شكّل مؤتمر وارسو الذي بدأ أعماله يوم الخميس "14/2/2019" مساحة جديدة ظهر من خلالها اصطفاف جديد للقوى على المستوى الدولي كما أبرز انقسامات جديدة بين الأفرقاء.
وكان العامل الأكثر أهمية الذي أثر على المؤتمر هو الشراكة المحدودة غير الفعالة والمترددة من قبل الأوروبيين، وكان ردّ الفعل الأولي لأوروبا سبباً في تغيير جدول أعمال القمة، إذ كان من المخطط التركيز على إيران، وأوضحت أوروبا أن قمة وارسو ستكون فرصة جديدة للكشف عن الخلافات بين أمريكا وأوروبا حول إيران.
إن تغيير بعض موضوعات المؤتمر لم يحلّ مشكلة أوروبا، لأنه كان من الواضح أن وجود بومبيو وبنس وكذلك كبار المسؤولين من "إسرائيل" والسعودية والإمارات، سوف يدفع باتجاه التركيز على إيران.
ردّة فعل أوروبا على المؤتمر جاءت باردة وباهتة حيث شاركت أوروبا في المؤتمر بمستوى دبلوماسي منخفض احتجاجاً على الأحادية غير المسبوقة لأمريكا بشكل عام، بما في ذلك سياسة أمريكا تجاه إيران والانسحاب من سوريا.
ويجب أن نذكر أن أمريكا لم تستشر أوروبا على أي حال قبل الإعلان عن قمة وارسو.
هذه المرة، أوضحت أوروبا أيضاً أنها لا تريد أن تبدو أنها انضمت إلى سياسة "الضغط إلى أبعد حدّ ممكن" لفريق ترامب ضد إيران، وبالتالي لا يبقى أي سبب لالتزام إيران ببنود الاتفاق النووي.
العامل الآخر الذي قوّض فعالية قمة وارسو كان الصراع داخل الاتحاد الأوروبي بين الليبراليين والشعبويين اليمينين المناهضين للاتحاد.
لقد قيّم الديمقراطيون الليبراليون الأوروبيون، الذين يدعمون الاتحاد الأوروبي، مؤتمر وارسو أنه يأتي في إطار مواصلة الجهود الأمريكية لدعم الحركات المناهضة للاتحاد ومحاولة تضعيفه، ولاسيما السيدة موغيريني التي صرّحت فور الإعلان عن موعد مؤتمر وارسو أنها لن تحضر.
موقف بولندا جاء محيّراً من هذه القمة، حيث قال الرئيس البولندي أندجي دودا: "إن الجانب البولندي سيكون مُحايداً في المؤتمر الذي ستشهده عاصمة بلاده"، ولكن هل من الممكن أن تعقد أعمال المؤتمر في وارسو، بدعوة من السلطات البولندية ويقول الرئيس إن بلاده مُحايدة، في الحقيقة هناك فصام في الموقف البولندي سببه رغبة الحكومة البولندية بالتعاون مع حكومة ترامب وكسب دعم واشنطن لمجابهة روسيا، وفي هذا الإطار كتب شيمون ماركيفيتش، الناشط البولندي في مجموعة فلسطين بالبولندية "لسوء الحظ فإن الحكومة البولندية تخضع "لإسرائيل" وأمريكا بشكل أعمى، وبهذه الطريقة تضرّ بمصلحة الأمّة البولندية.
ويضيف ماركيفيتش: مشاركة قادة المجر والجمهورية التشيكية وبولندا وسلوفاكيا باجتماع في شهر شباط – فبراير الحالي كوزراء لما يسمّى مجموعة "فيسيجراد" مع ما يسمّى "بإسرائيل" مع العلم أن نتنياهو يريد كسر وحدة الاتحاد الأوروبي في القضايا المتعلقة بالفلسطينيين وإيران.
هدف بولندا الرئيسي في محاولة تعزيز التعاون العسكري والأمني مع واشنطن هو في الواقع مواجهة روسيا في أوروبا الشرقية السابقة والتأثير في الأزمة الأوكرانية.
لدى بولندا في أوروبا الشرقية أكبر معارضة لروسيا، ويوجد في بولندا أحد القواعد الأمريكية المضادة للصواريخ، وأكبر عدد للجنود الأمريكيين يتمركز ضمن إطار "الناتو" في بولندا، وإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية دائمة في بولندا، وهو ما تدعو إليه وارسو، يخلق ظروفاً جديدة في المنطقة.
كان تردد الحكومة الروسية في المشاركة في قمة وارسو سبباً آخر لفشل الاجتماع، على الرغم من أن الحكومة الروسية تكافح من أجل إضعاف وانهيار الاتحاد الأوروبي مع حكومة ترامب، إلا أنها تعارض بشدة التوافق والتعاون بين وارسو وواشنطن.
بطبيعة الحال، كانت بعض جوانب قضية الشرق الأوسط فعالة في التصدي لرفض روسيا لقمة وارسو، بالنظر إلى موقف روسيا، كان من الطبيعي أن تتخذ الصين نهجاً سلبياً تجاه قمة وارسو، عادة، تتحرك الشؤون العسكرية والأمنية الدولية للصين على بعد بضعة أقدام من روسيا.
ومع ذلك، يمكن اعتبار وارسو نقطة تحول في عدة اتجاهات:
1 - لسوء الحظ ، نجحت قمة وارسو، لأول مرة منذ قمة مدريد في عام 1993 في جلب ممثلين رفيعي المستوى لبعض البلدان العربية إلى جانب ممثلين من "إسرائيل" وأمريكا في إطار علني.
بشكل أساسي، من دون هذا التقارب بين "إسرائيل" وبعض العرب لن يكون من الممكن عقد قمة وارسو على هذا المستوى.
هذا التصريح العلني لوزير الخارجية البحريني، الذي يزعم أن التهديد الإيراني الآن أكثر أهمية من القضية الفلسطينية، قضية يمكن أن تكون لها آثار طويلة المدى على المنطقة فيما يتعلق بالعوامل الأخرى.
وتأمل أمريكا في بناء مثل هذا التحالف الإقليمي ضد إيران وزيادة تهميش القضية الفلسطينية.
وفي هذا الصدد، فإن عدم مشاركة السلطة الفلسطينية في الاجتماع، الذي يواصل مقاطعة العمل مع حكومة ترامب أمر هام.
- من ناحية أخرى، فإن تكثيف الخلافات بين أوروبا وأمريكا في أعقاب مؤتمر قمة وارسو، يعتبر أمراً مهماً للغاية برز خلال أعمال المؤتمر.
وخلال الاجتماع، أدّى الهجوم السريع من جانب وزير الخارجية الأمريكية بومبيو ومايك بنس معاون الرئيس الأمريكي على الدول الأوروبية الثلاث إلى الدخول في مرحلة جديدة وغير مسبوقة في تكثيف الخلاف بين أمريكا وأوروبا حول إيران، والذي بدأ بعد اينستكس.
وقد طالب كل من بنس وبومبيو بشكل صريح أوروبا للخروج من الاتفاق النووي الإيراني واتهام أوروبا بمحاولة انتهاك فرض العقوبات على إيران، من خلال إنشاء Instax ، لأول مرة أكدوا علانية على الانقسام بين جانبي الأطلسي حول إيران، و لقد أظهروا أنهم أكثر استعداداً للعمل مع الدول الاستبدادية في أوروبا لممارسة الضغط على الاتحاد الأوروبي.