تحوّلت عواصم الأعراب الرجعيين إلى مراكز للمخابرات البريطانية والأميركية للإطاحة بحكومة مصدق والتحريض عليها، ولم يكن مصدق من حزب الملالي، بل كان أقرب إلى العلمانية السياسية، ومن المؤسف أن تجربته سقطت بانقلابٍ عسكري 1953 أعاد الشاه الهارِب وحظيَ بدعم القوى الرجعية العربية التي كانت تنتظر عودة الشاه لتحرير الأطلسي الجنوبي، كما أخذ لاحقاً إسم حلف بغداد – أنقرة.
شهد الشرقان، العربي والأوسط مجموعة من الحروب والأزمات والتغييرات، استهدفت ولاتزال الحواضر الأساسية التي تهدِّد أو تنافِس العدو الصهيوني ومنظومة المصالح الأميركية والأطلسية المُرتبطة بالعدو ومصيره.
ففي حال الشرق العربي، كانت حواضر الأمّة (القاهرة – دمشق – بغداد) هدفاً دائماً للتحالف الأميركي – الأوروبي – الصهيوني وامتداداته من الأعراب، النفطيين وغير النفطيين، وتمكَّن التحالف المذكور من إخراج القاهرة ثم احتلال بغداد، فيما كان الفشل مصيره أمام القلعة السورية.
وفي حال إيران وتركيا، تحوَّلت إيران بعد إسقاط الشاه إلى هدفٍ دائم ٍلهذا التحالف وقد تصبح تركيا هدفاً لاحقاً أيضاً في ضوء تجارب سابقة لعواصم اقليمية انضمَّت إلى التحالف المذكور، قبل أن يرتدّ عليها كما حدث مع العراق.
ذلك أن التحالف الصهيوني – الإمبريالي – الأطلسي، لا يقبل أية شراكة من أحد مهما قدَّم له من خدمات، فالمطلوب قوى مُلحَقة لاتمتلك قرارها وسيادتها.
في ضوء ما سبق، أطلق التحالف المذكور حرباً دولية واقليمية ضد إيران بعد سقوط الشاه وبعد أن جرى إيهام صدّام حسين أنه بإمكانه أخذ دور الشاه السابق في توفير الأمن لمحميّات النفط والغاز الخليجية، وقد انتهت تلك الحرب باستنزاف الطرفين في حربٍ عبثيّة حرمت المنطقة وشعوبها من نهضة اقتصادية كبرى.
اليوم، يعاود التحالف الأسود تحضير المنطقة لحربٍ دوليةٍ – اقليميةٍ أخرى ضد إيران، تبدّد كل ما أنجزه معسكر المقاومة والمُمانعة ضد الإرهاب وداعميه، وتوقف التحالفات البديلة المتساوية بين هذا المعسكر وروسيا والصين، حيث المفاتيح الاستراتيجية العالمية بين أوراسيا وطريق الحرير، وما تتضمّنه من موارد وأسواق كبرى.
وكما في كل مرة، يُعاد توظيف محميّات النفط والغاز ضد إيران وكل عاصمة تحترم سيادتها وكرامتها، وتسخّر اللعبة الطائفية لتوفير أيديولوجيا الخِداع المناسبة في هذه الحرب الصهيونية – الإمبريالية.
إلى ذلك وفي ما يخصّ المخدوعين والمُصابين بالكساح الوطني والمَعرفي، نسألهم لماذا يتحدّث البعض عن الخطر الإيراني والجزر الثلاث وعربستان والشعوب الإيرانية حتى قبل إسلامها، ولا يتحدّث عن الخطر الصهيوني والأطلسي، الأميركي الأوروبي، وعن الخطر التركي واحتلاله لمساحاتٍ شاسعةٍ أضعاف أضعاف الجزر الثلاث وعربستان.
ألا تستحق فلسطين أية إشارة للصهيونية التي تحتلها كعدو رئيسي مدعوم من صديقتكم، الولايات المتحدة.
ومثلها الإسكندرون وكيلكيا والرها التي تحتلها تركيا، والتي لاتزال تحلم باستعادة احتلالها للموصل وحلب وتضعهما ضمن خرائطها في المركز الجغرافي التركي.
بل أن وزير خارجية تركيا الأسبق، عبدالله أوغلو، دعا الشعب التركي إلى حدث عظيم بعد انتهاء مئوية لوزان (1923) يتعدّى استعادة رسوم البواخر إلى استعادة حلب والموصل.
ألا يُفسّر كل ما سبق التركيز على إيران كخطرٍ رئيسي داهِم، من أجل صرف الإنتباه عن الخطرين المُحدقين، الصهيوني كعدو وكتناقض تناحري رئيسي، وتركيا كخصمٍ وجارٍ أحمق.
وفي الحقيقة فإن حرب الأعراب الرجعيين على إيران، ليست جديدة ولم تبدأ مع الثورة الإيرانية كما يذهبون، بل إلى ما قبلها بربعٍ قرنٍ تقريباً، وتحديداً إلى الحقبة الوطنية في تاريخ إيران الحديث عندما أعلن رئيس الحكومة الإيرانية، محمّد مصدق تأميم النفط 1952 ودخل معركة مع الشركات النفطية البريطانية والأميركية.
في منتصف الستينات أيضاً، عندما اندلعت النظاهرات الوطنية الإيرانية ضد الشاه وحملت صوَراً لعبد الناصر في شوارع طهران، واصل الأعراب الرجعيون مواقفهم وأعلنوا باسم المؤتمر الإسلامي دعمهم للشاه حامي الإسلام ضد الوطنيين والمعارضة الإيرانية، بكل تعبيراتها من رجال الحوزات بزعامة طالقاني والخميني آنذاك، إلى حزب توده اليساري.
ومن المفارقات السياسية في تلك الفترة، تحالف الأعراب الرجعيين مع الشاه (الشيعي) والإمام البدر ضد الإنقلاب العسكري الوطني، المدعوم من عبد الناصر.
إلى ذلك أيضاً، فإن الأعراب الذين اتّخذوا من سياسة العداء للقومية العربية نهجاً لهم واختلقوا أشكالاً من الإسلام الأميركي كأيديولوجيا ضد هذه القومية، ولاحقوا كل عروبي وطني مُناهِض للإمبريالية والصهيونية والرجعية، هم اليوم مَن يتصدَّر العروبة النفطية المُفاجئة ويتباكى على العرب والعروبة ضد إيران، ومتى؟ منذ أن أسقطت نظام الشاه وحوّلت سفارة العدو لديه إلى سفارة فلسطينية، ووضعت يدها على نفطها ومواردها، ما يعني ويؤكِّد أن معركة الأعراب الرجعيين هي معركة الصهيونية والإمبريالية وشركات النفط الأميركية.
أما في ما يخصّ تركيا ومقارنتها مع إيران التي يجيّشون ضدّها صباح مساء، نلاحظ ما يلي:
1- مقابل التاريخ البدوي للأتراك وخاصة في آسيا الوسطى والشمالية، قبل انتقالهم منها إلى آسيا الغربية – الشمالية، التي أصبحت تُعرَف بتركيا بعد الغزوات البدوية التركية واستحضارهم من قِبَل بيزنطة الأرثوذكسية لردّ المغول وحملات الكاثوليك (الحملات الصليبية)، مقابل هذا التاريخ كما سجّله إبن فضلان، فإن الشعوب الإيرانية شريك كامل للعرب في كل الحضارة (العربية – الإسلامية)، بل إن غالبية العلماء والفلاسفة والنحويين في هذه الحضارة ينتسبون إلى هذه الشعوب.
وليس بلا معنى أن يذهب البعض إلى القول، بأنه خلافاً لمقولة تقليد المغلوب للغالب، فإن العرب المُتغلّبين كانوا أكثر ميلاً لتقليد المغلوبين من هذه الشعوب.
2- مقابل سيطرة المُتغلّبين العرب على المغلوبين من الشعوب الإيرانية، فقد سيطر الأتراك الأقل تطوّراً على العرب، ابتداء بنفوذ السلاجقة داخل البلاط العباسي المتأخّر وانتهاء بالاحتلال الكامل (1516) الذي امتد قروناً عديدة من الإقطاع والتخلّف والاستبداد.
موفق محادين ، كاتب ومحلل سياسي أردني