تعد صاحبة القرار الوحيد في الشمال السوري، وبات عليها التفاوض والتنازل بعد أن بدأ مسلسل تراجعها الفعلي يوم خسرت حلب بالكامل، مع الإقرار بأن الورقة الكردية لن تكون في النهاية بغير مصلحتها مع رفض جيران سوريا مجتمعين فكرة قيام كيان كردي مستقل.
أمام هذا الواقع، يبدو مرجحًا إلى حد كبير أن يشتدّ التنافس بين مختلف الأفرقاء ومن بينهم تركيا فور إنتهاء معركة الرقّة. وقد لا يبقى هذا التنافس ضمن حدود الشمال السوري بل قد يمتدّ ليعيد خلط الأوراق في بقع جغرافية أخرى، خاصة و أنّ الوكلاء المحليون للقوى الإقليمية والدولية لا يزالون يحتفظون بإمكاناتهم ولا تزال الحرب في مرحلة إختبار الهدن المتنقلة.