تواجه أوروبا وضعاً معقداً. للمرة الأولى منذ سبعين عاماً تضطر للتعامل مع رئيس أميركي مع عدد من المواقف العدائية تجاهها. هل هناك بدائل عن أميركا؟ وهل تتقارب بروكسل مع روسيا؟ ماذا عن المصالح المتضاربة في الشرق الأوسط ومسارات الأزمة المعقدة في سوريا؟ عن ذلك يتحدث مارك بيرييني من منظور أوروبي. بيريني شغل سابقاً منصب سفير فرنسا في سوريا خلال حقبة الرئيس حافظ الأسد ولاحقاً الرئيس بشّار الأسد، وحالياً هو أستاذ زائر في معهد كارنيغي بأوروبا، حيث تركز أبحاثه على التطوّرات في الشرق الأوسط وتركيا من منظور أوروبي.
منذ ربيع العام الماضي بات واضحاً لأوروبا أن شيئاً ما تغيّر. للمرة الأولى، أمست تواجه رئيساً أميركياً يشهر بحقها مواقف عدائية. سريعاً أدركت أنها لم تعد تستطيع، كما في السنوات السبعين الماضية، الاعتماد على أميركا لتأمين أمنها.
كان ذلك واضحاً في مواقف دونالد ترامب خلال قمتيّ الناتو، ومجموعة السبع. اضطرت أوروبا إلى التحرّك للقيام بترتيباتها الخاصة. هل هذا واضح سياسياً؟ من السهل نسبياً قول ذلك، لكنّ الواقع أكثر تعقيداً. ليس سهلاً ولا واضحاً التوجّه نحو إعداد جيش أوروبي أو إقامة نوع من التعاون العسكري بين الدول الأوروبية.
يغدو الأمر أكثر تعقيداً مع انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. اعتمادها سيرتكز بشكل كبير على علاقتها مع أميركا، لكنها في الوقت نفسه تريد علاقة دفاعية مع بعض الدول الأوروبية. من المُبكر جداً الحكم إلى أين نحن ذاهبون، لكن بالتأكيد هذا هو شغلنا الشاغل.
نحو روسيا؟
هل تتوجّه نحو روسيا؟ لا تبدو بروكسل معنية بالتحوّل من علاقة عبر الأطلسي إلى علاقة قارية أوروبية بحتة. هناك عدد من الدعاوى القضائية بين أوروبا وروسيا. في الآن نفسه هناك علاقات تجارية هامة للغاية لاسيما في مجال الطاقة. ثلث الاستهلاك الأوروبي من الغاز مصدره روسيا، لذلك سيكون هناك توازن في العلاقة.
الجديد في العلاقة بين أوروبا وروسيا أن الأخيرة أعادت نفسها قوّة عالمية بعد فترة من سقوط الاتحاد السوفياتي. في إطار القوّة الاقتصادية وبمعزل عن الطاقة، روسيا صغيرة جداً. الناتج المحلي الروسي يماثل تقريباً الناتج المحلي الإيطالي. من هنا، لا يوجد تهديد اقتصادي من روسيا التي تجد من مصلحتها أيضاً إقامة علاقات جيدة مع أوروبا.
الشرق الأوسط والمصالح المُتضاربة
واحدة من مواقف ترامب التي فاجأت بروكسل هي انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران. تبقى الاتفاقات المتفاوَض عليها ركناً أساسياً في العلاقات الدولية. بالتالي ستبذل أوروبا جهداً لإبقائه سليماً، لكن الموقف الأميركي يبدو حازماً جداً وينطوي على تهديدات للاتحاد الأوروبي.
كما نعلم، عدد من الشركات الأوروبية انسحب من إيران تجنباً للعقوبات الأميركية. هذا أمر معقد جداً، إذ لا ينحصر فقط في مجال الاتفاق النووي بل يتعداه إلى حرب بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
في الشرق الأوسط يطفو الحديث اليوم عن صفقة القرن. أن يكون لديك في الواقع رئيس أميركي يتحدّث كل الوقت عن الصفقات، فإن ذلك لا يجعل صفقة القرن أمراً مرجّحاً وبالتأكيد ليس في وقت قريب. الوضع سيبقى معقداً للغاية. أفضل ما يمكن أن نتمناه في الوقت القريب هو وضع حد للعنف في سوريا، ومنع هذا العنف من التسرّب إلى الدول المجاورة، تحديداً لبنان.
يقوم الاتحاد الأوروبي على مبدأ نبذ الصراعات داخل أوروبا وإظهار هذا المنظور لمناطق أخرى. القضية الأساس في الشرق الأوسط محورها إحلال السلام في سوريا ومنع امتداد الصراع. لكن لوحة شطرنج هناك معقدة للغاية.
هناك روسيا وإيران، تركيا، والدول الأوروبية، الولايات المتحدة،. ستجد صعوبة في الحصول على نمط ثابت. إذا نظرنا إلى مسار أستانة تجد مواقف متضاربة. لدى روسيا وإيران وتركيا بعض المصالح المشتركة، ولكن ليس هناك تفاهم حول جميع القضايا.
نأمل أن نرى نوعاً من دمج المبادرات لتصبح مجدية أكثر. هناك مباحثات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة إلى جانب مسار أستانة ونقاشات ثنائية. جرت قمّة رباعية في إسطنبول، لكن لم نر جميع الشركاء على طاولة واحدة بعد.
هذا مثال على الشكل الجديد للدبلوماسية المعقدة في الشرق الأوسط. أعتقد إذا أريد تحقيق سلام حقيقي فإن مسار أستانة يجب أن يندمج في مسار الأمم المتحدة. بالنسبة إلى أميركا وأوروبا وعدد من الدول الأخرى حول العالم، وحده إطار الأمم المتحدة يمكنه أن يحقّق انتقالاً أساسياً من الوضع الحالي إلى الوضع الذي سيكون فيه اتفاق السلام ممكناً.
الجميع يدرك أن الأسد باق
بمعزل عن ذلك يبدو أننا سنشهد هذا العام انخفاضاً في وتيرة العمل العسكري، على أمل أن يكون المشهد الدبلوماسي أكثر أهمية.
أما بالنسبة إلى الرئيس بشّار الأسد فلا أعتقد أن هناك أدنى أمل في أن يستعيد أية مكانة أو اعتبار مع القادة الأوروبيين. مع ذلك ليس هذا المحك. المسألة ببساطة أنه في مرحلة ما يجب التوصّل إلى اتفاق سياسي. هذا الاتفاق من المرجّح أن يشمل الرئيس الأسد. الجميع يدرك ذلك.
هل يمكن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق والدول الأوروبية؟
هي حالياً محدودة للغاية. أربعة أعضاء فقط من أصل 28 في الاتحاد الأوروبي لديهم سفراء في دمشق. سيكون هناك مسار طويل قبل رؤية خاتمة لهذا الموضوع. جزء من الإجابة على هذا السؤال تكمن في طبيعة الاتفاق السياسي. كذلك هي تعتمد إلى حد كبير على الاتفاق الدستوري بشكل يؤخَذ بعين الاعتبار مطالب الكرد في الدستور الجديد.
عند تطبيق الاتفاق ستكون بالطبع هناك انتخابات. سوريا غير معروفة بانتخابات شفافة تراعي المعايير الغربية. سنرى. للقيام بانتخابات شفافة تحتاج أولاً إلى سجلّ موثوق للناخبين. هذا الأمر غير متوفر في الوقت الحالي، تحديداً مع وجود ملايين من النازحين والمنفيين. لذلك، قبل أن تأتي إلى انتخابات شفافة وموثوقة، عليك إعادة إنشاء سجل جديد للناخبين. هذه عملية معقدة للغاية.