تحوّلت اجتماعات مجلس التعاون إلى جلسات صورية تحافظ على الشكل وتبتعد عن المضمون وتطلق عبارات رنانة توصل رسالة مفادها بأن دول مجلس التعاون متحدة فيما بينها وتعمل على بناء مشاريع مشتركة في جميع المجالات وتسعى للحفاظ على أمن هذه الدول مجتمعة، ولكن لا نعلم إن كان المجلس الموقر يعتبر "قطر" إحدى هذه الدول أم أصبحت ضيفة ثقيلة على اجتماعاته.
يوم الأحد الماضي انتهت أعمال القمة الـ39 لدول مجلس التعاون الخليجي التي كان يرأسها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وجاء البيان الختامي ليؤكد أهمية وحدة الصف والهدف واستكمال التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي وبلورة سياسة خارجية موحدة وفعالة ومنظومة دفاع مشتركة، ولم يعرف أحد كيف يمكن بلورة سياسة خارجية موحدة في ظل تعنّت جميع الأطراف بآرائها وعدم الدخول في صلب المشكلة الموجودة والحديث عنها، وتجاهلها المتعمد ألا يعني زيادة الشرخ داخل دول مجلس التعاون، الواضح أن قطر لا تريد الرضوخ للسعودية بأي شكل من الأشكال، والسعودية في المقابل لا تريد أن تظهر بمظهر الضعف أمام قطر على اعتبار أنها تعتبرها دولة صغيرة نسبياً وقالت عنها يوماً ما، أنها "زقاق من أزقة الرياض وأن احتلالها لا يكلّف كثيراً".
إذن الأزمة ما زالت عالقة والاجتماع لم يضف شيئاً جديداً بل كرّس المشكلة أكثر وأكثر وبالتالي دخلت العلاقات الخليجية - الخليجية بنفق جديد مظلم من العلاقات لا أحد يعرف إلى أين يذهب بها، فبعد أن كان مجلس التعاون غايته الدفاع عن دول المجلس والمضي قدماً في تشكيل صيغة دفاع مشترك للحفاظ على أمن الخليج واستقراره، أصبحت بعض الدول اليوم تهدد بعضها في هذا المجلس فإن لم يستطع هذا الاجتماع أن يساهم في حماية أمن الدول الخليجية فما هي غايته؟.
قطر لن تخرج من مجلس التعاون بسهولة لكن هذا الاحتمال قائم ونعتقد بأن الملك سلمان استشعر هذا الخطر وعلى هذا الأساس أرسل دعوة خطية للأمير تميم على اعتبار أن الأخير انسحب مؤخراً من منظمة "أوبك" وهذه صفعة في وجه السعودية وبداية خروج حقيقي عن الحضانة الخليجية، ولكون السعودية تعرف أنها لا تستطيع أن تؤثر على قطر وتثنيها عن قرارها قررت التودد لها من جديد عبر طرق غير مباشرة تجد السعودية فيها أنها تحافظ على ماء وجهها.
الشرخ بين الدول الخليجية أصبح بارزاً جداً ولم يعد بالإمكان التغاضي عنه، فمصالح هذه الدول بدأت تأخذ أبعاداً مختلفة فمن جهة، السعودية تريد أن تبقى زعيمة لدول مجلس التعاون، وفي نفس الوقت تأخذ دوراً إقليمياً بارزاً تتحدى من خلاله تركيا وإيران، وإضافة إلى ذلك لا تريد أن تتحدى واشنطن التي ترى في ابتعاد قطر عن الحضن الخليجي مشكلة كبيرة لن تساهم في مواجهة إيران بل على العكس، وبالتالي هناك ضرورة فعلية لإعادة قطر إلى الحضن الخليجي، لكن قطر في المقابل لها سياستها الخاصة وطموحاتها فهي لا تريد أن تكون جزءاً من تحالف يحارب إيران أو تركيا فهي تبني معهما علاقات استراتيجية عميقة وساعدوها كثيراً خلال فترة الحصار وبالتالي ليس من السهولة التخلي عنهما.
لا تنتظروا حلّاً قريباً بين قطر والسعودية
طالما أن القمة الـ39 لدول مجلس التعاون الخليجي لم تتطرق إطلاقا للمشكلة بين قطر والسعودية والبحرين والإمارات فلن يكون هناك حلّ قريب وحلحلة للأزمة العالقة بين هذه الدول، في المقابل قطر جاء ردها سريعاً بعدم حضور الأمير تميم وإرسال وزير الدولة للشؤون الخارجية عوضاً عنه لكونه يعلم مسبقاً أن برنامج القمة لا يتطرق لحصار قطر، وبالتالي ما الفائدة من الذهاب إلى هناك؟.
الكويت تحاول التهدئة
في الحقيقة لعبت الكويت وأميرها الصباح أحمد الجابر الصباح دوراً مهماً في تسوية النزاعات القائمة بين دول مجلس التعاون وحاولت الكويت مراراً رأب الصدع والتحضير لوساطة خليجية تنهي الأزمة العالقة بين قطر ودول الحصار ولكن دون جدوى فالسعودية ما زالت مصرّة على أن قطر هي من أخطأ وعليها أن ترضخ لشروطها.
وفي كلمة نشرت حديثاً لأمير الكويت ضمن ملف أعدّته مؤسسة "أكسفورد بزنس غروب"، ناشد الجميع من خلالها للامتثال لنهج بلاده في تهدئة الأمور، وتفادي "الحرب الكلامية السخيفة" من أجل احتواء الأزمة الخليجية وتجاوزها، لأن ما يجمع الدول الخليجية أكبر وأقوى بكثير مما يفرقها حسب قوله، ودعا للتركيز على إبقاء مجلس التعاون الخليجي رمزاً للافتخار والأمن والرخاء.
قطر لا تريد للسعودية أن تكون عرابتها
في القمة السابقة التي عقدت في الكويت واستمرت لبضع ساعات فقط لم يحضر قادة السعودية والبحرين والإمارات فيها بالمقابل كان الأمير تميم موجوداً، أما هذه المرة حصل العكس وهذا يدل بأن الجميع يهرب من الجميع وكأنها أشبه بلعبة "القط والفار" وإن استمرت الأمور على هذا النحو لن تنحل هذه المعضلة المستمرة منذ أكثر من عام ونصف في الوقت القريب ولا بأي شكل.
في الحقيقة خروج قطر من أوبك يعني بشكل واضح بأن قطر لا تريد للسعودية أن تكون وصية عليها أو حتى عرابتها وتريد أن تأخذ مساراً منفصلاً لنفسها، هذا الأمر لم تكن قطر لتفعله قبل عدة أشهر لكنها على ما يبدو وصلت إلى طريق مسدود أجبرت من خلاله للاتجاه نحو حلفاء جدد وهذا ما يحصل حقيقة.