– قالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي «إذا كانت روسيا ستواصل التستر على إيران، فسوف تكون الولايات المتحدة وحلفاؤنا بحاجة إلى اتخاذ إجراء من تلقاء أنفسنا. إذا لم نحصل على إجراء في المجلس فسوف يتعيّن علينا عندئذ اتخاذ إجراءاتنا». جاء ذلك بعد التصويت على مشروع قرار غربي عربي لإدانة إيران باتهامها بالوقوف وراء تسليح أنصار الله في اليمن، خصوصاً بالصواريخ البالستية التي استهدفوا بها السعودية، ليصير السؤال ماذا ستفعل واشنطن تحت عنوان، «إذا لم نحصل على إجراء في المجلس علينا عندئذ اتخاذ إجراءاتنا»؟
– ينحصر الخيار الأميركي بين اثنين، سياسي من العيار الثقيل يتمثل بإعلان إلغاء الالتزام الأميركي بالاتفاق النووي مع إيران والعودة إلى نظام العقوبات الذي كان سائداً قبل الاتفاق ويطال المصرف المركزي الإيراني والمصارف العالمية التي تتعامل معه، خصوصاً الأوروبية والصينية، أو الذهاب للخيار العسكري الشامل أو الموضعي، والذي يمكن أن يتحوّل في لحظة غير مسيطر عليها مواجهة شاملة، أو كليهما معاً، لكن الأكيد أنّ الرهان على حشد سياسي ودبلوماسي وتعبئة إعلامية ونظام عقوبات لا يمسّ الاتفاق النووي هو دون مستوى التهديد الذي أطلقته هيلي ويجعل كلامها تافهاً ويظهرها سخيفة.
– في الخيار النووي يبدو واضحاً أنّ مشكلة واشنطن ليست مع إيران بل مع الصين وأوروبا، المتمسكتين بالاتفاق والرافضتين نظام العقوبات المرتبط بإلغاء الاتفاق والذي ستدفع شركاتهما الكبرى ثمن العودة إليه، بينما روسيا تقف مع إيران تحت عنوان أنّ إلغاء واشنطن للاتفاق يعني أنّ من حق إيران العودة لتخصيب اليورانيوم من حيث توقف عند التوقيع، وأنّ على الذين يعلنوا التمسك بالاتفاق ألا يخاطبوا إيران بدعوات العقلانية بل أن يفعلوا إحدى إثنتين، التصدي لواشنطن ومنعها من الإلغاء، أو رفض الالتزام بعقوباتها مهما كانت التبعات على المصارف الأوروبية والصينية. فهل باتت واشنطن التي تهرّبت من الإلغاء مرتين، قادرة أن تفعلها هذه المرة وتدخل حرباً مالية غير معلومة النتائج والأطراف، ويمكن لتداعياتها أن ترتب آثاراً على مكانة أميركا المالية سلباً بما يتخطى الأزمة مع إيران؟
– في الخيار العسكري لم يتغيّر شيء لصالح واشنطن منذ سنوات، وما دفعها ويدفعها لصرف النظر عن هذا الخيار يزداد ولا ينقص. فالقوات والمصالح الأميركية الموزّعة بين العراق وسورية والخليج (الفارسي) ومياه البحار والممرات المائية ستتحوّل أهدافاً سهلة لإيران وحلفائها، ونتائج العمل العسكري كما قال وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري ليس فيه ضمانات تحقيق نتائج حاسمة، مهما بلغت قدرته على إلحاق الأذى، خصوصاً لجهة ما قد يدفع إيران لتسريع إنتاج قنبلة نووية، كما سبق للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أن قال غداة توقيع الاتفاق النووي رداً على الدعوات العربية والإسرائيلية التي كشفها كيري من منبر ميونيخ للأمن قبل أيام.
– في مقال له قبل شهرين قال دنيس روس، أحد الدبلوماسيين السابقين الأميركيين لدى كيان الاحتلال والمبعوث الأميركي للسلام لسنوات، والباحث المخضرم في مراكز الدراسات الأميركية، إنّ الجواب المزدوج على سؤالين مهمّين حول السياسة الأميركية، تجاه دعم الأكراد في سورية حتى النهاية، وتجاه مواجهة إيران حتى النهاية، نجده في كيفية تصرف واشنطن مع انهيار حلم أكراد العراق بالانفصال تحت ضربات إيران، وتحت أعين القيادة الأميركية في البيت الأبيض والبنتاغون، وهم يتفرّجون، بينما كان الكيان الكردي أهمّ فرصة لأميركا للعمل ضدّ إيران وأهمّ علامة على جدية دعم استقلال الأكراد، ومَن تخلَّ عن كيان كردي في العراق لأنه لا يريد الحرب، فلن يفعل ذلك في سورية. ومن أضاع فرصة التقرب إلى مسافة صفر من إيران، كما يقول رئيس الأركان في جيش الاحتلال غادي أيزنكوت، لن يذهب إلى أبعد من الكلام والتصعيد السياسي.
– هل يعني ذلك أنّ كلام هيلي تافه وأنها سخيفة؟
ناصر قنديل