ما إن انتهت الجلسة الموسعة لـ"مؤتمر وارسو" حول الشرق الأوسط، قبل أيام، حتى أعلن نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس اتفاق المشاركين على أن إيران تشكل "أكبر تهديد" في المنطقة.
ناقش المؤتمر، الذي دعت إليه واشنطن، الأربعاء والخميس؛ النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط، بما فيها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والآثار الإنسانية الناجمة عنها، والقضايا ذات الأولوية في مبادرة السلام الشامل بالشرق الأوسط (صفقة القرن).
كما بحث المجتمعون، وهم من دول عربية وغربية، إضافة إلى إسرائيل؛ الأخطار الناجمة عن انتشار أسلحة الدمار الشامل، والإرهاب، والتهديدات المرتبطة بالأنظمة المعلوماتية.
وبطبيعة الحال، ركز المؤتمر على التهديدات الإيرانية، فضلًا عن قضايا أخرى ذات اهتمام مشترك تتعلق بالأزمتين السورية واليمنية.
وأولت الولايات المتحدة أهمية كبيرة للمؤتمر من خلال تمثيلها بنائب الرئيس ووزير الخارجية، مايك بومبيو، إضافة إلى المستشار في البيت الأبيض "جاريد كوشنير" (صهر الرئيس دونالد ترامب) المكلف بمبادرة السلام في الشرق الأوسط.
** مواقف طهران والسلطة الفلسطينية
صدرت عن إيران تعليقات على المؤتمر من مختلف المستويات، وقبل وأثناء وبعد انعقاده؛ تعبر عن شجب واستنكار ورفض لـ"الرضوخ".
واعتبرت طهران المؤتمر نواة لتحالف مناهض لها بقيادة الولايات المتحدة، في إشارة إلى فكرة "الناتو العربي" الذي يرتبط بملف التطبيع مع إسرائيل، بحسب مراقبين، طالما أن الفكرة الأساسية تركز على إيجاد آليات التصدي لإيران في المنطقة، وهو هدف تلتقي عليه عواصم عربية مع تل أبيب.
بدورها، أعربت السلطة الفلسطينية عن تخوفها من تحول مؤتمر وارسو إلى منصة للتطبيع العربي الإسرائيلي بعيدًا عن أولويات السلام الشامل الذي يفترض أن يسبق أي خطوات في ذلك الاتجاه.
ويبدو أن السلطة بذلك تفضل رؤية استمرار التهديدات الإيرانية للدول العربية على رؤية التقدم في مسار التطبيع، طالما أن هنالك ترابطًا بين المسارين.
وعلى الرغم من المخاوف الفلسطينية، فالواقع يشير إلى أن أولويات الدول العربية الفاعلة باتت تعطي المواجهة مع إيران اهتمامًا متقدمًا على أولوية التمسك بالمبادرة العربية للسلام، التي حظيت بإجماع قادة المنطقة في قمة بيروت عام 2002.
** نتنياهو والحضور "اللافت"
كان لافتًا حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بصفته وزيرًا للخارجية، إلى جانب وزراء خارجية ومسؤولين عرب.
وحاول نتنياهو قد استطاعته مد جسور التقارب، مستغلا المخاوف المشتركة من الأخطار الإيرانية "المفترضة".
تجسد ذلك في حديثه عن ضرورة مواجهة تلك "الأخطار" وإيجاد فرص للتعاون "تتجاوز الجانب الأمني إلى كل مناحي حياة السكان في المنطقة".
** فرص تحقيق "الأمن والسلام"
لا يبدو أن قضية شائكة ومعقدة مثل السلام والأمن في الشرق الأوسط، الذي يشهد صراعات على أكثر من جبهة؛ يمكن بحثها والوصول إلى حلول واتفاقيات بشأنها في مؤتمر كهذا يرعاه نائب الرئيس الأمريكي وبتمثيل على مستوى وزراء الخارجية.
كما كان واضحًا أن نتنياهو لم يكن معنيًا بهدف المؤتمر الرئيسي، أي "الأمن والسلام"، بقدر ما كان معنيًا بالتقدم خطوات نحو التطبيع مع الدول العربية.
إلا أن وزير الخارجية الأمريكي قال إن هدفه "الخروج بائتلاف عالمي يجري بناؤه لاحقًا للحد من المخاطر طويلة الأمد على دول العالم، جراء الصراعات في منطقة الشرق الأوسط".
رغم ذلك، فإنه من المستبعد أن تسفر النتائج عن خطوات عملية لإنشاء تحالف إقليمي بهذه الصيغة، على المدى القريب على الأقل، مع مرور عامين تقريبًا على تبشير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتلك الرؤية، في القمة الإسلامية الأمريكية بالرياض، في أيار/مايو 2017.
** مشاركة أم "تطبيع"؟
رغم تمثيل الرياض المتواضع، فقد عكس المؤتمر شراكة إسرائيلية سعودية في أي سياسة مناهضة لإيران، دون أن يُفهم من هذا إمكانية حدوث تطبيع شامل بين الجانبين في المرحلة الراهنة.
ووجد المشاركون المعنيون الرئيسيون بالأزمة اليمنية هامشًا مهمًا لهم في المؤتمر، إذ تلقفوا فرصة لعقد اجتماع رباعي ضم وزراء خارجية الإمارات والسعودية والولايات المتحدة وبريطانيا، دون حضور ممثل عن اليمن رغم مشاركة وزير خارجيته خالد اليماني.
وشارك في المؤتمر أكثر من 30 وزيرًا للخارجية، وممثلين عن نحو 60 دولة، بينها 10 من الشرق الأوسط، هي: السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن والأردن والكويت والمغرب وسلطنة عُمان، إضافة إلى إسرائيل.
لم تُدع طهران بطبيعة الحال، كما أن السلطة الفلسطينية رفضت قبول الدعوة، بينما أرسلت كل من فرنسا وألمانيا دبلوماسيين من الدرجة الثانية، مع غياب روسي، فيما برز حضور وزير الخارجية جيريمي هانت، لكنه ركز في مشاركته على مناقشة الأزمة الإنسانية في اليمن.
كما كان لافتًا مشاركة منظمة "مجاهدي خلق" المعارضة للنظام الإيراني في الخارج، والتي كانت مصنفة على لائحة المنظمات الإرهابية لدى الولايات المتحدة حتى عام 2012.