تواجه جماعة الإخوان المسلمين في الأردن هجوماً حاداً منذ خسارتها، وللمرة الأولى منذ ربع قرن، منصب نقيب المهندسين ونائبه، في انتخابات جرت يوم الجمعة الماضي.
لم يلتفت منتقدو الجماعة إلى سيطرتها على نقابات مهنية عديدة، كالممرضين والأطباء والمهندسين الزراعيين وغيرها، واعتبروا ما حدث في انتخابات ديموقراطية بمثابة "انكسار وهزيمة".
كثير من المراقبين يعتبرون أن الجماعة، ورغم المرحلة العصيبة التي مرت به إبان ثورات الربيع العربي (بدأت أواخر 2010)، من انقسامات وتضييق، ما زالت الأكثر تأثيرا على المستوى الشعبي.
وشهدت الجماعة انشقاق بعض منتسبيها أثناء فترة الربيع العربي، تمخض عنه تشكيل جمعية باسم "جمعية الإخوان المسلمين"، أسسها المراقب العام الأسبق للجماعة، عبد المجيد ذنيبات.
ورأت الجماعة في ذلك "انقلابًا" على شرعيتها، خاصة بعدما منحت الحكومة الأردنية، ممثلة في وزارة التنمية الاجتماعية، الجمعية الجديدة ترخيصًا في مارس/ آذار 2015.
** الجماعة بخير
محمد الزيود، الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي للجماعة)، وصف نتيجة انتخابات نقابة المهندسين بـ"الأمر العادي.. لكن التهويل الذي جرى في توصيف الحالة كان كثيرا جداً، ووصفت بأنها معركة".
واستشهد الزيودبانتخابات نقابة الممرضين التي جرت قبل نحو شهر، قائلا إن "الحركة الإسلامية عادت فيها بعد أربع دورات، ولم يتم الحديث بكلمة واحدة عن انحسار الأطراف الأخرى".
وتساءل الزيود: "لماذا يتم الحديث والتهويل في ظل تحالف جميع القوى والأحزاب ودعم كبير من أجهزة الدولة وتحشيد كبير، رغم أن الحجم الأكبر في نقابة المهندسين هم من أتباع هذه الجماعة (الإخوان) وحلفائها، سواء في الفروع أو مجالس الشعب أو الكوادر الاخرى".
وأجاب عن تساؤله بأن "هذا الفوز فيه تهويل يخرج عن طبيعة الأشياء التي نتعاطى معها في الحياة السياسية اليومية".
وعن دورهم في الحياة السياسية، قال الزيود إن "كتلة الإصلاح النيابية (يقودها الإسلاميون) تتكون من 14 نائبا من أصل 130، وهي نسبة ضئيلة لن تتمكن من إحداث التغيير المطلوب".
واستطرد: "يوجد استهداف وإقصاء حكومي للكتلة.. لو سألت أي منصف سيقول إن الكتلة الوحيدة ذات البرنامج والرؤى والتأثير هي كتلة الإصلاح النيابية.. لكن رغم كل الظروف ننحاز لشعبنا".
وتابع: "للأمانة حتى نكون منصفين، وخاصة في السنوات العشر الماضية، كانت المعادلة صعبة في التعاطي مع الواقع السياسي بالأردن، ليس على صعيد الإخوان فقط، وإنما على جميع الأحزاب الموجودة، ولو سألت أي حزب سيقول لك ليس هناك سوى العمل الإسلامي".
وأردف الزيود: "أثر الحركة الإسلامية في المجتمع لا زال إيجابيا ومؤثرا، ويعتقدون (أفراد المجتمع) بصوابية الحركة الإسلامية، ولكن في ظل الضغوطات التي تمارسها الدولة وأجهزتها، فإن الحركة في حالة معافاة، وأنا راضٍ عن النتائج".
وأضاف: "منذ اليوم الأول الذي جئت به أميناً، عاماً عام 2014، قلنا إنه يجب على الحكومة أن تبتعد عن توجساتها ومخاوفها من الحركة الإسلامية التي تعمل لصالح الأردن، نحن نتقدم خمس خطوات في وقت لم تتقدم فيه الحكومة خطوة واحدة إلى الأمام".
واختتم الزيود بالتشديد على "الجماعة بخير ومعافاة، رغم كل الضغوط ومحاولات الإقصاء، وتضييق الحكومة الممنهج.. الجماعة تنظر في المستقبل إلى مشاركة سياسية أوسع، وسنبقى في خدمة الوطن".
** "قطيعة" مع النظام
"المنطقة العربية كلها تمور، والتغيرات طالت بعض الأنظمة والدول، ولن تكون بمعزل عن الاتجاهات السياسية القائمة، وما جرى مع الجماعة جرى مع اتجاهات سياسية سابقة"، وفق القيادي الإسلامي، أمين عام حزب "المؤتمر الوطني" (زمزم/ أحد انقسامات الجماعة)، إرحيل الغرايبة.
ومضى الغرايبة قائلا للأناضول إن "الاتجاهات الإسلامية ليست بمعزل عن التغيرات التي طرأت، وإذا لم يكن الإسلاميون قادرون على قراءة المشهد، فسيصيبهم ما أصاب من سبقهم".
وأردف: "أنظر إلى هذه المسالة من باب التغير الكبير، الذي طال المنطقة على مستوى الشعوب والأنظمة السياسية والدول بلا استثناء، والإخوان جزء من هذه المجتمعات، ومن الطبيعي أن تصاب بتراجع وبعض الانكسارات".
وحذر من أنه "إذا لم تقرأ الجماعة المشهد بصورة جيدة فإن التاريخ سيطويها، كما طوى قوى سياسية سابقة.. أثرهم في الحياة السياسة تراجع كثيراً، سواء على المستوى البرلماني أو النقابي أو الاجتماعي".
وتطرق الغرايبة إلى نتيجة انتخابات نقابة المهندسين الأخيرة، معتبرا أنها "تراجع مؤكد (للجماعة) لا يحتاج لمزيد من التدليل على الصعيد النقابي".
وعن دور كتلة الإصلاح النيابية، التي يقودها الإسلاميون، رأى أنها "ذات دور غير مشهود وغير مؤثر".
واعتبر الغرايبة أن "نهج الجماعة كحزب سياسي ينافس على السلطة والمكتسبات السياسية، أضعف وجودها في العصر الحاضر...أعتقد بتضاؤل الحركة الإسلامية في العصر الحاضر أردنيا وعربيا؛ لأنهم لم يستطيعوا نقل تجربتهم إلى أهداف أكثر شعبية".
وعلى صعيد تواصلها مع النظام الأردني، رأى أن الجماعة "لم تستطع أن تحقق تواصلا جيدا مع الدولة ورأس النظام، وقد أخفقت، ولم تقرأ المشهد، ولم تنجح في إيجاد قنوات سياسية، مما أوجد قطيعة مع النظام".
وشدد الغرابية على أن "الحركة الإسلامية إذا ما بقيت مصرة على ثوبها القديم وطرقها وقراءاتها القديمة فبالتأكيد تسير نحو الاندثار".
** الأكثر حضوراً وتأثيراً
على النقيض مما قاله الغرايبة، شدد الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، على أن "الجماعة لا تزال تمثل شريحة واسعة في الأردن وهي متماسكة، وما تزال قوية وفاعلة".
وأضاف أبو هنية للأناضول أن "الانتخابات أمر ديموقراطي يتقدم طرف ويتراجع آخر، وهذا لا يعني تراجعا، وهذا ليس معيارا يقاس عليه".
وتابع: "لا شك أن ما أعقب مرحلة الربيع العربي أدى إلى تداعيات كثيرة على الجماعة".
وتابع: "لكن الأردن لم يتبن نهج الاندماج كما هو حال الجماعة في تونس والمغرب، ولا الاستبعاد كالنموذج الاماراتي المصري، وإنما حاول (النظام) دعم ما يسميهم بالمعتدلين واستبعاد المتطرفين".
وأدت هذه الديناميكية، وفق الخبير الأردني، إلى "خلافات كانت تدبر في الجماعة، وفي النهاية حدثت انشقاقات، وعدد الخارجين على الصعيد الكمي لم يكن كبيرا، وبقيت الجماعة متماسكة وهي في ترقب".
وأوضح ما يقصده بالتراقب قائلا إنه "توجد مقاربة للتعامل مع الجماعة بشكل واضح وإدماجها، وهناك بعض الرسائل، ولكن لا إدماج كاملا".
واستطرد أبو هنية: "لا يوجد من طرف الحكومة نية لتصنيف الجماعة إرهابية أو استبعادها بالكامل، ولا نية للإدماج، ولكن ربما يحدث الإدماج في المستقبل إذا تغيرت الظروف والأحوال، ولكن تبقى الجماعة هي الأكبر والأقوى في الشارع الأردني، رغم كل ما حدث سواء على صعيد أزمتها الداخلية أو مع الحكومة".
وبشأن مستوى تواصلها بالنظام والحكومة، وصف أبو هنية ذلك بأنه "أقرب إلى الملف الأمني، وبالتالي هناك تغير في العلاقة بين النظام والإخوان، ولكن هي في السابق كانت دائماً ليست علاقة شراكة ولا استبعاد".