مع دخول الأزمة الخليجية عامها الثاني، ليس ثمة ما يشير إلى احتمالات امتثال دولة قطر لبعض أو جميع المطالب الـ 13 التي تقدمت بها دول المقاطعة الرباعية لإنهاء الأزمة وعودة العلاقات في المدى المنظور.
ويبدو أن طرفي الأزمة قد تأقلما على مجرياتها ولم تعد تأخذ أولوية سياساتهما الخارجية.
كما أبدت الولايات المتحدة عدم جدية واضحة في حل الأزمة الخليجية مع امتلاكها ما يكفي من أوراق الضغط على طرفي الأزمة.
وأوضح دخول الأزمة عامها الثاني، بشكل ما، اتجاها قطريا للانسلاخ عن نفوذ الولايات المتحدة والاتجاه نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع دول تنافس الولايات المتحدة على النفوذ والمكاسب في دول مجلس التعاون لدول الخليج الفارسی، مثل إيران وتركيا وروسيا والصين.
وتفضل الولايات المتحدة التوصل إلى حل سريع للأزمة الخليجية، وقد سبق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن أجّل قمة أمريكية خليجية كان مقررا انعقادها في منتجع كامب ديفيد في أيار / مايو 2018 إلى سبتمبر / أيلول المقبل تضم قادة الدول الست.
وقبيل تأجيل قمة مايو / أيار، كانت الإدارة الأمريكية قد أرسلت مبعوثين إلى الدول الخليجية لحثهم على التوصل إلى حل للأزمة، على أن يكون انعقاد القمة بعد التوصل إلى حل بهدف التفرغ لقضايا مثل دعم هذه الدول للولايات المتحدة، لكن عدم التوصل إلى حلول دفع الإدارة الأمريكية إلى تأجيل القمة حتى سبتمبر / أيلول المقبل.
وفي اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 20 مارس / آذار الماضي بالبيت الأبيض، تناقلت وسائل إعلام تقارير منسوبة إلى مسؤول بارز في البيت الأبيض، أفادت بممارسة ترامب ضغوطا على ابن سلمان للتصالح مع قطر والخروج من الأزمة.
ومع ذلك، من المتوقع أن تستمر الأزمة دون حل حتى موعد القمة الأمريكية الخليجية، كما من المتوقع أيضا، أن هذه القمة ـ حتى في حال عقدها ـ لن تساهم بحل الأزمة، إلا أنها يمكن أن ترسم الخطوة الأولى لمسار تفاوضي بين طرفي الأزمة برعاية واشنطن.
وتعمل الوساطة الكويتية (الرسمية) بخط موازٍ لجهود الولايات المتحدة في إيجاد حلول بجهد مكثف بعد تعيين وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو.
وبادر بومبيو بحث الأزمة هاتفيا مع نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في 16 مايو / أيار، ناقلا له رغبة ترامب تخفيف حدة الأزمة الخليجية تمهيدا لحلها بشكل نهائي.
وترى واشنطن أن استمرار الأزمة لا يخدم الجهود التي تبذلها مع دول حليفة لها في المنطقة، السعودية وإسرائيل،
وواصلت دولة الكويت جهود الوساطة سواء من خلال أمير الدولة صباح الأحمد الصباح أو مسؤوليها الذين ينقلون رسائل لقادة الدول المعنية بالأزمة، أو خلف الكواليس دون إعلان رسمي.
لكن هذه الجهود طوال عام كامل لم تسفر عن نتائج ملموسة أو إحداث تغير في مواقف طرفي الأزمة المتمسكين بمواقفهما المعلنة بداية الأزمة.
ولا تبدو الوساطة الكويتية مهمة سهلة، كما أنها لم تحقق أي تقدم، وفقا لما صدر عن السفير الكويتي في بريطانيا خالد الدويسان، في منتدى أكسفورد السنوي ببريطانيا في 12 أيار / مايو 2018.
وأرجع السفير الكويتي زيادة الأمر سوءا للحملات الإعلامية المتبادلة، لكنه شدد على وجوب حل الأزمة عن طريق المفاوضات مع استمرار الجهود الكويتية للتوصل إلى تسوية تحفظ ماء الوجه لطرفي الأزمة لإعادة العلاقات إلى طبيعتها.
ومن المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة، بعد دخول الأزمة عامها الثاني، بالعمل وفق استراتيجية أفصحت عنها سياساتها ومواقفها "المتذبذبة" طوال عام في إجادة إدارة الأزمة وليس حلها.
وهي سياسة تخدم إلى حد ما سياسات الولايات المتحدة في ابتزاز الدول الخليجية وإعادة تدوير مواردها الطبيعية وثرواتها لجني المزيد من الأرباح للشركات الكبرى ووزارة الخزانة الأمريكية.
لكن الولايات المتحدة ترغب في تخفيف حدة الخلاف البيني الخليجي ثم حله بشكل نهائي انطلاقا من رؤية لها، تتمثل في أن مثل هذه الخلافات تصب في خدمة إيران.
ومع ذلك، لم تعد الأزمة الخليجية تحظى بأولوية في السياسات الخارجية الأمريكية بعد تبني واشنطن استراتيجية ركزت على التصدي للنفوذ الإيراني وتهديدات المزعومه لایران للدول الحليفة .
كما أن الأزمة تراجعت في أولويات دول المقاطعة الرباعية، التي هي الأخرى باتت تركز على النفوذ الإيراني، مع أولوية متأخرة للأزمة التي تصر على أن يكون حلها ضمن إطار جهود الوساطة الكويتية.
كما أن المصالح الأمريكية لم تعد تتناسب على المدى البعيد مع استمرار الأزمة الخليجية التي أفرزت ما يشبه محورا رباعيا منافسا لها، على الأقل في الجانب الاقتصادي، يتشكل من تركيا وإيران وروسيا والصين.
تتذمر دول المقاطعة الرباعية من الحراك الدبلوماسي القطري في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتوضيح رؤيته للحل من جهة، وإيجاد حل سياسي على أساس الحوار المباشر عبر وساطة الولايات المتحدة مع دول المقاطعة الرباعية.
وفي المقابل، ترى دول المقاطعة أن قطر تسببت في إطالة أمد الأزمة من خلال عرضها على الحلفاء الغربيين بدلا من حلها داخليا من خلال الوساطة الكويتية داخل البيت الخليجي.
ووفقا لتصريحات أدلى بها وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد في 27 مايو / أيار الماضي، فليس ثمة "معطيات تشير إلى حل قريب للخلاف الدبلوماسي بين قطر وجيرانها الخليجيين، وليس هناك أي بارقة أمل للحل الآن".
وأشار إلى توقعات دول المقاطعة الرباعية "منذ بداية الأزمة بتوجه أمير قطر إلى السعودية، لكن هذا لم يحدث".
لكن نظيره الإماراتي وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، يرى أن "قطر لم تتعامل بحكمة مع مطالب" دول المقاطعة الرباعية الـ 13، وربما يؤدي، بحسب اعتقاده، "مرور عام من المقاطعة إلى ظهور فكر جديد ونهج أكثر حكمة من الدوحة".
وشدد على أن "أزمة قطر باتت واقعا يسهل التعايش معه بسبب سياسة الدوحة وتغييبها للحكمة".
وتبدو دولة الكويت الأكثر تفاؤلا من غيرها في أن تجد الأزمة الخليجية حلا في إطار البيت الخليجي مهما طالت مدتها.
وتعول الكويت بحسب نائب وزير خارجيتها خالد الجار الله على "حكمة قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج الفارسی، وحرصهم على نجاحه كمبادرة حققت العديد من الإنجازات لأكثر من ثلاثة عقود"، مع الإصرار على عدم "توقف الوساطة الكويتية".