الولايات المتحدة وحلفائها لا يعلنون هزيمة مباشرة في سوريا، لكن فشلهم أيضاً في تحقيق أيّ من الأهداف التي تمّ تحديدها مع بداية الحرب السورية ما يعني عملياً هزيمة مشروعهم السياسي والبحث عن أساليب أخرى للحد من الهزيمة والتعامل مع الواقع. في هذا السياق، منذ مجيء ترامب إلى البيت الأبيض، برزت مشكلة واضحة لدى الأميركيين في تظهير استراتيجية واضحة، وبرزت اختلافات جدية بين البنتاغون والخارجية والبيت الأبيض في التفاصيل. الجديد أن ترامب بشخصيته الإشكالية وأسلوبه الفظ لا يسهّل على بقية أذرع الإدارة ابتلاع سياساته.
عندما اتخذت روسيا قرارها بدخول الحرب في سوريا، سارع المحللون إلى البحث في جواب عن سؤال "من المنتصر: أوباما أم بوتين؟".
اليوم يعلن الإعلام الروسي عن إتمام المهمة ضد داعش وسحب القوات من سوريا بمتابعة خاصة بهدف استشراف المرحلة المقبلة.
مع مرور الوقت، تبينّ أن الإجابة على سؤال المنتصر كانت تتطلب استشراف مواقف وأدوار أربعة أطراف إقليمية: تركيا، إيران، السعودية وإسرائيل.
فحين نتحدث عن قوى عظمى، كالولايات المتحدة الأميركية أو روسيا، يصعب توقع انسحاب مباشر من المنطقة لأي منهما. لكن الحديث يدور حول كيفية تنفيذ هذه القوى لمصالحها بأساليب مختلفة تبعاً للمتغيرات الإقليمية والدولية.
بالنسبة للولايات المتحدة هناك شبه إجماع لدى المراقبين على أن السياسة الأميركية في سوريا تشهد تراجعاً منذ أكثر من عام لصالح الدور الروسي الذي استطاع بالتعاون مع إيران وتركيا فرض واقع جديد مختلف عما كانت تنويه الدول الغربية.
الولايات المتحدة وحلفائها لا يعلنون هزيمة مباشرة في سوريا، لكن فشلهم أيضاً في تحقيق أيّ من الأهداف التي تم تحديدها مع بداية الحرب السورية، ما يعني عملياً هزيمة مشروعهم السياسي والبحث عن أساليب أخرى للحد من الهزيمة والتعامل مع الواقع.
في هذا السياق، منذ مجيء ترامب إلى البيت الأبيض، برزت مشكلة واضحة لدى الأميركيين في تظهير استراتيجية واضحة، وبرزت اختلافات جدية بين البنتاغون والخارجية والبيت الأبيض في التفاصيل. الجديد أن ترامب بشخصيته الإشكالية وأسلوبه الفظ لا يسهّل على بقية أذرع الإدارة ابتلاع سياساته.
الواقع الحالي تفرضه الرؤية الروسية بشكل أكبر، خاصة بعد نجاح روسيا في استقطاب تركيا والايجابية التي تعاطت بها ايران مع هذه الخطوة. وهي خطوة لها تأثير مباشر على تقدم الرؤية الروسية على المشروع الأميركي في سوريا وخطوطها العريضة تتلخص:
- رفض مشروع التقسيم عبر رفض التحركات "الثورية" كون التجارب السابقة لسوريا أثبتت أن هذه التحركات كانت في بداية بعضها أو في محطة لاحقة من مسارها مطية للمصالح الأجنبية.
- إطفاء شرارة النزاعات الاثنية والقومية، كون هذه النزاعات تهديد مباشر للتنوع الروسي.
- سوريا منذ اللحظة الأولى لانطلاق الحرب هي منصة انطلاق لإعادة صياغة توازن القوى إقليمياً، وغياب موسكو عن هذه المنصة يعني فقدان ثقل دورها الدولي.
- روسيا ليست طرفاً في أي نزاع إقليمي جديد، بل هي تسعى للتهدئة والتسوية السياسية. هذا البند في صلب الموقف الروسي من الاعتداءات الاسرائيلية في سوريا. كما في السياق الحاكم للموقف الروسي من النزاع التركي – الكردي.
الخلفية التي تحارب فيها روسيا الإرهاب مختلفة تماماً عن الخلفية الأميركية. هذا موثق بشكل واضح في الحرب السورية.
فالولايات المتحدة كانت مهتمة أكثر بالتغاضي عن الجماعات الإرهابية بهدف إدارة حراك وتموضع الفصائل المسلحة تاركة لها حرية العمل ضد الجيش السوري وحلفائه. هذا الهدف الأول بالنسبة للولايات المتحدة، لأنها تعتبر وقف النفوذ الإيراني أولوية لها في الشرق الأوسط. أما وجهة النظر الروسية فتنطلق من أن موسكو تعتبر الحرب السورية خطراً على أمنها القومي.
السباق الأميركي الروسي سيستمر بطبيعة الحال ولكن بأدوات سياسية، وربما أمنية خاصة من الجانب الأميركي الذي يحافظ على وجوده العسكري أيضاً من خلال حلفائه الأكراد. اما الحديث عن سحب القوات الروسية من سوريا فالأفضل تسميته بـ"إعادة إنتشار" القوات الروسية. إذ أن موسكو لم تدخل هذه الحرب وتدفع كلفة باهظة من أجل أن تترك سوريا في المدى القريب، ولكن الوجود الروسي سيتخذ أشكالاً أكثر "دبلوماسية" إن صح التعبير بالتنسيق مع الدولة السورية ضمن اتفاقات واسعة وعديدة. كذلك، من المفيد التذكير بأن روسيا لا تكن عداءً للأكراد المتحالفين مع الأميركيين، وهذا يسمح لموسكو وواشنطن بتنسيق خطوط التماس بينهما.
بطبيعة الحال لا يمكن لروسيا أن تملأ بالكامل الفراغ الذي قد يخلفه أي تراجع أميركي من الشرق الأوسط، وهذا ما يرجّح أكثر استمرار الحروب "بالوكالة" بين الطرفين تحت سقف عدم الانجرار إلى مواجهة كبرى بينهما.
إعلان الخارجية الأميركية أن "روسيا ترى أن مهامها انتهت في سوريا ونحن نرى أن مهمتنا لم تنته بعد" إشارة واضحة لاستعداد الطرفين للمرحلة المقبلة التي سيكون حضور اللاعبين الإقليميين فيها أكثر حدة وإن تراجع معدل الأعمال العسكرية (ما عدا الإسرائيلية) التي اعتدنا عليها طوال سنوات الحرب.