يعدّ الأمن بالنسبة لأي طرف دولي أمراً مهمّاً وحسّاساً للغايةً، حيث تقوم الدول والكيانات بوضع نظريات وخطط عديدة وتبذل الغالي والرخيص في سبيل الوصول إلى هذا الهدف، ومن بين هذه الكيانات "إسرائيل" التي قامت نظريتها على أساس أنه لن يكون هناك مكان آمن بالنسبة لليهود في العالم سوى من خلال قيام كيان خاص بهم يكون ملجأ لهم، يحميهم جيش قوي متفوّق على جميع الجيوش التي من حوله، وفي سبيل تحقيق ذلك دأب الكيان الإسرائيلي منذ نشأته عام 1948 على توظيف جميع الإمكانات السياسية والاقتصادية والعسكرية لتعزيز أمنه الداخلي والإقليمي، إلى درجة يمكن القول معها بأن جميع الإجراءات التي اتخذها ويتخذها هذا الكيان في شتى المجالات إنما تهدف في الحقيقة إلى بلوغ هذا الهدف.
في الأدبيات العسكرية للكيان الإسرائيلي هناك ثلاثة مستويات من التهديدات الأمنية، ويرتبط المستوى الأول بالأوضاع الداخلية الفلسطينية، حيث تسعى الجماعات الفلسطينية المقاومة إلى استغلال هذه الأوضاع للتأثير على الأمن الداخلي الإسرائيلي، والمستوى الثاني يرتبط بدول الجوار، لبنان، سوريا، الأردن ومصر، أما المستوى الثالث فهو مرتبط باللاعبين الإقليميين البعيدين جغرافياً مثل إيران، السعودية والعراق.
وعلى الرغم من أن القدرات الصاروخية لبعض الأطراف جعلت من الأثر الجغرافي على الكيان الإسرائيلي أقل ضرراً، إلا أنّ الموقع الجيوسياسي لهذا الكيان لا يزال يشكّل الخطر الأكبر عليه، وبعبارة أخرى، إنّ توجيه أي ضربة لهذا الكيان عن طريق الدول المجاورة باقتحام حدوده سيكون له ضرر أكبر من الصواريخ العابرة.
المستوى الأول: الداخل
في هذا المستوى، تعتبر المقاومة الفلسطينية الجهة الفاعلة الرئيسية التي من الممكن أن تشكّل خطراً كبيراً على الأمن الداخلي الإسرائيلي، ويمكن القول إنّ التطور العسكري والثبات السياسي الذي شهدته حركة حماس خلال السنوات الأخيرة أدّى إلى خلق خوف عند الإسرائيلي من هذا التطور الملموس والخطير.
المقاوم والأسير يحيى السنوار، مسؤول مكتب حركة حماس في قطاع غزة، ينظر إليه في الكيان الإسرائيلي على أنه يقود خطاً موالياً لإيران. حيث يقول باحثون إن انتخاب السنوار وأنصاره يرمز للتغيير الذي طرأ على مزاج كتلة ناخبي حماس وانتصار المعسكر الذي يعارض الجهود التي قادها إسماعيل هنية وموسى أبو مرزوق وخالد مشعل.
إضافة إلى ذلك، شكّل تزايد المسيرات التي يطالب من خلالها الفلسطينيون بـ "حقهم في العودة" والتي بدأت منذ مناسبة يوم الأرض في قطاع غزة وتستمر حتى يومنا هذا، إلى زيادة التهديدات الأمنية الداخلية للكيان الإسرائيلي، حيث تتميز هذه المسيرات بعدة ميزات من بينها:
1- لقد سلّطت الضوء مجدداً على القضية الفلسطينية.
2- ردود أفعال مناوئة للكيان الإسرائيلي إثر القمع الذي قام به ضد المتظاهرين والذي أدّى إلى استشهاد العشرات.
3-إظهار نموذج المقاومة المدنية غير المسلحة.
4- إظهار الوجه الحقيقي للعدو الإسرائيلي المجرم.
المستوى الثاني
في المستوى الثاني، نقصد هنا البلدان المجاورة بشكل مباشر للكيان الإسرائيلي، حيث لسنوات عديدة، سارت الأردن ومصر جنباً إلى جنب مع العدو الإسرائيلي، إنّ الأردن، هو واحدة من أهم الحلفاء لأمريكا، وهي ملتزمة بتأمين حدود الكيان الإسرائيلي، ولا يمكن القول في الوضع الراهن أن عمان تلعب دوراً مهماً ضد الكيان الإسرائيلي، الوضع المصري مشابه للوضع الأردني، فبعد توقيعها لمعاهدة كامب ديفيد عام 1978 مع الكيان الإسرائيلي لم تقم مصر بأي مقاومة تذكر لهذا الكيان بل عملت معه ضد المقاومة وأغلقت الحدود على قطاع غزة، أما الدول الأكثر تحوّلاً والتي بدأ الإسرائيلي يحسب لها ألف حساب هي سوريا ولبنان، حيث شهدت سوريا في الأشهر القليلة الماضية تفعيل جبهة الجولان السوري مع الكيان الإسرائيلي الأمر الذي شكّل تحدياً جديداً وغير مسبوق، حيث تدرك "إسرائيل" خطورة الأمر خاصة إذا تم وصل جبهة الجولان مع الجبهة اللبنانية، وهي تسارع اليوم إلى إعادة الاستقرار إلى هذه المنطقة عبر التوسط عند الروسي.
أما في لبنان، فحزب الله موجود، العدو الرئيسي للكيان الإسرائيلي، وبعد دخوله على خط الأزمة السورية بطلب من الحكومة السورية، يعتبر الإسرائيلي أن حزب الله قد اكتسب خبرة كبيرة في حرب الشوارع داخل المدن الكبيرة، كما يقول إن الحزب قد درس عدة سيناريوهات مشابهة لاقتحامه مناطق الجليل الأعلى في فلسطين المحتلة بأعداد كبيرة وطبّقها على بعض الأراضي السورية ضد الإرهابيين وهذا من شأنه أن يشكّل تحدياً جديداً للقيادة الإسرائيلية التي لم تختبر هكذا نوع من الحروب حتى يومنا هذا.
المستوى الثالث
تعتبر إيران من أبرز البلدان التي تقع ضمن المستوى الثالث لخطر الدول البعيدة، كان يعتقد "الإسرائيليون" أنّ صواريخ إيران البعيدة لربما تشكّل خطراً على الكيان الإسرائيلي، إلا أنّ هذا الخطر لن يكون مثل خطر دول المستوى الثاني أي لبنان وسوريا، لكن دخول إيران على الخط السوري، وحضورها القوي في محاربة الإرهاب في كل من العراق وسوريا غيّر المفاهيم الإسرائيلية إلى التالي، إن إيران أصبحت على الحدود، وإيران دولة قوية ليست كالدول المجاورة، فهذا يعني أن إيران أصبحت الخطر الأكبر على "إسرائيل" من خلال وجودها في سوريا.
ختاماً، إن جميع التهديدات الأمنية الثلاثة التي رسمتها "إسرائيل" لنفسها، تشهد اليوم عمليات وتدابير مضادة لهذا الكيان، ولقد فهم القادة الصهاينة هذه التحولات وهم يحاولون التغلّب عليها بطرق ملتوية، من ناحية أخرى نجح محور المقاومة في تحويل التهديدات التي حدثت بعد الأزمة السورية إلى فرصة مهمة استطاع من خلالها خلق موازين جديدة رادعة للكيان الإسرائيلي في المنطقة.