لقد حملت الجولة الحادية عشر من محادثات السلام السورية في آستانا نوعاً جديداً من التقارب في وجهات النظر بين الجهات الراعية لهذه المحادثات وكان لهذه الجولة وقع إيجابي على سير المباحثات الجارية في آستانا والأمور تتجه نحو الحلحلة أكثر منها نحو التعقيد، وقد وصفت روسيا عبر رئيس وفدها إلى هناك ألكسندر لافرينتييف، نتائج الاجتماع الـ 11 حول سوريا بالإيجابية، والجميع حالياً يحاول نقل سوريا إلى حقبة جديدة تتم من خلال إجراء إصلاحات على الدستور السوري ورسم عملية سياسية جديدة شاملة للبلاد.
حتى الآن، أدّى مشهد الحرب في سوريا إلى نظرة متفاوتة على ما يبدو للاعبين الدوليين الرئيسيين وأصحاب النفوذ في تطوّر الأحداث هناك، ولم يكونوا على رأي واحد إطلاقاً وعلى هذا الأساس بدأ هؤلاء سلسلة اجتماعات في جنيف لبحث الأزمة السورية ووضع حلّ لها ولكن لم تؤدِ هذه الاجتماعات إلى نتيجة أيضاً، وحتى اجتماعات أستانا كانت من دون مشاركة فاعلة من الغرب والأمم المتحدة، لذلك كانت النتائج التي تخرج من هذه الاجتماعات عقيمة نوعاً ما أو يتم خصيها عمداً منعاً للوصول إلى اتفاق ينهي الصراع.
ومع ذلك، وفي ظل الظروف الحالية للجهات الفاعلة الدولية للتطورات في سوريا "على الأقل في مواقفها المعلنة"، لا توجد معارضة تقريباً لتشكيل اللجنة الدستورية السورية فالغربيون وبسبب القدرة المتنامية للحكومة المركزية في هزيمة الجماعات الإرهابية وإعادة سيطرتها على أغلبية أراضي البلاد وجدت أن لا جدوى من المضي قُدماً في محاولة إسقاط هذه الحكومة التي أثبتت أنها عصية عن السقوط وأنها قادرة على إعادة سيطرتها على كامل أراضي البلاد لذلك لا مناص من التعاطي معها، وفي المقابل حلفاء هذه الحكومة يبحثون من دون أدنى شك عن الوصول إلى إنهاء الصراع الدائر في سوريا وتجنيب السوريين المزيد من الدماء وتثبيت قواعد الحكومة ومنع المسلحين من إحداث المزيد من الفوضى العديمة الجدوى كما تبين للجميع.
وعلى الرغم من تقارب وجهات النظر بين المجتمعين في أستانا إلا نتائج المحادثات التي خرج علينا بها المجتمعون يوم الخميس لم تعطِ نتيجة قطعية حول تشكيل لجنة دستورية مشتركة بين الأطراف السورية تهدف إلى وضع رؤية لإصلاح دستوري في سوريا، وبقي الموضوع مفتوحاً للاجتماعات المقبلة.
بعد الجولة الأخيرة لأستانا، أعلنت حكومة أمريكا مساء الخميس 29 نوفمبر / تشرين الثاني أن "عملية مؤتمر أستانا حول مستقبل سوريا برعاية روسيا وإيران وتركيا، لم تجلب أي نتائج غير نهاية لأزمة البلاد".
أيضاً، في تعليق مشابه قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا، ستيفان دي ميستورا، الذي قضى الأيام الأخيرة من مهمته: "لم يتم إحراز أي تقدّم ملموس للخروج من المأزق الذي دام عشرة أشهر في تشكيل اللجنة الدستورية".
وعلى الرغم من أن آراء الروس وحتى ممثلي المعارضة في قمة أستانا لا يؤيدون مثل هذه التصريحات، كما قال أحمد طعيمة، رئيس وفد المعارضة السورية في مؤتمر أستانا: "لا تزال هناك خلافات طفيفة حول قائمة الأفراد المستقلين"، لكن هذا السؤال لا يزال قائماً، ما هو العائق الرئيسي أمام التوصل إلى اتفاق شامل حول اللجنة الدستورية؟
نسبة الدستور إلى النظام القائم.. الإصلاح أم التغيير؟
يعود الجزء الأول من الخلاف بين الجهات الأجنبية الفاعلة، وكذلك الجهات الفاعلة المحلية الموجودة في المفاوضات كمعارضة والحكومة المركزية إلى مسألة ما إذا كان الغرض من الدستور الجديد لسوريا هو خلق تحول هيكلي في النظام السياسي للبلاد، أو ما هي طبيعة النظام السياسي للحفظ والإصلاح؟
وفي هذا الصدد، بالإضافة إلى الخلافات القائمة بين الطرفين حول الوضع المستقبلي لبشار الأسد، وبين الغرب وتركيا والمعارضة التي تؤكد على إقصاء الأسد (بغض النظر عن إرادة الشعب السوري)، فإن مناقشة طبيعة الدولة مركزية أو اللامركزية (الفيدرالية والكونفدرالية) يتم طرحها في الاجتماعات.
وفي هذا الصدد، فإن الهدف النهائي للحكومات الغربية وحلفائها العرب هو السعي إلى نزع سلاح الحكومة المركزية في دمشق، وإضعاف الحكومة المركزية في الساحة السياسية ووضع دستور جديد للبلاد.
جنيف أو أستانا / سوتشي؟
ومن القضايا المهمة الأخرى التي تشكل تحدياً في وجه الصياغة المبكرة للدستور هي عدم الثقة من قبل الغرب في الآليات السيادية التي يتم تداولها في سوتشي وأستانا، وتقويض مصداقية الجهود المبذولة في هذه المحادثات.
لقد اعترف الغرب فقط بآلية محادثات جنيف منذ البداية، ويشدد كذلك على اجتماعات جنيف لانتقال العملية السياسية وتحديد مستقبل سوريا.
لهذا السبب، عندما تحدّث الممثل الروسي في ختام هذه الجولة من المحادثات عن عدم وجود ممثل عن الأكراد شرق الفرات في اللجنة الدستورية، كان واضحاً أنه كان يشير إلى العقبات التي تضعها واشنطن في المضي قدماً نحو تشكيل هذه اللجنة.
في الختام.. تطلب دمشق أي تعاون واتفاق على صياغة الدستور بشرط خروج القوات الأجنبية التي دخلت دون إذن من أحد والقضاء التام على الإرهاب، وإعادة سيادة الحكومة المركزية إلى جميع أنحاء البلاد، وإرساء الاستقرار والأمن، وعودة اللاجئين.