في الذكرى 42 ليوم الأرض في فلسطين، شهد هذا اليوم احتجاجات واسعة من الشعب الفلسطيني الذي نظّم مظاهرات سلمية هائلة جابت الضفة الغربية والقدس وغزة، كما شهد أيضاً قمعاً وحشيّاً وعنيفاً من قبل الكيان الصهيوني، فخلال اليومين الماضيين، قتلت الآلة العسكرية الصهيونية بدم بارد 16 متظاهراً (وهو عمل لم يسبق له مثيل منذ عام 2014) وأصابت المئات منهم في ظل صمت دولي وعربي.
وفي كل عام، يتظاهر الفلسطينيون الذين يعيشون في الضفة الغربية وغزة والقدس بذكرى استيلاء الصهاينة على آلاف الهكتارات من الأراضي الفلسطينية في الجليل في 30 مارس / آذار 1967. وينصبّ التركيز الرئيسي في هذه المسيرات على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى المدن والقرى التي طُردوا منها منذ تاريخ النكبة عام 1948. لكن احتجاجات الأمس كانت مختلفة إلى حد ما في طبيعتها، والسبب في ذلك يمكن ربطه في التطورات الأخيرة في المنطقة والتغيير في المعادلات الفلسطينية وخطة التطبيع العربية الإسرائيلية.
أثر نقل السفارة الأمريكية في تكثيف الاحتجاجات
بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته الجديدة لحل النزاع العربي "الإسرائيلي" حول فلسطين، والمعروفة باسم "صفقة القرن"، والتي على إثرها تم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، انتفض الفلسطينيون من جديد في وجه الصهاينة واشتعلت المواجهات بينهم أكثر من ذي قبل، حيث يمثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بنظرهم اعترافاً بسيادة "إسرائيل" على هذه المدينة المهمة والاستراتيجية، وبعبارة أخرى نهاية الجهود الماضية لتشكيل دولة فلسطينية مستقلة.
وعلى الرغم من أن قضية نقل السفارة كانت موضع خلاف واسع النطاق على المستويين العالمي والإقليمي، إلا أن تل أبيب حاولت تحقيق أقصى استفادة من الدعاية والمنافع السياسية في محاولة لبث اليأس وفقدان الأمل في قلوب الشعب الفلسطيني بشأن إحياء حقوقه. ومن أجل تحقيق ذلك، كشف الصهاينة عن علاقاتهم السرية مع بعض الدول العربية كالسعودية والإمارات والبحرين، معلنين عن بداية عصر جديد من العلاقات بين "إسرائيل" والعرب، حيث عملوا سوياً على زيادة الضغوط على الفلسطينيين عبر ممارسة الضغط على حركة فتح، وقطع المساعدات المالية لبعض وكالات الإغاثة الفلسطينية (الأونروا) وكذلك تعليق المساعدات المالية الأمريكية للسلطة الفلسطينية في محاولة للضغط على الفلسطينيين للقبول بالعرض الأمريكي، ولكن على الرغم من كل هذه الضغوط، إلا أن المظاهرات الضخمة للشعب الفلسطيني في يوم الأرض كانت رسالة واضحة مفادها أنهم سيبقون على عهدهم للقدس وفلسطين.
نهاية الوساطة الأمريكية
بعد اتفاقية كامب ديفيد، حاولت العديد من الحكومات الأمريكية دائماً تصوير نفسها كشخصية وسطية بين العرب والكيان الإسرائيلي. لكن نتيجة هذه السياسة لم تكن مرضية للشعب الفلسطيني حتى الآن، لأن الإسرائيليين استوطنوا كل الأرض ولم يبقَ للفلسطينيين سوى 15% منها، بالإضافة إلى التهجير القسري للفلسطينيين من ارضهم الذي أدى إلى إخراج أكثر من 66% منهم من فلسطين أي ما يقارب 6 ملايين فلسطيني منتشرون في أنحاء البلدان العربية، وأمام هذه الوقائع كانت واشنطن تقف دائماً إلى جانب تل أبيب. لذلك، كانت إحدى رسائل الشعب الفلسطيني في مظاهرات يوم أمس موجهة إلى أمريكا، وموجهة إلى الداخل الفلسطيني بأن أمريكا كانت ولا تزال تقف إلى جانب العدو ولم تقدم أي شيء للشعب الفلسطيني، وهذا ظهر جلياً يوم أمس بعد جلسة مجلس الأمن المخصصة للأوضاع في فلسطين، حيث لم يستطع مندوب أمريكا إخفاء موقف واشنطن الداعم لجريمة الجندي الصهيوني ضد الفلسطينيين.
رسالة إلى الدول العربية
في السنوات الأخيرة، استسلم العرب تماماً للعدو الصهيوني ونسوا القضية الفلسطينية، وعلى النقيض من ذلك أخذ بعضهم يغيرون مواقفهم تجاه إسرائيل باعتبارها صديقاً وليست عدواً، وهذا بدا واضحاً من مواقف السعودية تجاه قضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس حيث اكتفت بنقد شفهي، كما أنها لم تقم بأي إجراء عملي يمكن أن يساهم في توحيد الرأي العربي والإسلامي تجاه القضية الفلسطينية، بل على العكس تماماً ذهب ولي عهدها محمد بن سلمان إلى واشنطن ليلتقي سراً برئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، ليقول اليوم إن الإسرائيليين لديهم الحق في العيش على أرضهم.
ومن هذا المنطلق أظهرت الاحتجاجات الفلسطينية على مدى الأشهر القليلة الماضية، وخاصة احتجاجات اليومين الماضيين، أن المؤسسات والحركات الفلسطينية وصلت أخيراً إلى نتيجة مفادها أن الدول العربية وفي مقدمتها الدول التي وافقت على صفقة القرن لن تقدم ولن تأخر في المساعدة على حل قضيتهم، وأصبحوا على يقين بأنه يجب عليهم الاعتماد على أنفسهم لأنهم يمثلون خط الدفاع الأول عن القضية الفلسطينية والرهان مكتوب عليهم، وباستطاعتهم اغتنام الفرصة من جديد وتحويل التهديد إلى انتصار كما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في 8 ديسمبر 2017.
مستقبل الاحتجاجات الفلسطينية
من المتوقع أن تستمر المظاهرات، وستكون القاعدة الاجتماعية والسياسية لحركة المقاومة في فلسطين أقوى بكثير من ذي قبل لأن الشعب الفلسطيني يرى أن أراضيه في خطر، ولا يمكن مواجهة هذا الخطر بالوعود بتقديم مساعدات مالية أو بالتهديد بالتوقف عن تقديم المساعدة المالية، بل يجب على الشعب الفلسطيني أن يتوحد أكثر من ذي قبل وأن ينبذ الفرقة والتفرقة التي يحاول الصهيوني بثّها فيما بينهم، كمحاولة اغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمد الله المحسوب على حركة فتح، في غزة واتهام حماس بالعملية، لأنها الوحيدة القادرة اليوم على الوقوف أمام ما تقوم به الإدارة الأمريكية والصهيونية، وأمام ما يقوم به محمد بن سلمان من تطبيع علني مع العدو الصهيوني، كما أن استمرار هذه النهضة سيكتب لها النجاح وستكون أكبر انتصار يحققه الشعب الفلسطيني منذ النكبة عام 48 لأنها ستعيد تصويب بوصلة العرب نحو القدس وستعيد الصراع إلى سابق عهده صراع بين العرب و"إسرائيل" وليس كما يريده الغرب صراع فلسطيني "إسرائيلي"