ما جرى ويجري في سوريا من إرهاب هو الآن قيد التوجّه نحو البلدان التي ساهمت فيه، بل وحسب رأي الكثير من الأجهزة الاستخباراتية سيكون أشدّ وربما سيُطيح بالكثير من الرؤوس، ومن الأنظمة خاصة في تركيا، والسعودية، إذ هما اليوم أمام ما يُعرَف بدولة الإسلام "العراق والشام"وجهاً لوجه. إنها على أبواب تركيا، بعد أن حوصِرَت في حيّزٍ من إدلب، وإذا فشلت تركيا في تطبيق ما تم الاتفاق عليه مؤخراً في سوتشي بين الرئيسين بوتين وإردوغان فإن كل الإرهابيين سيفرّون إلى تركيا، وإن رفضت دخولهم، فسيتوجّهون إلى مقاومتها لأنهم يصبحون بين ناريين أحلاهما مرّ، كما يقول المثل العربي.
من مقادير القدر أن تكون بداية نهاية الربيع الدموي بفضيحةٍ -اهتزّ لها العالم- بين السعودية وتركيا واللتان ساهمتا بشكلٍ رهيبٍ في حماية الإرهاب وتمويله، بل وإحاطته بالرعاية فضلاً عن الدعاية التي سخّرت لحمايته وتجريم مَن لا جُرم له أو عليه لأجله..
أليس المظلوم مُنتصراً ولو بعد حين. الجريمة البشعة التي راح ضحيّتها الصحافي جمال خاشقجي هي الأسوأ في التاريخ السعودي التركي وتعبّر من خلاله بصدقٍ عن فداحة الجُرم المُرتَكب ضد سوريا وغيرها. وهنا يمكن التأكيد على أن ما قالته العرب في أمثالها صار أمراً واقعاً رغم آلامه، حيث قالت "على الباغي تدور الدوائر"، "ومَن حفَر حُفرة لأخيه وقع فيها".
وما جرى ويجري في سوريا من إرهاب هو الآن قيد التوجّه نحو البلدان التي ساهمت فيه، بل وحسب رأي الكثير من الأجهزة الاستخباراتية سيكون أشدّ وربما سيُطيح بالكثير من الرؤوس، ومن الأنظمة خاصة في تركيا، والسعودية، إذ هما اليوم أمام ما يُعرَف بدولة الإسلام "العراق والشام"وجهاً لوجه. إنها على أبواب تركيا، بعد أن حوصِرَت في حيّزٍ من إدلب، وإذا فشلت تركيا في تطبيق ما تم الاتفاق عليه مؤخراً في سوتشي بين الرئيسين بوتين وإردوغان فإن كل الإرهابيين سيفرّون إلى تركيا، وإن رفضت دخولهم، فسيتوجّهون إلى مقاومتها لأنهم يصبحون بين ناريين أحلاهما مرّ، كما يقول المثل العربي.
هذا جزء من اللعبة القذرِة ضدّ سوريا، وهذا أيضاً جزء من محتوى هذه اللعبة الدموية والصراع المتواصل في المنطقة والمقصود منه أصلاً إيران، ومن خلالها محاصرة روسيا الصاعِدة. إن إيران وحزب الله هما قطب الرّحى في كل ذلك لأن الجميع فشل في احتوائهما، وسقوط سوريا يعني سقوط إيران وحزب الله لاحقاً. إذن، هناك موقف اليوم مُتجدّد وصاعِد، وهناك موقف مُضادّ وفاشل، ولكن هناك فُرَص لا تُتاح في السياسة إلا في لحظاتٍ مُحدّدة، وبين إيران والغرب ومعه السعودية تكتمل هذه المُصطلحات، ولا أحد بإمكانه الانطلاق من غيرها، إلا إذا تغيّرت الصورة الذهنية وسقطت واجهة الأحداث وبشكلٍ يضمن حق الآخر (إيران) في الاستفادة من التطوّر الحاصِل، ومن قوانين الصراع. وهو ما ترفضه السعودية وتركيا والغربّ عموماً.
الغرب يضرب بعصاه السياسة الساخنة، ضد روسيا وسوريا وإيران، لكن الثلاث تنظر للمستقبل من وراء الأحداث وتحاول القبض عليها من خلال مجرياتها وتوصيفها توصيفاً يتلاءم ومنظور الدولة والتاريخ، وكل واحد من طرفي المعادلة (أميركا وإيران) يحاول أن يعوّض ما فاته من الأحداث بشكلٍ توافقي مع الواقع وما يُخبّئه. والمُعادلة ليست جارية على نقيض الواقع، واقع إيران بالتحديد، وثمة فارِق بين مَن يأخذ من فوهة الدخان طريق المجد، وبين مَن يأخذ من عُمق الروح وميراثها صورة الخارطة السياسية التي يجب أن يكون داخلها لا على أطرافها. ومن هذا المنظور وقفت إيران بصلابة إلى جانب سوريا حتى ولو أدّى هذا الموقف إلى حربٍ اقليميةٍ. لقد تم تخزين الخوف وراء الستار بالمنظور الإيراني، وفتحت السراديب المُظلمة لتقول ما يمكن أن يوضع ضمن الاحتمالات المستمرة للمواجهة.
وهنا تبدو كل الاحتمالات سيّئة بالنسبة للطرف السعودي، التركي، الأميركي، فإيران مثلاً ليست أميركا عسكرياً، وأميركا ليست إيران تاريخياً وعقائدياً، والخوف من المجهول يجتاح الطرفين حتى وإن بدت ملامح التغيير في اللهجة السياسية من الطرفين أيضاً. في عهد الرئيس الأميركي "رولاند ريغان" حاولت أميركا ألا تكون الواجهة للخطأ وأخفقت وكانت مهزلة "إيران غيت". وفي عهد الرئيس"جيمي كارتر"، سقطت لعبة الدم في صحراء طبس بعد أن هُزِم جنوده الذين كان مقرّراً لهم أن يخطفوا الإمام الخميني، فخسر"كارتر" الرئاسة وخسرت أميركا. وفي عهد أحمدي نجاد جاءت الثورة الناعمة، بمواقف غير معهودة ولم تكن سوى رسالة للغرب بأنه على خطأ في فَهْمِ ما يجري في إيران.
وبالتالي غير قادر على تطويع الأحداث فيها حسب منطق "الفتنة أشدّ من القتل"، فأعاد "دولاند ترامب" التجربة لاحقاً انطلاقاً من مهمة سرّية في المنطقة بواسطة إسرائيل والسعودية ضد إيران ولكن بما يفيد الخطأ القاتِل إنْ هو دخل في لعبة الدم ضدّها، وعوض أن تدخل إيران قلب العاصفة، دخلته أميركا. بعد أن دخلت في الصراع مع إيران بحسابات هي من أسوأ الحسابات السياسية العسكرية، وخسرت حلفاءها ما عدا دويلات الخليج وإن كانت هي أيضاً على المحكّ اليوم بعد فضيحة اختفاء أو مقتل الصحافي خاشيقجي.
لم يكن للملوك العرب والأمراء والشيوخ في "الربيع العربي" المشؤوم غير الخراب والجري وراء الجثث ما يشفى غليلهم من الديمقراطية التي هم لها مناهضون، همّهم أيضاً إسقاط دول عربية في الفِتَن والطائفية. لم يكونوا أسرى التاريخ السيّئ فحسب بل هم جزء مهم في هذا التاريخ. حاولوا في بداية التسعينات ضرب الجزائر بواسطة الفكر الوهّابي الإجرامي، وكان ظنّهم أنهم لن يكونوا إلا زعماء للإسلام والعالم العربي ولوحدهم والباقي أتباع، ولما فشلوا جاؤوا "بداعش" وأخواتها ووضعوها ضمن إطار ما سمّوه زوراً "الربيع العربي".
وجاؤوا بتركيا للجامعة العربية مع أنها من خارجها لتساعدهم لأنها في الحلف الأطلسي"الناتو" فخرّبوا ليبيا وهي اليوم مجرّد خراب ومقبرة طويلة للجثث، وكل الجثث فيها للموحّدين أطفالاً ونساء، وشيوخاً، ولما عاثوا فيها فساداً بوساطة "الناتو" كانوا أيضاً -حسب مصادر سرّية – يُخطّطون لإسقاط الجزائر، ولما كانت الجزائر عصيّة عليهم وفهموا ما هم ذاهبون إليه بعد حادثة عين أميناس. توجّهوا إلى سوريا،والعراق، واليمن، فكان الأسوأ في هذه البلدان الثلاث، الخراب، والدمار، والدماء ولم تسلم حتى المساجد ودور العبادة وشواهد القبور.
كل ذلك، تم ضمن مميّزات الفكر الوهّابي الإجرامي. لكن، كل تلك الجبال من الجثث لم تشفع لهم في الرجوع عن أوهامهم وأحلامهم إلا بعد أن انتصرت سوريا بجيشها وشعبها وصمودها النادر في التاريخ. لقد تسوّلوا في الغرب وروسيا وقدّموا الرشوة بمليارات الدولارات تلو الأخرى للغرب كله من أجل أن يضرب سوريا.
من دون أيّ اعتبار لأيّ من الأخلاق والدين حيث يتبجّحون بأنهم حماتهما انطلاقاً من إشرافهم على الأماكن المقدّسة وفشلوا وهزموا. رئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير بندر بن سلطان قال حرفياً في اجتماع سرّي في موسكو «نريد تدمير هذا النظام العَلَوي في سوريا حتى لو جرى تدمير سوريا». وتقول وثائق أخرى إن يندر لم يكن إلا واحداً من دُعاة التخريب طيلة ثلاثة عقود، ويصرّح في ما كتبه بأنه إبن جارية من السود.
لم تكن الأحداث في الربيع المشؤوم سوى بُرَك من الدماء ومع ذلك لم تكن كافية لإعادة دُعاة هذا الشؤم إلى العقل. ولا أقول إلى الدين لأن الدين لديهم مجرّد بطاقة عليها أسماؤهم. واليوم يحاولون أن يلعبوا بحرب مُدمّرة ضد إيران لتدمير الأمّة العربية ومع ذلك يدّعي بن سلمان السعودي إن هذه الحرب المنتظرة مع حليفتنا إسرائيل ليست ضدّ أحد ولا هي حتى ضد روسيا إنها ضد إيران.
واليوم وقد تم كشف كل شيء يحاولون الهروب إلى دمشق بواسطة روسيا. وسوريا اليوم هي قلب التحوّلات الجارية قي النظام الدولي الجديد بقيادة روسيا والصين ودول اقليمية أخرى. ويؤكّد هذا الرأي قول وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو "إن النزاع في سوريا بات عند منعطف وإن الرئيس بشار الأسد عزّز سيطرته على الأرض".
محمّد لواتي، رئيس تحرير يومية المُستقبل المغاربي