اختراق الموساد للسودان!

قيم هذا المقال
(0 صوت)
اختراق الموساد للسودان!

من جديد تتوتّر العلاقات بين مصر والسودان... هذه المرة وعلى مدار أسبوع كامل، هو الأسبوع الماضي، يتفاقم سوء العلاقات  وتتوتّر، وشائجها، ويأتي التوتّر هذه المرة ممثلاً في الفصل الجديد من فصول أزمة "سد النهضة" الذي نؤكد من الآن أنه سيكون أخطر مهدّد للأمن القومي المصري في عصر السيسي؛ يأتي هذا الفصل متمثلاً في ممالأة  حكومة السودان للنظام الحاكم في أثيوبيا؛ وعدم احترامهما معاً للدعوة الجديدة للاجتماع الثلاثي في القاهرة والتي كان موعدها الجمعة 20/4/2018؛ ولم ترد أو حتي تعتذر كل من أثيوبيا أوالسودان؛ على دعوة سامح شكري وزير خارجية مصر في تصرّف وصفه المراقبون بالجلافة والاستهانة بقيمة ومنزلة مصر مع سوء نيّة مُبيّت للانتقاص المؤكد من حقوقها المائية التي بدأت تتعرّض للخطر من جرّاء امتلاء خزانات سد النهضة، إنه تواطئ سوداني شديد الوضوح، هذا ويجمع المتابعون للملف على أن الموساد الإسرائيلي ليس بعيداً أيضاً عنه، سواء في أثيوبيا... أو السودان...

وهنا الخطر الذي بات يحتاج إلى دقّ للنواقيس مصرياً، بدلاً من دفن الرؤؤس في رمال حُسن النوايا والبلاهة السياسية التي نتعامع بها مع أزمة سد النهضة منذ ست سنوات مضت؛ وفي هذه الأزمة وغيرها من أزمات علاقة مصر بالسودان لا ينبغي لنا أن نستبعد الأدوار الخفية لإسرائيل وأدوارها غير المباشرة في اختراق كل من أثيوبيا والسودان..

ولنفتح ملف قضية الاختراق الإسرائيلي للسودان تحديداً لأن اختراقه لأثيوبيا بات تحصيل حاصل ومؤكّد، لنفتح ملف الموساد في السودان علي اتّساعه وعمقه التاريخي والراهن فماذا تقول الحقائق المرة ؟  

*بداية وعلى مدى الشهور الماضية، وردت أخبار  عن تقارب سوداني – إسرائيلي وعن تصريحات تحبّذ التطبيع مع الكيان الصهيوني ولا تري فيه خطراً أو عاراً، والأمر امتد من حكومة البشير في الخرطوم والتي لم يكفها تورّطها منذ ثلاث سنوات في مذابح وجرائم العدوان على اليمن، ومنها جريمة اغتصاب النساء في اليمن، خدمة للإمارات والسعودية... فتوسّعت في أدوارها المخالفة لعروبتها، لتدعو إلى التطبيع صراحة مع الكيان الصهيوني، ووصل أمر التطبيع إلى  المتمردين في دارفور، وأيضاً  تلك الدولة التي اقتطعت في الجنوب منذ 9/1/2011 وسُميت بـ"جمهورية جنوب السودان"، ولوحظ منذ شهور هروب أعداد من السودانيين من أبناء دارفور إلى الكيان الصهيوني عبر سيناء، واستطاعت أجهزة الأمن المصرية ضبط بعضهم، والبعض الآخر وصل بالفعل إلى تل أبيب. ويسعى الآن إلى إنهاء إجراءات حصوله على الجنسية الإسرائيلية، والسؤال هل الأمر تطبيعاً وعلاقات؟ (بالفعل يمثل مفاجأة)، أم أنه مرتّب جيداً ومنذ فترة؟ وهل هذا الهروب المتتالي للسودانيين نحو إسرائيل، له علاقة خفيّة بوجود إسرائيلي سرّي في المناطق التي أتوا منها وتحديداً من دارفور؟ وما هي  إن صحّ فعلً  جذور هذا الوجود ومخاطره؟

**تساؤلات حاولنا أن نبحث عن إجابة لها فوجدنا كماً هائلاً من المعلومات والأسرار الخطيرة لهذا الدور الإسرائيلي، وتحديداً للموساد، في تلك البلاد الفقيرة والتي يقال إن البترول قد بدأ يتفجّر منها. وأن هذا الوجود للموساد يرتبط بفكرة تطويق البلاد العربية وتحديداً مصر من الجنوب لاحتمالات حروب مستقبلية، وتصبح دارفور، بل وغالب دول جنوب الصحراء وعلى رأسها أثيوبيا وسد النهضة، ساحة كبرى لتصفية الخلافات والصراعات بين إسرائيل والعرب.

فنحن إذن، أمام مخطط أكبر من لاعبيه المحليين، سواء كانوا أهل دارفور أو أهل الحكم في الخرطوم، أو أولئك في الجنوب الذين يتقاتلون الآن على سلطة وثروة في بلد يعاني أهله معاناة شديدة! ولكي نفهم أبعاد هذ المخطط الإسرائيلي  جيداً، لا بد من التنقيب عن بعض المعلومات المفيدة في ملفه الغامض والخطر في آن واحد...

فماذا تقول تلك المعلومات؟، في البداية يحدّثنا التاريخ أن السودان كان من بين الدول المرشّحة لتوطين اليهود قبل فلسطين، فقد قدم اليهودي "واربورت"، الخبير بشؤون الفلاشا عام 1900م، اقتراحاً إلى اللورد "كرومر" في القاهرة بذلك.

***********

وقدّم يهودي آخر هو "أبراهام جلانت" نفس الاقتراح عام 1907م إلى رئيس المنظمة الإقليمية اليهودية وبالتالي، كان السودان محط اهتمام اليهود منذ أكثر من 100 عام، ولكنه تركز بشكل أكبر على الجنوب حيث الأرضية المُهيأة لتحقيق أطماعهم في السيطرة على منابع النيل والإيفاء بوعد إسرائيل الكبرى.

*وقد أدركت الحركة الشعبية لتحرير السودان ذلك جيداً، فتفانت في نسج خيوط التقارب والتعاون معها، وبدأت زيارات زعمائها تتكرّر إلى إسرائيل، واستطاعت إسرائيل أن تدرّب حوالي 20 ألف مقاتل متمرّد على حدود أوغندا الشمالية، وأن تقيم جسراً جوياً إلى مناطق التمرّد في مارس 1994، كما أنه توفد باستمرار خبراءها العسكريين إلى الجنوب، حتى بعد أن قاموا باغتيال جون قرنق رغم علاقاته التاريخية معهم، ولكنهم كانوا يريدون تدمير السودان وإدخاله في حروب وفتن.

***********                                                         

*إن أواصر هذا التعاون تتأكد بصورة أكبر حين نعلم أن من بين قادة التمرد "ديفيد بسيوني" اليهودي الأصل، والذي كان مرشّحاً لرئاسة حكومة الجنوب، التي أعلن عن تكوينها التمرّد في نيسان/ أبريل من العام 2001، بل إن متحف ما يسمّى زوراً وكذباً بمحرقة ضحايا النازية "الهولوكوست" أعلن في نيويورك تضامنه مع الجنوبيين المسيحيين وقال "إنهم يتعرّضون للإبادة الجماعية والتطهير العرقي"، وكون لجنة تعرف بـ"لجنة الضمير"، يرأسها اليهودي "جيري فاولر" لهذا الغرض، وأقامت اللجنة معرضاً ملحقاً بالمتحف يصوّر "مآسي حرب الجنوب"، كما يبذل اللوبي اليهودي مع اليمين الديني ضغطاً منظماً على الإدارة الأميركية ومجلس الشيوخ، لتبني مشروع حركة التمرد.

*وفي كتاب وثائقي صدر عام 2002 عن مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب للعميد في المخابرات الإسرائيلية "موشي فرجي" بعنوان "إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان"، يوضح الكاتب أن "بن غوريون" أسس الانطلاقة لفرضية رئيسية أقام عليها الإسرائيليون تعاونهم ودعمهم غير المحدود للأقليات العرقية والدينية في الوطن العربي.

وقد أصدر بن غوريون أوامره إلى أجهزة الأمن للاتصال بزعامات الأقليات في العراق والسودان وإقامة علاقات مختلفة معها، وقد سبق ذلك إيجاد محطات اتصال في كل من إثيوبيا، أوغندا، كينيا، زائير.

وكان القرار الإسرائيلي بدعم حركات التمرّد وكان جون جارنج صلة الوصل الرئيسية، حيث قُدم له الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي والإعلامي، وانتشرت شبكات الموساد في شمال العراق وجنوب السودان وجمعت المعلومات عن الأوضاع العامة في كل من الحيّزين الجغرافيين، ومعلومات خاصة عن قرنق الحاصل على درجة الماجستير من جامعة "إيفا" في الولايات المتحدة الأميركية.

وقد استمر هذا الدعم الإسرائيلي بكل أنواعه في ظل حكومات، من بيغين ورابين إلى نتنياهو 2018، كما أن ضباطاً من أصل إثيوبي يخدمون في الجيش "الإسرائيلي"، تولّوا مهمة تدريب الجيش الشعبي السوداني وتسليحه، ووُضعوا تحت تصرّف قرنق ومن تلاه من حّكام تلك الجمهورية الوليدة.

************

*ولم يقتصر الدور الإسرائيلي في الجنوب فقط، بل امتد أيضاً إلى دارفور، في هذا السياق نذكر جذور التدخّل استناداً إلى حقائق عدّة منها ما قاله د. مصطفى عثمان إسماعيل وزير خارجية السودان من (1998-2005) في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة عام 2004م، لبحث أزمة دارفور، حيث اتهم إسرائيل صراحة بلعب دور رئيس في تصعيد الأحداث في دارفور، حيث قال "إن المعلومات التي لدينا تؤكد ما تردّد في أجهزة الإعلام من وجود دعم إسرائيلي، وأن الأيام القادمة ستكشف عن الكثير من الاتصالات الإسرائيلية مع المتمردين.

بل إن وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة "تسيبي ليفني"، أعلنت بتبجّح في 24/05/2006 م إن حكومتها ستساعد في إيجاد حل للأزمة في اقليم دارفور السوداني، وذلك خلال لقاء جمعها مع عدد من السفراء الأفارقة في تل أبيب حيث ناقشت معهم الأزمة في الإقليم..

ولم تكن الاتهامات لإسرائيل سودانية فقط، فقد كشفت أجهزة الأمن الأردنية عن وجود إثنين من مهرّبي الأسلحة يحملون جوازات سفر إسرائيلية، تبيّن من التحقيقات التي تمت معهما تورّطهما في تهريب أسلحة لمتمرّدي دارفور، وأن من بين المتهمين رجل يعمل بصورة مباشرة مع "داني ياتوم" الإبن الأصغر لمدير الموساد السابق، وهو الذي أدلى بمعلومات مؤكّدة تفيد بتورّطه و"شيمون ناور"، وهو صاحب شركة استيراد وتصدير إسرائيلية، في تهريب أسلحة لإقليم دارفور.

 *********

إن الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي من وراء ذلك الدعم لمتمرّدي دارفور، كما كانت الحال مع متمرّدي الجنوب ولحُكام إثيوبيا وضلوعهم في مخطط سد النهضة، هو انفصال دارفور أولاً، ثم تفتيت السودان وغيره من دول القارة الإفريقية التي تمثل مجتمعة العمق الاستراتيجي لمصر التي لاتريدها إسرائيل قوية مستقرة مكتفية مائياً واقتصادياً، بغضّ النظر عمن يحكمها.

إن الاختراق الإسرائيلي للسودان، جنوبه وشماله شرقه وغربه، بات واضحاً وجلياً، الحقائق بشأنه تترى، وهي تحتاج إلى مواجهة عربية جادة، وإلى قطع الطريق أمام دعوات التطبيع التي تتزايد، والتي يقودها الموساد ويغذّيها، خاصة مع حكومات عربية وإفريقية، ليس فحسب فاقدة للشرعية، بل للحسّ العروبي والإنساني النبيل.

 رفعت سیداحمد

قراءة 1112 مرة