متغيرات عربية تشير إلى أن الدول التي راهنت على عزل سوريا وإسقاط النظام، تدرك فشل مراهناتها وأن الحرب التي شنّتها بالأصالة والوكالة قد تجاوزتها سوريا بفضل تضحيات الجيش العربي السوري والدولة ودعم الحلفاء.
زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق تُنبؤ بمتغيرات عربية رسمية لعودة سوريا إلى موقعها في الجامعة العربية ونسج خيوط دبلوماسية خلف الستار يرافقها تلميحات خليجية بأن العرب يواكبون قرار ترامب بانسحاب قواته في العمل على عدم ترك سوريا، وهي الدولة العربية المهمة، إلى إيران وإلى تركيا التي تسعى إلى الاستفادة من قرار ترامب للعمل على توسيع نفوذها وعلى توسيع طموحاتها في سوريا. لكن سوريا تأخذ مواكبة المتغيرات العربية والتركية بيدها على صعيد ملاقاة الانفتاح العربي بدبلوماسية هادئة. وعلى صعيد العمل الميداني والتنسيق مع روسيا وإيران لتفويت فرصة التغلغل التركي في الأراضي السورية وذلك بقطع الطريق أمام الحشود العسكرية التركية وبمساعي التفاهم مع الكرد وقوات قسد أملا بوقف ذريعة تركيا للتغلغل العسكري.
في سياق التحركات السورية لم يخرج لقاء اللواء علي مملوك مع رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية عباس كامل أمام الكاميرات في القاهرة. مدير مكتب الأمن الوطني في سوريا، يستكمل التشاور والتنسيق مع الجانب المصري الذي لم ينقطع طيلة السنوات الماضية، وعكس الظهور الإعلامي غير المسبوق للواء مملوك على وكالة الأنباء الرسمية السورية والإعلان عن زيارته، تأويلاً وتفسيراً تعدى مضمون الزيارة التي لم تخرج عن سابقاتها كما أكد مصدر مصري.
وقد يكون سياق الزيارة التي أعقبت وصول البشير إلى دمشق، وقرار ترامب بسحب قواته من سوريا، قد زاد من دوائر الاحتمالات. فربما يكون استعجالاً سوريا لملاقاة القاهرة، في استثمار تقارب عربي افتتحه الرئيس السوداني، الذي نقل بحسب المصادر ، رغبة عربية بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، لتكون مقدمة ربما لعودة العلاقات السياسية، التي لا يزال قرارها في الرياض، وليس فقط فتح السفارات بتمثيل دبلوماسي منخفض، كما يتردد عن بعض السفارات العربية في دمشق.
هذا السياق يكشف أيضاً عن ريبة سورية من التحرك التركي في الشمال، ومحاولة التوغل التركي وقضم المزيد من الأراضي شرقاً بذريعة ملأ الفراغ العسكري بعد سحب القوات الأميركية ومواجهة "داعش"، من دون مساومة على دور وبقاء الحلفاء في سوريا.
فالدبابات التركية، لم تأخذ بالتفاهمات التي أجراها الروس والإيرانيين، منذ مسار آستانة وعشية محاولة الانقلاب قبل عامين، التي تعهد فيها أردوغان بألا تتجاوز الـ12 كيلومتراً، لتتوغل أضعافها مع درع الفرات وغصن الزيتون وتجاوزت العشرة آلاف الكيلو متر مربع. وعلى الرغم أنه من المبكر الحديث عن مستوى التوغل التركي الجديد، إلا أن التعزيزات التي لا تزال مستمرة بالوصول إلى النقاط الحدودية، ومن معبر الراعي بريف حلب الشمالي إلى أطراف منبج مع وصول قائد عملية "غصن الزيتون" وقائد الجيش التركي الثاني الجنرال إسماعيل متين تمل برفقة قائد الفيلق السابع الجنرال سنان يايلا وقائد اللواء المدرع 20 الجنرال أوكتاي أيبوغا. إلى الحدود السورية - التركية، في جولة تفقدية للمواقع والوحدات العسكرية التابعة للجيش التركي، ما قد يعني أن الأتراك قد حسموا أمرهم بدخول منبج ومنها إلى شرق الفرات على الرغم من التصريحات التركية عن تأجيل العملية.
دمشق وموسكو لم تنتظرا سحب القوات الأميركية، إذ وصلت مجموعات كبيرة من الجيش السوري والحلفاء إلى الميادين والبوكمال في أقصى جنوب شرق سوريا لاستعادة هجين التي لم تحسم معركتها بمواجهة "داعش"، وكي لا يهدد التنظيم مجدداً الانتصار السوري في مناطق محافظة دير الزور بعد فك الحصار عن المدينة واستعادة الميادين والبوكمال على الحدود العراقية فالعملية تنتظر قرار القيادة العسكرية لانطلاقتها.
الكرد تحركوا بالتزامن مع الحشد التركي والتصعيد الإعلامي باتجاه العملية، اجتماع في موسكو ضم ضباطاً ومسؤولين روس مع قيادات من قسد. واجتماعات أخرى في قاعدة حميميم بين ضباط سوريين وقيادات كردية. فالتفاهمات الأولى أعادت مركز التنسيق الروسي مع وحدة من الجيش السوري إلى العريمة بريف منبج الغربي، ودخول الجيش السوري إلى أكثر من منطقة أخرى ليمسك بكامل الشريط الغربي لمنبج.
وستستكمل هذه الخطوة بعقد اتفاقات بين الكرد والروس والسوريين لملأ الفراغ بعد انسحاب القوات الأميركية كما أكد مظلوم كوباني قائد قوات قسد للواشنطن بوست، من دون أن يكون هناك أي صدام بالقوة التركية الغازية.
ديمة ناصيف، كاتبة إعلامية