أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم 20 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أنه سينسحب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة وقصيرة المدى، الموقعة مع روسيا.
وفي ما يبدو أنه انسلاخ من حقبة سلفه باراك أوباما، لكن حساسية المعاهدة النووية التي انسحب منها ترامب تفرض بالضرورة سؤالا مهما: وماذا بعد؟
المعاهدة ابرمت خلال الحرب الباردة وهذا ما تضمنته
الاتفاقية التي أعلن ترامب نيته الانسحاب منها، أبرمت مع موسكو خلال فترة الحرب الباردة، وتحديدا قبل 31 عاما.
ووضعت المعاهدة التي ألغت فئة كاملة من الصواريخ يتراوح مداها بين 500 و5 آلاف كيلومتر، حدا لأزمة اندلعت في الثمانينيات بسبب نشر الاتحاد السوفيتي صواريخ "إس إس 20" النووية، التي كانت تستهدف عواصم أوروبا الغربية.
وأبرم الصفقة الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، مع الزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف في ديسمبر عام 1987، لتكون المعاهدة الأولى والوحيدة من نوعها بين القطبين.
وتعهد الجانبان بعدم صنع أو تجريب أو نشر أي صواريخ باليستية أو مجنحة أو متوسطة، وتعهدا أيضاً بتدمير كافة منظومات الصواريخ التي يتراوح مداها المتوسط ما بين 1000-5500 كيلومتر، ومداها القصير ما بين 500─1000 كيلومتر.
وأجبرت المعاهدة، أو هكذا يفترض، الطرفين على سحب أكثر من 2600 صاروخ نووي تقليدي، من الأنواع القصيرة ومتوسطة المدى.
ماذا يعني انسحاب واشنطن من المعاهدة النووية؟
ولا يعني الانسحاب من الاتفاق بالضرورة اندلاع حرب نووية بين الشرق والغرب، لكن قرار ترامب أثار مخاوف من تسارع السباق المحموم الرامي إلى تطوير وإنتاج الأسلحة النووية، لدى كلا المعسكرين، فضلا عن حلفاء واشنطن وموسكو.
كما قد يكون للانسحاب من هذه المعاهدة تبعات ضخمة على السياسة الدفاعية الأميركية في آسيا، وتحديدا تجاه الصين منافستها الإستراتيجية الرئيسية التي يخوص ترامب معها حربا تجارية.
والصين ليست طرفا في المعاهدة، وقد أنفقت أموالا كثيرة على الصواريخ التقليدية، في الوقت الذي تحظر فيه معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى حيازة الولايات المتحدة صواريخ بالستية تطلق من الأرض، أو صواريخ كروز يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر.
موسكو: الخطوة الاميركية تجعل العالم مكانا أكثر خطورة
وأغضب قرار ترامب موسكو، حيث اعتبر مصدر في الخارجية الروسية أن الولايات المتحدة "تحلم" بأن تكون هي القوة الوحيدة المهيمنة على العالم بقرارها الانسحاب من المعاهدة.
وقال المصدر بحسب ما نقلت عنه وكالة "ريا نوفوستي" الحكومية، إن "الدافع الرئيسي هو الحلم بعالم أحادي القطب. هل سيتحقق ذلك؟ كلا".
وشدد على أن موسكو "نددت مرارا علانية بمسار السياسة الأميركية نحو إلغاء الاتفاق النووي"، وأن واشنطن "اقتربت من هذه الخطوة على مدار سنوات عديدة من خلال تدميرها أسس الاتفاق بخطوات متعمدة ومتأنية".
وأضاف أن "هذا القرار يندرج في إطار السياسة الأميركية الرامية للانسحاب من الاتفاقيات القانونية الدولية التي تضع مسؤوليات متساوية عليها وعلى شركائها، وتقوض مفهومها الخاص لوضعها الاستثنائي".
واعتبر الكرملين أن خطوة انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة النووية التي أبرمت بين البلدين إبّان فترة الحرب الباردة "تجعل العالم مكانا أكثر خطورة".
لم يكن انسحاب الرئيس الاميركي دونالد ترامب من معاهدة حول الأسلحة النووية مع روسيا "سابقة"، قدر كونها "عادة" مارسها الرئيس الاميركي منذ تولي منصبه قبل أقل من عامين. وأعلن ترامب انسحابه سابقا من الاتفاق النووي المبرم مع إيران، عام 2015، وأيضا معاهدة باريس للمناخ التي وقعتها 195 دولة في العام ذاته.
وصرح المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، بأنهم "يعارضون بشكل قاطع الاتهامات الأميركية بأن روسيا انتهكت معاهدة الأسلحة النووية".
وشدد بيسكوف على أن روسيا "ستضطر للرد واستعادة التوازن إذا طورت الولايات المتحدة أنظمة صواريخ جديدة"، مضيفا في حديثه إلى الصحفيين أنه "إذا كنت تقرأ تصريحات الرئيس [بوتين] ، فهو يقول إن خرق المعاهدة يجبر روسيا على اتخاذ تدابير لضمان أمنها"، مرجعا ذلك إلى قوله: "من أجل استعادة التوازن في هذا المجال".
أوروبا تحذر أميركا من عواقب انسحابها من المعاهدة
وحذر الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الأميركية من العواقب المترتبة على انسحابها المحتمل من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى.
وقالت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني - في بيان - إن معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى ساهمت في إنهاء الحرب الباردة، وكانت من أهم دعائم الأمن في أوروبا منذ دخولها حيز التنفيذ قبل 30 عاما.
وأشار البيان إلى أنه بفضل هذه المعاهدة - التي وقعت عام 1987 بين واشنطن وموسكو - تم تدمير ما يقرب من 3 آلاف قذيفة تحمل رؤوسا نووية وتقليدية، ويتعين على الطرفين أن ينخرطا في حوار بناء للحفاظ على المعاهدة وضمان تنفيذها.
وأضاف البيان أن العالم لا يحتاج لسباق تسلح جديد لن يفيد أحدا، بل على العكس سيؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار.
وتعتبر المعاهدة أمرا حاسما لأمن أوروبا والعالم، حيث يخشى الاتحاد الأوروبي من العواقب الخطيرة على أمن دوله فيما لو نفذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهديده وانسحب من المعاهدة بحجة قيام روسيا بانتهاكها منذ عدة سنوات.
الصين تنتقد "ابتزاز" ترامب بشأن المعاهدة النووية
وحذرت الصين الثلاثاء من أنها "لن تقبل أبداً أي شكل من أشكال الابتزاز" بعد أن قال الرئيس الاميركي دونالد ترامب أن قراره الانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى مع روسيا مرتبط كذلك بترسانة بكين.
والصين ليست موقعة على المعاهدة التي وقعتها الولايات المتحدة مع ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي في الثمانينات، إلا أن ترامب قال الاثنين أن الصين يجب أن تشارك في المعاهدة.
وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا شونينغ في مؤتمر صحافي معتاد "الآن الولايات المتحدة ترغب في الانسحاب أحادياً من المعاهدة، وبدأت تتحدث بشكل غير لائق عن دول أخرى".
وأضافت أن "هذه المقاربة باحالة اللوم على آخرين هو أمر غير مبرر وغير منطقي".
وقالت أن الصين سعت دائماً إلى تبني سياسة دفاع وطني، مضيفة "لن نقبل مطلقاً بأي شكل من أشكال الابتزاز".
ترامب يهدد روسيا والصين بالأسلحة النووية
وأشار ترامب إلى أن الولايات المتحدة ستواصل زيادة كمية الأسلحة النووية حتى تعود روسيا والصين إلى رشديهما.
وصرح ترامب للصحافيين الاثنين في البيت الأبيض أنه "حتى يعود الناس الى رشدهم، سوف نستمر بتعزيزها"، في اشارة الى الترسانة النووية الاميركية.
وقال "إنها تهديد لأي جهة تريدون، وهذا يتضمن الصين، وأيضا روسيا، وأي جهة اخرى تريد أن تلعب هذه اللعبة".
هذا واعتبرت مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية أن خروج واشنطن المحتمل، من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى سيكون كابوسا للصين.
وقالت المجلة في تقرير لها، إن خروج واشنطن من الاتفاقية سيكون كابوس الصين الجديد، مشيرة إلى أن ذلك سيمكن الجيش الأميركي من منافسة الصين في بناء قدرات صاروخية، كانت محظورة، وفقا للاتفاقية.