يحمل عام 2018 المزيد من الفُرَص والتحدّيات بالنسبة إلى إسرائيل. سياسة ترامب على صعيد التسوية وفي ما يتعلّق بسوريا وإيران تراها إسرائيل فرصة تاريخية. بالمقابل هناك ارتفاع في مستوى التهديدات. المُتخصّص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور عباس إسماعيل يُفنِّد ميزان التحديات مُعلِّقاً على أبعاد الرسائل بين قاسم سليماني ويحيى السنوار ضمن ملف "2018.. المخاض العسير".
مزيد من التحدّيات أمام إسرائيل هذا العام. تحدّيات يمكن أن تتّخذ شكل تهديدات أو فُرَص.
على المستوى الموضوعي هناك تصنيف لأربعة أنواع من التهديدات: التهديد غير التقليدي، التهديد التقليدي، التهديد شبه التقليدي، وتهديد السايبر.
المقصود بالتهديد غير التقليدي ما له علاقة بالقدرات غير التقليدية مثل الأسلحة النووية. الاعتقاد السائِد في إسرائيل أن هذا التهديد تزايدَ بشكل رئيسي بعد 2005، الفترة التي يعتقدون في إسرائيل بأن المشروع النووي الإيراني بدأ يشهد قفزات سريعة ونوعية.
أما التهديد التقليدي فهو الذي دَرَجت إسرائيل على مواجهته منذ قيامها، والمقصود فيه الجيوش التقليدية. هذا التهديد تراجع في العقدين الماضيين، والآن يكاد يكون غير موجود.
التهديد شبه التقليدي يشمل المنظمات، وهنا تُفرِّق إسرائيل بين نوعين: منظمات المقاومة مثل حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي، ومن جهة أخرى المنظمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة. مشكلة إسرائيل مع هذا التهديد شبه التقليدي أنه بات يحوز على قدرات توازي القدرات التقليدية وأحيانا القدرات غير التقليدية، الأمر الذي يُصعِّب المهمة.
التهديد الرابع هو تهديد السايبر، وهذا الأمر توليه إسرائيل في السنوات الأخيرة أهمية كبيرة. بعض كبار المسؤولين يعتبره من أخطر التهديدات نظراً إلى البنية العسكرية والمدنية الموجودة في إسرائيل والتي تعتمد على السايبر، ونظراً إلى وجود تقنيات سهلة الاستخدام ومُتاحة أمام مَن يريد مهاجمتها.
تعرّضت إسرائيل لكثير من هجمات السايبر. أحياناً تُعلن عن اختراقات، وتتكتّم بالحديث عن كل المنظومات. في أكثر من مناسبة جرى التطرّق إلى قدرات السايبر المُتطوّرة لدى إيران، إضافة إلى قدرات موجودة لدى حزب الله ولدى حماس.
مجال التأثير والهيمنة
هذه عناوين التهديدات الموضوعية، لكن إذا اتّجهنا إلى الجهات التي تعتبرها إسرائيل تهديداً فهناك تصنيف آخر. التصنيف المُعلَن عنه من قِبَل المستويات الأمنية والسياسية والبحثية يتضمّن كل ما له علاقة بمحور المقاومة.
التهديد الأول يكمن في إيران. يذهب البعض إلى اعتباره تهديداً وجودياً. هنا يجري الحديث عن تهديد ثلاثي الأبعاد:
البُعد الأول نووي. على الرغم من الاتفاق الذي وقِّع بين إيران والدول الكبرى، لا يزال هناك في إسرائيل مَن يعتبر أن طهران لديها طموحات نووية عسكرية، إن لم يكن الآن ففي السنوات المقبلة.
البُعد الثاني له علاقة بمجال التأثير والهيمنة الاقليمية. ترى إسرائيل بأن إيران تبسط تأثيرها في الاقليم من اليمن إلى الخليج، إلى سوريا ولبنان والعراق وفلسطين. هذا النفوذ يُنظَر إليه باعتباره تهديداً فعلياً.
البُعد الثالث في التهديد الإيراني يتعلّق بالقدرات العسكرية المُتطوّرة. هناك برنامج إيران الصاروخي البالستي، وأيضاً صناعاتها العسكرية. يقول عموس يدلين، رئيس مركز أبحاث الأمن القومي، ورئيس شعبة الاستخبارات سابقاً، إن جودة الصناعات العسكرية الإيرانية لا تقلّ عن نظيرتها الإسرائيلية.
لهذا يخشون حزب الله
بعد التهديد الإيراني يأتي التهديد الأكثر شدَّة على إسرائيل. التهديد المركزي وفق كلام رئيس الأركان غادي أيزينكوت وغيره هو حزب الله.
لم يعد الحديث الإسرائيلي يقتصر على قدرات الحزب الصاروخية ومستوى دقّتها وقدرتها التدميرية. يتم التداول أيضاً حول منظومة الطائرات المُسيَّرة ومنظمومات الأسلحة المختلفة التي بات يمتلكها. هذا عدا عن الخبرات القتالية نتيجة مشاركته في المعارك في سوريا. خبرات تفتقد إليها بنظر إسرائيل جيوش المنطقة كلها. في هذا الإطار يجري الحديث عن معارك هجومية على مستوى تشكيلات قتالية كبيرة تصل إلى مستوى لواء وما دونه. أيضاً تشكيلات مختلطة تتكوَّن من سلاح بر، ومُدرّعات، ومُشاة، ومعلومات، وطائرات من دون طيّار، وتحكّم وسيطرة. بهذا المعنى كل عناصر المعركة على مستوى الواقع باتت مُكتمِلة لدى حزب الله.
التهديد الذي يليه له علاقة بالمقاومة الفلسطينية في غزّة وتحديداً حماس والجهاد الإسلامي. هذا التهديد الأكثر داهمية، بمعنى الأكثر إمكانية للاشتعال بسببب الوضع القائم في القطاع.
هذه التهديدات واقعية. الجهات التي وراءها تعمل بشكل جدّي على مواجهة إسرائيل وهي في طور المواجهة. هناك أيضاً تهديدات مُفترَضة يمكن أن تتحوَّل مستقبلاً إلى تهديد فعلي. المقصود هنا داعش والقاعدة. هاتان المنظمتان موجودتان في كل المناطق المُتاخِمة لفلسطين المحتلة لكن لا تمارسان أيّ تهديد فعلي. يتجلّى ذلك بشكل واضح في سيناء والجولان وحتى في غزّة وبعض الأماكن.
ترامب فرصة استثنائية
في مقابل هذه التهديدات أمام إسرائيل فرَص أولها أن التهديد التقليدي لم يعد موجوداً. آخر الجيوش التي تُشكّل تهديداً لها جرى إضعافها وهو الجيش السوري.
عدا عن ذلك تعوّل إسرائيل على العلاقة المُتطوّرة مع دول عربية. تعتبر هذا التطوّر من أهم الفُرَص التي أتيحت لها في السنوات الأخيرة وتحديداً العام الماضي.
على مستوى صُنَّاع القرار ليس هناك نقاش على أن تلك العلاقات هي إنجاز استراتيجي وفرصة استثنائية. بنيامين نتنياهو عبّر عن ذلك أكثر من مرة وإن كان معنياً بتضخيم هذا الإنجاز من أجل تحقيق مكاسب في الداخل.
هذا التطوّر يتم التعبير عن أهميته على المستويات السياسية والاستخبارية وأيضاً على مستوى الوعي وانعكاساته على القضية الفلسطينية. كل هذه النقاط تجعله ذا أهمية استثنائية. أما التباين في الآراء فينحصر في قراءة فُرَص الاستفادة وجدوى المُراهنة على الدول العربية. مَن سيعطي مَن؟ إسرائيل ستأخذ أم ستُقدِّم؟
في الصورة الأشمل تنظر إسرائيل إلى ما يجري في الواقع العربي بإيجابية. ترى في ذلك فرصة من شأنها حَرْف الأنظار عن الصراع مع إسرائيل وتهميش القضية الفلسطينية.
المشاريع الاقتصادية تندرج بدورها ضمن الفُرَص. هنا يتركّز الحديث عن اكتشافاتها النفطية والغازية وتعاونها المُحتمَل في هذا الإطار مع تركيا واليونان وقبرص. حتى الآن لا توجد لديها علاقات مشابهة مُعلنَة مع دول عربية باستثناء الأردن.
الفرصة الأخيرة يمكن اختصارها بالإدارة الأميركية الجديدة. مجيء ترامب إلى سدَّة الرئاسة اعتبرته إسرائيل فرصة استثنائية. صحيح أن الإدارت السابقة لم تكن مُعادية لإسرائيل، لكن ترامب فرصة استثنائية أمام سلطات الاحتلال لا سيما كل ما له علاقة بالصراع العربي الإسرائيلي أو بالمحيط الاستراتيجي.
علي فواز