منذ نحو أسبوعين اتجهت أطراف السلطة التونسية إلى مساعٍ للتهدئة بعد أشهر من التوتر؛ لا سيما بين الرئاسة ورئاسة الحكومة.
وفي 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، دعا الرئيس الباجي قايد السبسي، كل من رئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان) محمد الناصر، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابيّة) نور الدّين الطبوبي، ورئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف) سمير ماجول إلى اجتماع للتباحث حول الوضع العام.
وحضر الاجتماع من الأحزاب، "حركة النّهضة" (68 نائبًا من أصل 217)، وكتلة "الائتلاف الوطني" (44 مقعدًا)، و"مشروع تونس" (15 مقعدًا).
وحث السبسي على "ضرورة مواصلة الحوار بين كل الأطراف على قاعدة تغليب المصلحة الوطنيّة، والترفّع عن الحسابات السياسيّة الضيقة، وإيجاد حلول جذريّة كفيلة بتفكيك عناصر الأزمة الراهنة".
إحساس الجميع بالخطر
واعتبر المحلل السياسي، الحبيب بوعجيلة، أن هذا التحوّل في المشهد السياسي يعزى إلى "حالة الضعف التي لا تسمح لأي طرف بحسم الأمور لصالحه في الوقت الراهن".
وقال "بوعجيلة" في تصريحات للأناضول: "هناك إدراك من طرف القوى المختلفة والمتصارعة بأن نوازع الضعف التي تحكمها لا تسمح لها بمواصلة معركة كسر العظم المتبادلة".
وأشار إلى أن أوضاع البلاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وارتفاع موجة الاحتجاجات، اقتضت من رأسي السلطة في القصبة (قصر الحكومة)، وقرطاج (قصر الرئاسة) الجلوس على طاولة الحوار.
ما ذهب إليه "بوعجيلة" من إحساس الجميع بالخطر، اتفق معه أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية، عبد اللطيف الحناشي، وقال: "هناك تصور من قبل رأسي الدولة (السبسي والشاهد) أولًا، والمجتمعين ثانيًا أن الفترة التي تمرّ بها تونس صعبة جدًا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية".
وأضاف الحناشي في تصريحات للأناضول: "هناك أزمة سياسية وحزبية خانقة خاصة بالنسبة للنداء (حزب نداء تونس)، وسيادة مناخ من عدم الثقة بين الأحزاب والشخصيات الفاعلة".
وحذر الحناشي، من أن الأزمة الاقتصادية مهولة والاحتجاجات تتصاعد مع تدهور الدينار، وتفاقم الدين الخارجي والعجز.
وتراجع سعر الدينار التونسي من 1.26 دينار أمام الدولار الأمريكي و1.81 دينار مقابل اليورو في بداية عام 2011، إلى 3.02 دينار أمام الدولار، و3.43 دينار مقابل اليورو، حسب إحصائيات نشرها البنك المركزي التونسي الأسبوع الماضي.
وأشار الحناشي إلى أن الاجتماع الذي دعا له السبسي، "هو للاستعداد للفترة القادمة وكل الأطراف واعية بخطورة الوضع وبضرورة أن تُجرى الانتخابات، وواعية أيضًا بأن هناك أطراف (لم يسمها) لا تريد إجراءها".
وأضاف: "رئاسة الدولة الآن مساندة لإجراء الانتخابات في وقتها (مقررة للخريف المقبل) ومن خلال دعوته لهذا الاجتماع بيّن السبسي أنه رجل دولة بامتياز".
أما نور الدين العرباوي، رئيس المكتب السياسي لحركة "النهضة"، فاعتبر أن اجتماع السبسي بمختلف الفاعلين هدفه كان واضحًا، وهو إيجاد حلّ لمشكلة الإضراب العام في الوظيفة العمومية وخفض التوتر، فالوضع لا يحتمل الإضراب العام.
ومنذ 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قرر الاتحاد العام التونسي للشغل القيام بإضراب عام، للمطالبة بالزيادة في الأجور، وتجري قيادته اجتماعات ماراثونية منذ مدة لإنجاحه رغم تواتر بعض الأخبار غير الرسمية عن إمكانية الوصول إلى حل قبل الموعد المحدد.
وأضاف العرباوي في تصريحات للأناضول، أن الاجتماع تمّ لمهمة عاجلة فالمطلوب عدم تنفيذ الإضراب العام ليوم 17 يناير/كانون الثاني، وإيجاد حل تفاوضي بين الحكومة والاتحاد.
الرئيس "رجل الدولة الجامع" وليس "قائد" الاحتجاجات
وبرز السبسي من خلال اجتماع، الجمعة، 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي في قصر قرطاج بالأطراف السياسية المساندة للحكومة وبممثلي الأطراف الاجتماعية كقائد جامع يتعالى عن الصراعات "الصغيرة".
وفي هذا الصدد، قال "بوعجيلة": "السبسي لا يريد أن يظهر كطرف يقود عملية التصعيد والاحتجاج ومواجهة الحكومة وضرب الاستقرار ومسار الانتقال الديمقراطي".
وأظهرت وسائل التواصل الاجتماعي صورة لاجتماع أحد قادة "السترات الحمراء"، بمسؤول بارز في "نداء تونس"، وذهبت تحليلات في تونس إلى أن الحركة الاحتجاجية مرتبطة بحزب "نداء تونس" والرئيس السبسي نفسه.
وأضاف "بوعجيلة": "السبسي تحدث في كلمته التي بثّها التلفزيون الرسمي بمناسبة رأس السنة الجديدة، باعتباره رئيس جمهورية مسؤول عن الوضع العام في البلاد، وحاول أن يكون على نفس المسافة من الجميع، وذكر الاحتجاجات وحذر منها".
وتابع: "في نفس الوقت أشار (السبسي) إلى ضرورة استكمال الهيئات الدستورية (المحكمة الدستورية وانتخاب رئيس جديد للهيئة العليا المستقلة للانتخابات) والاستعداد للذهاب للانتخابات القادمة في وضع يسمح لتونس بأن تفتخر بالانتقال الديمقراطي".
ورأى عبد اللطيف الحناشي، أن السبسي ظهر في اجتماعه بالأطراف السياسية والاجتماعية، كرجل دولة بامتياز، تغاضى عن كل التناقضات سواء مع "النهضة" أو مع رئيس الحكومة، حيث يسعى إلى تهدئة الأوضاع.
وأضاف الحناشي، أن "مؤسسة الرئاسة ومجلس الأمن القومي (يرأسه الباجي) لها معطيات حول خطورة الوضع الأمني".
وتابع: "الأهم هو دعوة الاتحاد العام التونسي للشغل كطرف فاعل في الميدان ويهدد بالإضراب العام".
من جانبه، لفت نور الدين العرباوي رئيس المكتب السياسي لحركة "النهضة" أيضًا إلى إيجابية دعوة الباجي لأطراف السياسية والاجتماعية للاجتماع.
وقال العرباوي: "مبادرة جيدة من رئاسة الجمهورية ونسجل التفاعل الإيجابي لكل الأطراف".
وأكد العرباوي أن علاقة حركة "النهضة" بالسبسي "إيجابية"، مضيفا: "وإذا كان هناك فضل لنجاح التجربة الديمقراطية التونسية، فالقدر الأساسي منها هو لرئيس الجمهورية ونحن مستمرون في ربط علاقة إيجابية به".
وتابع العرباوي: "نحن نعتبر الرئيس شريكًا أساسيًا في إنجاح هذه التجربة".
مساع دولية للتهدئة في تونس
وفي سياق الصراع الدائر بين "النهضة" والرئاسة التونسية من جهة، و"النهضة" و"نداء تونس" من جهة أخرى، تحدثت تسريبات في تونس عن مساعٍ دولية لخفض التوتر والحفاظ على التجربة الديمقراطية التونسية.
وأشارت تقارير إعلامية إلى لقاءات في الدوحة خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، شارك فيها كل من رئيس حركة "النهضة"، راشد الغنوشي، ورئيس الهيئة السياسية لحركة "نداء تونس"، حافظ قايد السبسي، دون أن يجتمعا في مكان واحد.
وكان هدف اللقاءات وفق هذه التقارير، إعادة العلاقة المتوترة بين الحركتين حيث يتهم "النداء" حركة "النهضة"، بـ"مساندة رئيس الحكومة يوسف الشاهد في عصيانه لمعلمه الباجي قايد السبسي"، إلا أن الأطراف المعنية لم تؤكد هذه اللقاءات.
في السياق، اعتبر الحبيب بوعجيلة، أن هناك "نصائح" دولية من رعاة الانتقال الديمقراطي في تونس (لم يسمهم)، بأن ينتهي الصراع سريعًا للاتجاه للانتخابات، وحضور "الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية" (اتحاد أرباب العمل) والاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية في تونس) يفسر وجوب الاستماع للأطراف الاجتماعية.
وذهب الحناشي في ذات الاتجاه بشأن سعي أطراف خارجية لحلحلة وضعية الاحتقان في تونس، وقال "يبدو أن أطرافًا خارجية (لم يسمها) تسعى لإنقاذ الموقف".
وأضاف: "المسألة ليست مرتبطة بتونس بل بكل الإقليم، السودان الأردن ولبنان بلدان تشهد توترات، وتونس مرشحة لأكثر توتر لأن هناك أطرافًا خارجية تسعى لعدم نجاح التجربة بأي ثمن".