بعد نحو اسبوع من التهديدات الأميركية والبريطانية والفرنسية، جاء الهجوم الثلاثي على سوريا كما هو متوقع، حيث لم يكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعلن عنه حتى سارع وزير دفاعه جميس ماتيس إلى تأكيد انتهائه، في مؤشر واضح إلى أن من يقف خلفه لا يريد التصعيد المفتوح منه، بل حفظ ماء الوجه بالدرجة الأولى، خصوصاً بعد أن أصبحت مصداقيته على المحك.
من حيث المبدأ، هذا الهجوم كان أشمل من ذلك الذي استهدف قاعدة الشعيرات قبل نحو عام، لكن من الناحية العسكرية كان الأخير أقوى، نظراً إلى أنه لم يكن متوقعاً، بينما ما حصل فجر اليوم كان العالم ينتظره، في وقت كانت السلطات السورية قد اتخذت الإجراءات اللازمة للحد من نتائجه.
انطلاقاً من هذا الواقع، يمكن الحديث عن 4 نقاط أساسية بعد هذا الهجوم، من أجل فهم حقيقة ما حصل:
أولاً: الهدف منه لم يكن عسكرياً، بل سياسياً وإعلامياً بالدرجة الأولى، بعد التطورات التي شهدتها الساحة السورية في الآونة الأخيرة، لا سيما لناحية إنهاء العمليات العسكرية في محيط العاصمة دمشق، مع خروج الجماعات المعارضة المسلحة من الغوطة الشرقية، حيث الجهات الدولية الداعمة لها أرادت أن تقول أنها لا تزال حاضرة في هذه الساحة.
ثانياً: التوازنات على الساحتين الإقليمية والدولية باتت واضحة على نحو لا يقبل الشك، في حين أن الولايات المتحدة وحلفاءها غير قادرين على قلب الطاولة، خشية الانتقال إلى المواجهة المفتوحة التي لا يمكن توقع نتائجها، فواشنطن أثبتت اليوم، أكثر من أي يوم مضى، أنها سلمت بالعودة الروسية إلى الساحة العالمية من البوابة السورية، وبأنها غير قادرة على تكرار السيناريو العراقي في العام 2003.
ثالثاً: التحالف الروسي-الإيراني-السوري يملك الكثير من نقاط القوة، التي دفعت الجانب الأميركي إلى التفكير ملياً قبل القيام بأي خطوة غير محسوبة النتائج، في ظل تواجده المكشوف على الساحتين السورية والعراقية معاً، وبالتالي لا يمكن له المجازفة بحياة الآلاف من الجنود الأميركيين المتواجدين هناك، بعد أن كان ترامب قد تحدث عن صواريخ "ذكية" و"قوية" و"جميلة".
رابعاً: يستطيع الجانب السوري، بعد إسقاط دفاعاته العسكرية قبل فترة قصيرة طائرة حربية إسرائيلية، أن يتباهى بقدرات تلك الدفاعات، التي أسقطت اليوم العديد من الصواريخ في الهجوم الثلاثي الجديد، في رسالة قد تكون تداعياتها أقوى من الهجوم نفسه، كما أنه من الناحية السياسية يستطيع القول أن هذا أقصى ما يمكن أن تقوم به القوى المعارضة له.
بناء على ذلك، تتوقع واشنطن، في هذه اللحظات، ألاّ تكون هناك أي ردة فعل على ما قامت به، بالشراكة مع لندن وباريس، لا سيما أنها لم تتجاوز الخطوط الحمراء، بل اكتفت بالقول أنها استهدفت المراكز العسكرية، التي تزعم أنها استخدمت في الهجمات الكيميائية، التي لم تنتظر نتائج التحقيقات بها ورفضت انتظار ما سيصدر عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في هذا الإطار.
وسط كل ذلك، يبقى السؤال المنطقي عن إمكانية الرد على هذا الهجوم الثلاثي في المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد الإشارات التي أرسلها المحور المقابل، في الأيام السابقة، بأن ما بعد توجيه أي ضربة عسكرية لن يكون كما قبله، فهل يعتبر أنه لا يستحق أي رد معاكس، لا سيما أنه لم يتجاوز الخطوط الحمراء، أم يذهب إلى تصعيد غير متوقع؟.
الاحتمال الأكبر هو أن هذا المحور غير راغب أيضاً في الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، لكنه في المقابل لن يتردد في تصعيد العمليات العسكرية ضد الجماعات المعارضة، التي يعتبرها الأداة الأساسية بيد القوى الإقليمية والدولية المعادية له، بالإضافة إلى فرض معادلات جديدة على مستوى أوسع.
في المحصلة، حجم الهجوم الثلاثي يؤكد أن المطلوب منه كان حفظ ماء وجه واشنطن وباريس ولندن معاً، لكن عملياً لا يمكن الرهان على نتائجه في توازن القوى الموجود اليوم على الساحة السورية، فهل يكون بداية النهاية للحرب المشتعلة منذ العام 2011؟.