قدمت صحيفة الــ«لوموند»ً قراءة لما يسمى «الإسلاموفوبيا» عبر افتتاحيتها ومن خلال حوار مع مختصين في علم الاجتماع عبدالعال حجات وروان محمد.
يطرح الحوار والمقال الافتتاحي مشكلة التعاطي الغربي (الفرنسي) خصوصا مع قضية الاسلام استنادا الى خلفيات سياسية، وجيوسياسية تمثل اجماعاً وطنيا حول ” صورة الإسلام”.
كان مصطلح الإسلاموفوبيا منذ فترة طويلة محل خلاف وجدال، كما بدا مثل أداة نظيفة لإبطال أي انتقاد يطول الأصولية الإسلامية. لكن مع ذلك بدأ بعض المسؤولين السياسيين والمفكرين في تقبله، حيث أن أعلى هيئات الدولة أصبحت تعترف بالأعمال التي ارتكبت ضد أماكن العبادة أو ضد مواطنين مسلمين في فرنسا.
هذا الاعتراف مرحب به لأن تسمية المشكلة وتحديدها لا يمكن أن يؤديا إلا إلى حلها. وقد ساهمت بعض العوامل في هذا التطور، فتطرقت وسائل الإعلام للاعتداءات التي تتعرض لها نساء محجبات دون سبب سوى لأنهن يعبرن عن انتمائهن الديني بارتداء الحجاب، وأيضا عمل الجمعيات التي سلطت الضوء على الوقائع التي كانت تجري في صمت، او توصف بأنها «تمييز عنصري عادي» أو أيضا النشرة الإحصائية التي أصدرتها وزارة الداخلية، وتبين من خلالها الارتفاع المنتظم لعدد الشكاوى المرتبطة باعتداءات ضد مسلمين، سواء تعلق الأمر باعتداءات جسدية أو لفظية ضد أشخاص أو اعتداءات ضد أماكن العبادة أو أخيرا الإجماع على إدانة الانتهاك المتكرر لمقابر العسكريين أو المدنيين المسلمين.
لكن الملاحظة البسيطة لا تكفي. علينا أن نعرف أسباب هذه التوترات الجديدة التي تسيء للديانة الثانية في فرنسا.
دوافع الإسلاموفوبيا
دوافع الإسلاموفوبيا عديدة، وأبرزها مصادمة الدين، ورفض الاختلاف والقراءة الجيوسياسية للإسلام التي تقدمه في صورة المتطرف والإرهاب بالإضافة إلى المطالب المرتبطة بالدين والهوية وهي المطالب التي يعتبرها المجتمع الفرنسي مبالغا فيها…… لذلك من مسؤولية الجميع من مراقبين ومسؤولين سياسيين ومناضلين ضد الإسلاموفوبيا تبيان صحة هذه الأسباب ضمن السياق الفرنسي.
طيلة سنوات، دافعت منظمة التعاون الإسلامي في الأمم المتحدة عن فكرة تسجيل تشويه صورة الأديان في القانون الدولي، لكنها فشلت في ذلك، غير أن الفوضى والارتباك لا يزالان يسكنان العقول الأكثر تطرفا.
آخرون يرون أيضا في هذا الصراع، إرادة لدى بعض المسلمين، للتنافس مع اليهود بهدف التقليل من معاداة السامية. وأخيرا على الصعيد السياسي علينا أن ننتبه بشكل كبير للخطابات التي تقدم المسلمين والإسلام كــ” مشكلة”.
ووفق غالبية المراقبين، فان محاولة الخلط هذه، تعزز الانتقال إلى الفعل، وفي هذا السياق على السياسيين السهر على ألا يتم استخدام العلمانية التي يدافع عنها أقصى اليسار وأقصى اليمين، كأداة لتبرير الرفض الكامل للدين.
الحوار
يحلل المختصان في علم الاجتماع عبدالعالي حجات ومروان محمد «الإجماع الوطني الفرنسي حول الإسلام، وكونه “مشكلة”.
قدم المختصان في علم الاجتماع عبدالعالي حجات ومروان محمد في كتابهما ” إسلاموفوبيا: كيف تصنع النخبة الفرنسية المشكلة الإسلامية، تحليلات وافية عن الإسلاموفوبيا في فرنسا”.
فمفهوم الإسلاموفوبيا والأعمال المصاحبة له هي وفقهما نتيجة «إجماع وطني» حول فكرة إن الإسلام والمسلمين في فرنسا يشكلون مشكلة. لكن ما وراء هذا التحليل، تطرق الباحثان إلى «العيب» الذي يشوب المصطلح واستعماله كأداة، واعتراف النخبة المتوالي بالظاهرة.
تعريف ودوافع
- ما تعريفكم للإسلاموفوبيا وما دوافعها؟
– بالنسبة لنا الاسلاموفوبيا، ليست فقط أعمالا عنصرية وإنما ظاهرة اجتماعية عامة تهدف إلى تحجيم الآخر والاهتمام فقط بانتمائه الديني، وهي تقوم على الايديولوجية وأحكام مسبقة وأفعال. وعليه فهي أبعد من أن تكون عنصرية بسيطة، ولكنها نشأت من «مشكلة إسلامية» ساعدت في قيامها عوامل عدة.
في الوقت الحاضر، علينا أن نميز بين عدة تيارات. فهناك المعادون للإسلام، وهناك من يناضلون ضد الإسلام بوصفه «دينا خطرا»، والمعادون للتمييز على أساس الجنس والتمييز العنصري، لكن في النهاية كل هذه التيارات تلتقي حول نقطة واحدة هي الحكم المسبق على المسلم غير المعروف بهويات متعددة لأن الإسلام يلغي كل شيء.
في عام 1979 ألقت الثورة الإيرانية بظلالها على المسلمين في فرنسا، فبدأت تتكون نظرة جيوسياسية عنهم، سرعان ما تحولت بعد أحداث سبتمبر 2001 في نيويورك إلى حديث عن تواصل بين الإسلام والإسلاموية والإرهاب بشكل بعيد عن الواقع. واليوم من الواضح أن في ذهن البعض هناك علاقة بين اعتداءات نيروبي وجارتي التي ترتدي الخمار، وهذا هو لب الإسلاموفوبيا.
- ألا تغذي المطالب الدينية التي يصفها المجتمع الفرنسي بالمبالغ فيها، ألا تغذي الإسلاموفوبيا أيضا؟
– دورنا كباحثين في علم الاجتماع ليس الحكم على السلوك الديني، وإنما فهم أسباب التوترات في هذا الوسط أو تلك المؤسسة. ونحن نلاحظ بأن الممارسات الدينية لأبناء المهاجرين والتعددية الثقافية للمجتمع، التي نجمت عنها مطالب خاصة، تسبب مشكلة بالنسبة للبعض، الذين يعتقدون أن ممارسة الجيل الجديد للدين، هي فشل في الاندماج، بينما ما يتم في المجتمع من الناحية السوسيولوجية من قبل هؤلاء، أمر طبيعي وتحافظ عليه الأقليات مهما كانت الدولة، وهو ما يراه البعض أيضا إرادة سياسية لفرض قواعد ونظم جديدة على الآخرين.
________________
*ستيفاني لوبارس لوموند/ عن (القبس)