أحمد الجربا رئيس تيار الغد السوري الذي حلّ في الشمال السوري قبل شهر ونصف الشهر بعيداً عن الإعلام، حملته مروحية جاءت به إلى الحسكة أقلّته من قاعدة عين الأسد العراقية كما أكّدت مصادر مطلعة للميادين.
ويضيف المصدر أن الجربا حمل مقترحاً لإيجاد حل بين أنقرة والكرد فعرض على قيادات كردية أن تستلم قوات عشائرية الشريط الحدودي مع الجانب التركي قوامها قوات النخبة الجناح العسكري الذي يرأسه الجربا، والصناديد، والفصائل والمقاتلين العرب المنضوين تحت راية قسد على ألا ترفع أية راية موالية للكرد في المنطقة، مقترح نال موافقة مبدئية من قسد، ورفضاً مطلقاً من أنقرة لأنه لا ينهي التهديد الكردي.
الجربا الذي تربّع على رأس معسكر المعارضة وعسكرها وقاد سياستها عبر الائتلاف كوجه عشائري سوري، ودعا قبل أربع سنوات إلى ضرب دمشق بذريعة استخدام الكيميائي، يسعى اليوم إلى وساطة عراقية مع دمشق ، استدارة الجربا جاءت بلحظة إخفاق تجمّعات العشائر العربية التي قاتلت تحت راية الكرد في انتزاع أيّ حضور عسكري وازن لها في الشمال والشرق ، وعشية قرار ترامب سحب قواته من سوريا من دون وضوح مَن يملأ فراغ هذا الانسحاب ويمسك بالمناطق.
وقاتلت قوات النخبة إلى جانب الكرد كقوّة مستقلّة عن قسد في معركة الرقة ضد (داعش) قبل أن يتم تجميدها في مقار بريف ديرالزور ورفض إعطائها أية صلاحيات من الكرد حتى في مناطق العشائر بريف ديرالزور، لتنشقّ غالبية القوى التي لم يتجاوز عددها 500 مقاتل من قبيلة الشعيطات وانضمامها إلى الفصائل تقاتل ضمن تحالف قسد.
العشائر أيضاً كانت بضاعة أنقرة لمواجهة الكرد، عملت أنقرة على استفزاز الهويات القبلية لدى العشائر في الشمال، لاستدعاء التدخّل التركي وتحرير مناطقهم من سيطرة القوات الكردية، عشرات المؤتمرات عُقدت طالبت الجيش التركي التدخّل السريع شرق الفرات، ودعم ومساندة المجالس العسكرية في الشمال.. فكل طرف من أطراف الصراع في سوريا ، كان يسعى لتلقّي دعم العشائر لإضفاء الشرعية على أجندته السياسية.
حتى الجولاني الذي قضى على كل خصومه في الشمال وسيطر على كامل إدلب ، آخر الواصلين إلى القائمة التي تريد استقطاب العشائر السورية ويكون عوناً لأنقرة في معركتها ضد الكرد " حزب العمال الكردستاني عدو لهذه الثورة ويستولي على مناطق العرب السنّة وهم عشائرنا وأبناؤهم كانوا يقاتلون معنا ونحن مع التوجّه لتحرير منطقة شرق الفرات ولا يمكن أن نعيق هذا العمل".
الاستعانة بالعشائر وصفة اختبرتها واشنطن أينما حلّت . في العراق شكّلت منها الصحوات ، بقيادة دايفيد باتريوس، وفي سوريا أشار السفيرالأميركي السابق في سوريا روبرت فورد، إلى ضرورة الاستعانة بالعشائر السورية لا سيما في الشرق والجنوب السوريين، بعد إخفاق تجمّعات الجيش الحر في مواجهة الجيش السوري . المخابرات الأميركية حاولت أكثر من مرة بناء "جيش عشائري" انطلاقاً من الأردن، يضمّ 40 ألف مقاتل. وكان قد اقترح السعوديون رصد أربعة مليارات دولار لتنفيذ المشروع لكن شيوخ العشائر في الداخل نفوا إمكانية تشكيل هذا الجيش.
تشكّل العشائر السورية خمسة وخمسين بالمئة من التركيبة السكانية في سوريا. ولم تنجح المعارضة أو غيرها في تجميعها تحت عَلم واحد، وسرّع تدفّق المال والسلاح الخليجي في مناطق الجزيرة ، وحول دير الزور ، في نقل السلطة والزعامة من شيوخ العقيدات والبكارة والجبور وطي وشمر، إلى شيوخ الجهاد وأمراء الحرب من النصرة وأحرار الشام وصقورها وألوية الجزيرة قبل سيطرة داعش . واستقطبت فصائلهم جمهرة عشائرية استغنت عن زعاماتها، واستولت على مصادر النفط والغاز . وعملت القرابة الشمرية مع السعوديين على تسهيل عسكرة العشائر ، شرقاً وجنوباً في صفوف القوات الكردية. وراهن عليها الأميركيون باعتبارها منيعة أمام التطرّف الديني ، وغلبة العشائري فيها على التكفيري، ولإضفاء طابع عربي على مشروع كردي وطمأنة الهواجس التركية بعد أن أصبح الكرد القوة البرية لواشنطن في تدخّلها بسوريا وحماية قواعدها العسكرية.
ومع مراوحة التفاهمات بين الكرد ودمشق في مكانها، يبدو التحالف مع سكان المنطقة من العشائر أكثر جدوى لدمشق، التي تبدو مضطرة للتعامل مع لائحة معقّدة من الوقائع المحلية ، أثناء سعيها إلى العودة مجدّداً إلى المنطقة لقطع الطريق على احتلال تركي جديد.
ديمة ناصيف