تُدرِك إسرائيل بأن مواجهة مصانع الأسلحة تتطلّب توجيه ضربة عسكرية محدودة للتخلّص من القدرات النوعية، لكنها في الوقت نفسه مازالت تعيش حالة من عدم القدرة على اتخاذ القرار النهائي، فالتنبؤ الاستخباري الإسرائيلي لم يستطع تقدير آليات رد حزب الله على مثل هذه الضربة، في الوقت الذي تدرك فيه الأوساط الإسرائيلية بأن أيّ رد فعل لحزب الله ستكون انعكاساته مُدمّرة على الجبهة الداخلية، وقد تفشل إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية.
شكَّل نجاح المقاومة الفلسطينية واللبنانية في بناء القوّة العسكرية على مدار السنوات الماضية في إبعاد فكرة الحرب، ما دفع الاحتلال إلى البحث عمّا أسماه المعركة بين الحروب، إلا أن ذلك لم يمنع العدو الإسرائيلي من مواصلة التهديدات على جبهتيّ الشمال حزب الله والجنوب حركة حماس، وتصاعد التلويح بالعدوان عليهما، مع مواصلة المناورات العسكرية، ما يشي ويطرح السؤال: هل نحن على أعتاب مواجهة جديدة؟ حرب ثالثة في لبنان؟ أو رابعة في قطاع غزّة؟
منذ تولّي إيزنكوت رئاسة أركان جيش العدو الإسرائيلي وهو يحرص بصورة كبيرة على إجراء المناورات والتدريبات العسكرية للجيش الإسرائيلي مستفيداً من الدروس والعِبَر التي استخلصها جيشه بعد عدوان 2014 على قطاع غزّة، لذا من غير الجيّد ربط كل المناورات العسكرية وكأنها عدوان، أو أن الظروف السياسية المواتية والتي تتحدّث عن حلول تُفرَض على الفلسطينيين بأنها تستلزم عدواناً جديداً على قطاع غزّة.
خلال الفترة الماضية نجح العدو الإسرائيلي في اكتشاف بعض أنفاق المقاومة الفلسطينية في المناطق التي يسيطر عليها ما يؤجّل أسباب أية مواجهة قريباً. لا شك أن المقاومة في قطاع غزّة تزعجه، لكن الاحتلال يحاول التعايش مع الواقع الحالي مرحلياً، صحيح أن دولة الاحتلال لن تتردّد في اعتراض أو الاستباق في حال اعتقدت بأن هجوماً على وشك التنفيذ، إلا أن الظروف السياسية والميدانية تجعلها غير قادرة على تحقيق أيّ هدف سياسي من المواجهة مع غزّة.
الجبهة الشمالية تمثّل التهديد الآني لدولة الاحتلال، فحزب الله نجح على مدار أكثر من عشر سنوات في بناء قوّة عسكرية قادرة على ضرب المصالح الحيوية والحياتية العسكرية لدولة الاحتلال، ومع ذلك حاول الاحتلال أن يتكيّف ويتعايش مع هذه القدرات، لكن التطوّرات الأخيرة سواء على الساحة السورية في هضبة الجولان أو قدرات حزب الله في لبنان، شكّلت ناقوس خطر حقيقي يُقلِق العدو الإسرائيلي.
نجحت إسرائيل إلى حد ما في الحد من تهديد صواريخ حزب الله التي تُنقَل عبر سوريا باستهداف قوافل الأسلحة بصورة مُتكرّرة، وحسب بعض التقديرات فقد نفّذ الطيران الإسرائيلي ما يُقارِب من ثلاثين غارة خلال الأعوام الماضية استهدفت أهدافاً ثابتة ومتحرّكة، وسعت بصورة حثيثة من خلال الدبلوماسية الهادئة والمحمومة السرّية والعلنية وبالتواصل مع الجانب الروسي إلى منع تواجد قواعد عسكرية في المناطق القريبة من حدود جبهة الجولان، ومُراعاة مصالحها.
نجحت إسرائيل في العمل التكتيكي وفرض خطوطه الحمر عبر منع نقل سلاح كاسِر للتوازن لحزب الله، وإنشاء قواعد عسكرية قريبة من الجولان، لكنها فشلت في البُعد الاستراتيجي فصَمْت محور المقاومة على الضربات المتواصلة تم تفسيره لحظياً على أنه ضعف، ولكن استراتيجية مُراكَمة القوّة التي تتّبعها المقاومة نجحت في فرض وقائع جديدة يسعى الاحتلال بكل السبل إلى تغييرها، بيْدَ أنه يُدرك بأن الثمن مُرتفِع.
منذ فترة من الزمن يتحدّث القادة الإسرائيليون عن قيام حزب الله وإيران ببناء مصانع أسلحة، هدفها القفز على الإجراءات الوقائية لسلاح الجو الصهيوني الذي عرقل نقل قوافل الصواريخ من سوريا إلى لبنان، ما يجعل الجبهة الشمالية الأكثر تهديداً للعدو الصهيوني، وهي حاضرة في الصحافة الإسرائيلية بصورة قوّية خلال هذه الأيام.
تُدرِك إسرائيل بأن مواجهة مصانع الأسلحة تتطلّب توجيه ضربة عسكرية محدودة للتخلّص من القدرات النوعية، لكنها في الوقت نفسه مازالت تعيش حالة من عدم القدرة على اتخاذ القرار النهائي، فالتنبؤ الاستخباري الإسرائيلي لم يستطع تقدير آليات رد حزب الله على مثل هذه الضربة، في الوقت الذي تدرك فيه الأوساط الإسرائيلية بأن أيّ رد فعل لحزب الله ستكون انعكاساته مُدمّرة على الجبهة الداخلية، وقد تفشل إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية.
صحيح أن طبول الحرب تُقرَع وأن الجبهة الشمالية هي الأكثر سخونة؛ لكن بتقديري مازال خيار المواجهة مع حزب الله غير حاضر خلال المرحلة الحالية، وستسعى إسرائيل بالضغط بالطُرق غير العسكرية، أما غزّة فبالرغم من الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع وقابلية الجبهة للانفجار، إلا أن المواجهة مع المقاومة بتقديري مازالت بعيدة، كما أن أغلب المناورات التي يقوم بها جيش الاحتلال هي مناورات دفاعية لصدّ أيّ هجوم برّي أو بحري.
حمزة أبو شنب