تحت ذرائع إنسانية واهية شنّت أمريكا فجر اليوم عدواناً ثلاثياً على دمشق، أطلقت فيه طائرات وبوارج أمريكية فرنسية بريطانية ما يقارب مئة صاروخ استهدفت مواقع للجيش السوري الذي أخلاها احترازياً بعد التهديدات الأمريكية المتكررة بضرب سوريا، وكعادة الإدارات الأمريكية المتعاقبة وقبل شنّ أي عدوان على أي بلد عربي أو مناوئ ومعادٍ لها، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطابه بالحديث عن المجازر والقتل وعدم الأخلاق في استخدام السلاح الكيميائي في دوما وكأن بلاده راعية للأخلاق والقيم الإنسانية في العالم والموكلة بالاقتصاص من المجرمين.
إنه النفاق الأمريكي بحدّ ذاته الذي بدأ منذ قرون ويستمر وسيستمر إلى القادم من الأيام والسنين، وفي هذا المقال سنبرز حقيقة الأخلاق الأمريكية والإنسانية التي تعاطت فيها مع شعوب العالم في القرون والسنوات والأيام والساعات القليلة الماضية.
اولاً-إذا كان الأمر بسبب قتل الشعب فأمريكا مسؤولة عن قتل أغلب شعوب العالم، حيث أسفرت سياسة الإبادة الأمريكية أكبر جريمة في البشرية وخلال قرنين قتل 122 مليون هندي أحمر في سبيل تحقيق الحلم الأمريكي، هذا الحلم كان لا يمكن أن يكتمل إلا بشراء العبيد من إفريقيا، ففي عام 1978 أصدرت منظمة اليونسكو تقريراً يتحدث عن الكارثة الإنسانية التي حلّت بالدول الإفريقية جاء فيه إن إفريقيا فقدت من أبنائها في تجارة الرقيق نحو 210 ملايين نسمة من أجل بناء دولة أمريكا دولة الـ " المحبة والسلام".
ثانياً-وإن عدنا بالزمن قليلاً للوراء، نتذكر الفاجعة الكبيرة التي ارتكبها الأمريكيون ضد البشرية خلال الحرب العالمية الثانية في عام 1945، حين أمر جورج مارشال، رئيس الأركان الأمريكي آنذاك، بتنفيذ أكبر عملية قصف للمدن اليابانية، حيث ألقيت فيها القنابل الحارقة لتدمر ما مساحته 16 ميلاً مربعاً، ولتقتل في ساعات نحو 100 ألف شخص، ناهيك عن تشريد نحو مليون آخرين!
إلى أن أتى الدور على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين اللتين أظهرتا الوجه الحقيقي "الأخلاقي لأمريكا" حيث أقدم الأمريكيون على استعمال السلاح النووي، عندما أسقطوا قنبلتين فوقهما لتحصد أرواح مئات الألوف من المدنيين الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال.
ثالثاً-بين عامي 1950-1953 وقعت الحرب الكورية حيث كان الأمريكيون طرفاً فيها وارتكبوا مجازر شنيعة بحق الكوريين، وبعد عزلهم الحكومة الشعبية أغرقوا البلاد في حرب طاحنة أشاعت ناراً ودماراً وأسفرت عن مقتل أكثر من 600 ألف قتيل.
رابعاً-وبين عامي 1955 و1973 شنّ الأمريكيون حرباً على الفيتناميين وارتكبوا المجازر بحقهم وبلغ عدد القتلى فيها 3.6 ملايين قتيل، و6 ملايين جريح، و13 مليون لاجئ حسب التقرير الذي نشرته مجلة نيويورك تايمز في 8 نوفمبر عام 1997.
خامساً-العراق كان له نصيب الأسد من المجازر الأمريكية الأخلاقية، حيث لا يزال حتى اليوم يعاني جرّاء التدخل الأمريكي فيه منذ عام 1990 خلال الحرب الكويتية العراقية، حيث نشرت صحيفة الغارديان البريطانية في ديسمبر 1991، تقريراً نقلت فيه عن العقيد الأمريكي بانتوني مارينوم وهو يصف عمليات طمر العراقيين في الخنادق أحياء حيث قال إنه من المحتمل أن نكون قد قتلنا بهذه الطريقة آلاف الجنود… لقد رأيت العديد من أذرع العراقيين وهي تتململ تحت التراب وأذرعها ممسكة بالسلاح.
كلام مارينوم أكدت عليه مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة حين سئلت عن رأيها في مقتل أكثر من 500 ألف طفل عراقي بسبب الصواريخ الأمريكية فكان الجواب الأخلاقي الذي نطقت به أمريكا التالي: أنا أعتقد أن الخيار صعب للغاية، ولكن هل يستحقون ذلك أم لا، نعم... أنا أعتقد أنهم يستحقون ذلك.
سادساً-وإذا كان الأمر كيميائياً كما يقول الأمريكيون فلماذا لم يطرف لهم جفن عندما ارتكب صدام حسين مجازر مشابهة راح ضحيتها الآلاف خلال الحرب العراقية الإيرانية بين عامي 1980 و1988.
سابعاً-الجرائم اليومية التي تحصل بحق الشعب الفلسطيني من قبل الكيان الإسرائيلي المدعوم غربياً وأمريكياً، حيث يعد الفيتو الأمريكي من أهم وسائل الدعم السياسي الذي تقدمه للكيان الإسرائيلي، والذي بموجبه تمنع حتى الإدانة الشكلية للجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ومثالاً على ذلك ليس ببعيد يوم الأرض الذي ارتكب خلاله العدو الإسرائيلي جريمة بحق الفلسطينيين حين قتل بدم بارد أكثر من 20 فلسطينياً بالرصاص الحي، ليأتي الفيتو الأمريكي بعد هذه الجريمة ليقف خلف الجندي الإسرائيلي المجرم في مجلس الأمن.
ثامناً-وإذا كان الأمر بسبب قمع الحريات ودعم الإرهاب كما يدّعي أصحاب القرار في أمريكا أن كلّاً من روسيا وإيران تدعم الرئيس الأسد المنتخب شعبياً، فلماذا يدعمون السعوديةّ بالسلاح في حربها على اليمن، وهي المتهمة بدعم الإرهاب في العالم، فمن السعودية نشأت القاعدة، وكذلك بقية التنظيمات الإرهابية سواء في سوريا والعراق أم اليمن، وقد بدأ يتضح للغربيين يوماً تلو الآخر أن الرياض الشريك الأبرز لأمريكا في المنطقة، هي المصدّر الأساسي للإرهاب في الشرق الأوسط.
تاسعاً-يدّعون محاربة الإرهاب وهم من صنعوا الوهابية الفكر الأساسي لكل إرهابي في هذا العالم وهذا ما أتى في اعترافات ابن سلمان الأخيرة بدعم القاعدة في أفغانستان ضد روسيا بناءً على طلب أمريكا.
سناريوهات كثيرة ومشابهة تبرز الوجه الحقيقي لأمريكا، إلا أن اللافت في الأمر أن أغلب الادعاءات الأمريكية لا تستند إلى دليل بل دليلها الرئيسي الآلة الإعلامية العالمية التي تسيطر عليها، وهذا ما حدث في العراق بعد اتهام صدام بحيازة أسلحة دمار شامل، وهذا ما حدث ويحدث أيضاً في سوريا، وحتى في الاتفاق النووي، ظهر يوم أمس الكذب الأمريكي على لسان رئيس وكالة الاستخبارات المركزية حين قال إنه يعلم أن إيران لم تكن تسعى إلى السلاح النووي، فلماذا روّجت أمريكا إلى ذلك؟.
وأمام هذه الشواهد، لا يزال بعض من العرب يصدقون أن أمريكا راعية السلام والمدافعة عن الحريات في العالم، إلا أن الحقيقة أن أمريكا مستعدة للتحالف مع الشياطين من أجل تحقيق مصالحها القذرة، وتدوس كل القيم والأخلاق والديمقراطيات عندما تتعارض مع مصالحها، فهي لطالما وقفت ودعمت أحقر وأقذر الطواغيت على وجه الأرض، وعادت كل من يحاول أن ينهض بوطنه وشعبه، لأن الأشرار يحققون المصالح الأمريكية أكثر بكثير من الأخيار.