"خريطة طريق" إيرانيّة لمهمّة أنان

قيم هذا المقال
(0 صوت)

تتصرف طهران كأنها «أمّ الصبيّ» التي تسعى جاهدة إلى نموه ونجاحه. والصبي هنا ليس سوى مبادرة المبعوث الدولي كوفي أنان، الذي زار الجمهورية الإسلامية أخيراً. هي تتبنى أنان و«النقاط الست» الخاصة به، لكن وفق «خريطة طريق» إيرانية ببنود ستة أيضاً، ترى طهران أن لا أفق من خارجها.

«هي المحطة الأخيرة لمن يريد أن يتطهر من مسؤوليته عن سفك الدم السوري». بهذه العبارة تصف طهران ما بات يُعرف بـ«مبادرة أنان» التي تتبناها قلباً وقالباً وفق خريطة طريق إيرانية لا ترى حلاً من دون «الرئيس الشرعي» للبلاد بشار الأسد، الذي يجب أن يُعطى «الفرصة الكافية لينجز الإصلاحات التي وعد بها». مصادر إيرانية معنية تؤكد «أننا شركاء حقيقيون في صنع معادلة ما يعرف بمهمة أنان»، موضحة أنه «حتى قبل أن يقبل السوريون بهذه المبادرة، شاركنا في محادثات ثنائية ومتعددة مع السوريين ومع أنان نفسه لإنضاجها». وتضيف «بما أننا شركاء بشكل مباشر وقوي في مبادرة أنان، وجزء من الدبلوماسية العلنية والسرية التي أدت إلى بلورتها، فإننا حريصون كل الحرص على إنجاحها، وذلك برغم معرفتنا الدقيقة والشفافة بوجود أطراف إقليمية ودولية، لا نريد تسميتها وإن كانت معروفة للجميع، تريد إجهاضها».

وعليه، ترى هذه المصادر أن طهران «نجحت، بفضل الصمود السوري، في نقل الأزمة السورية من الميدان إلى طاولة المفاوضات، من الحسم العسكري إلى الحل السياسي»، مضيفة «وهكذا، تكون مبادرة أنان قد قُبلت في طهران بحكم الرغبة، فيما قبلها الآخرون بالإكراه، وافقوا عليها رغماً عنهم بعدما أفلسوا في الميدان وما عاد لديهم من أوراق ليلعبوها».

غير أن هذا الدفع الإيراني باتجاه مبادرة أنان ليس مطلقاً، أو بالأحرى مجرداً من أي سياق. على العكس، فقد وضعت طهران للمبعوث الأممي «خريطة طريق» أكد الإيرانيون له أن «الالتزام بها هو الطريق الوحيد لنجاحه». وأضافوا، لأنان، «نحن حريصون جداً على نجاحك، ومستعدون للقيام بأي شيء تطلبه منا طالما أنه يتوافق مع هذه الخريطة»، مشددين على أن «الأطراف الأخرى التي تريد فشلك تسعى جاهدة لأن تحولك إلى دابي رقم اثنين»، في إشارة إلى رئيس فريق المراقبين العرب الفريق السوداني مصطفى الدابي.

وتتلخص خريطة الطريق المذكورة في نقاط ست، أبلغ بها أنان في خلال زيارته الأخيرة لطهران، وهي على الشكل الآتي:

1 - إن بشار الأسد هو خطنا الأحمر، والجمهورية الإسلامية في إيران لن تسمح لأحد، مهما كان، بإسقاط الرئيس الشرعي للجمهورية العربية السورية.

2 - إن أي تغيير في سوريا ينبغي أن يتم طرحه وأن يجري ويُعالج في إطار برنامج الإصلاحات التي بدأها الرئيس الشرعي للبلاد، وهي ممكنة فقط تحت رعاية هذا الرئيس واسمه بشار الأسد.

3 - إن أي شكل من أشكال التعاطي غير العقلاني وغير المنطقي وغير المبدئي مع الموضوع السوري، وأي طرح لا يأخذ بالاعتبار ما سبق، ستكون له تداعيات وتبعات مدمرة على أجواء المنطقة برمتها، بل وعلى المستوى الدولي.

4 - لا يحق لأحد، أي كان، أن يتنكر للحقوق المشروعة للشعب السوري. لكن هذه الحقوق لن تتحقق إلا بمنح الرئيس الأسد الفرصة الكافية لينجز الإصلاحات التي وعد بها.

5- إن التدخل الأجنبي، أو الخارجي، في الشؤون الداخلية السورية والتحريض على العنف وتأجيج النزاعات المسلحة وتمويلها من جانب بعض الدول الإقليمية التي أعلنت صراحة عن قيامها بمثل هذا التحريض وممارسته مترافقاً مع شعار إسقاط الرئيس الأسد أو تنحيه، يجب أن يتوقف فوراً.

6 - إن الحل الوحيد للمسألة السورية هو في التزام جميع الأطراف بقواعد العمل الديموقراطي.

وكان أنان قد زار الأسبوع الماضي طهران، حيث استقبله على التوالي كل من نائب وزير الخارجية أمير عبد اللهيان ووزير الخارجية على أكبر صالحي، فأمين المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي ومن ثمّ الرئيس محمود أحمدي نجاد. وتقول المصادر إن «مضيفي أنان حرصوا جميعاً على التأكد من أنه فهم النقاط الست جيداً»، مشيرة إلى أن المبعوث الدولي طلب لقاء المرشد علي خامنئي، فكان الجواب ما معناه أن «اللقاءات التي عقدتها تكفي إن كنت جاداً وحريصاً على السير وفق خريطة الطريق التي توصلك إلى النجاح».

وكان لافتاً أن نجاد استقبل أنان في مطار جزيرة قشم الملاصقة لبندر عباس، في خطوة يرى متابعون أنها لم تأت مصادفة وإنما كانت متعمدة، محاججين بأنه كان بإمكان الرئيس أن يأتي إلى طهران، أو حتى تمديد زيارة أنان ليوم آخر. يقولون إن نجاد أراد من خلال خطوته تلك أن يقول لأنان إن «سقف تحركاته محكوم بمعادلة ما بعد هرمز، المرادف الإيراني لمعادلة ما بعد بابا عمرو السورية، وبالتالي لا يستطيع (أنان) أن يحصل في السياسة على ما عجز الآخرون عن انتزاعه في الميدان». المعلومات الواردة من طهران تفيد بأن أنان كان مرتاحاً في خلال الجلسات التي عقدها مع المسؤولين الإيرانيين، وأنه كان حريصاً على إبداء رضاه عما يدور في المحادثات، بل إنه أعلن مشاطرته للقيادة الإيرانية رأيها بأن الجغرافيا السياسية السورية مهمة. وقد ذهب إلى حد الإعلان صراحة في خلال مؤتمر صحافي أن من «يطالبون بإسقاط الأسد أو تنحّيه يخالفون معايير الأمم المتحدة ولا يمكن أن يكون لهم أي مكان في مهمتي».

وتحرص الأوساط القيادية الإيرانية المعنية بالملف السوري على التأكيد أن «طهران تعتبر أن هذه هي المحطة الأخيرة لمن يريد أن يتطهر من مسؤوليته عن سفك الدم السوري وتسعير الفتنة الأهلية والاقتتال الداخلي». وهي ترى أن «سوريا نجحت في تجاوز المحنة بعدما قدمت الكثير من التضحيات، وعليه فإن هذه المحطة مناسبة لأن تظهر سوريا بحلة جديدة تلبي طموحات الشعب السوري وتحافظ في الوقت نفسه على الدولة ومنعتها وصمودها».

أما بشأن خريطة الطريق الإيرانية المشار إليها، فترى هذه الأوساط أن «كل ما يخالف هذه الخريطة ليس سوى الفراغ الذي يمكن أن يُدخل المنطقة والعالم في المجهول. هي الطريق الوحيد الذي يحول دون هذا السيناريو». وتضيف إن «الآخرين كلهم، من قطر إلى السعودية وفرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل و...، يريدون أن يُدخلوا المنطقة في المجهول لكي يبنوا على هذا المجهول مشاريعهم التي لا تلبي طموحات الشعب السوري، بل تدمره وتسرق منه المبادرة وتضعه خارج اللعبة وتتاجر به لأهداف أخرى».

وتشدد الأوساط نفسها على أن «الآخرين كلهم باتوا رهائن لمبادرة أنان، التي أصبحت الإطار الوحيد المطروح على الطاولة». وتضيف إنه «في حال نجاح أنان في مهمته يكونون قد فشلوا. وإن فشل هو يكونوا قد فشلوا أيضاً لأنهم يكونون قد انكشفوا، ذلك أن فشل أنان لا يمكن أن ينتج إلا من عجز أو من وجود أطراف تضمر له السوء». وتوضح أن «المبادرة العربية كانت قطرية سعودية، وفشلها كان فشلاً لقطر والسعودية. أما مبادرة أنان فهي مبادرة عالمية، مبادرة المجتمع الدولي، فهل يتحمل العالم أن يفشل في إيجاد تسوية للأزمة السورية؟».

وتختم هذه الأوساط بأن «إيران وسوريا والمقاومة ألبسوا العالم عملياً بزّة اسمها مبادرة كوفي أنان، فإما أن يدفع هذا العالم باتجاه نجاحها، أو يودي بها إلى الهاوية، وساعتها عليه أن يتحمل النتائج».

يبقى موضوع تركيا وما يُحكى عن فشل طهران في إعادة أنقرة إلى معسكر الممانعة التي أمل كثر في انضمامها إليه، بدليل الحديث المتجدد عن المنطقة العازلة. تقول مصادر إيرانية مسؤولة «لم نكن يوماً ساذجين لنأمل بأن تركيا ستعود إلى شهر العسل مع السوريين. لم نتوقع يوماً أن تعود تركيا إلى رشدها الكامل.

ندرك جيداً أنها جزء لا يتجزأ من حلف شمالي الأطلسي، وأنها أخذت قراراتها الاستراتيجية ومضت فيها في سياق نحن مختلفون عليه معها. ما أردناه وفعلناه هو منعها من أن تذهب إلى مغامرة تدخل الجميع في المجهول. استخدمنا النصح والإرشاد والإغراء والتهديد والوعيد وكل وسيلة ممكنة لتحقيق هذه الغاية، وقد حصل ذلك، حتى الآن على الأقل. أعدناها إلى حجمها الطبيعي، وأوقفنا تدخلها المباشر في اللعبة. نأمل أن تستمر الحال على هذا النحو».

**إيلي شلهوب – الاخبار اللبنانية

 

قراءة 1684 مرة